التحكيم – مقرر تحكيمي – تذييله بالصيغة التنفيذية – سلطات المراقبة لرئيس المحكمة
القرار عدد 129 الصادر بتاريخ 28/01/2010 في الملف رقم 896/3/3/2009
القاعدة:
لما كان التحكيم طريقا استثنائيا لفض المنازعات فإن ميدانه يبقى محصورا حتما فيما انصرفت إليه إرادة طرفي العقد على عرضه على هيئة التحكيم وفق ما هو وارد في شرط أو اتفاق التحكيم اللذين تستقل محكمة الموضوع بتفسيرهما وفق ما تراه أوفى بمقصود العاقدين وبما لا خروج فيه على ما تحمله ألفاظهما وعباراتهما ، ولا رقابة عليها من المجلس الأعلى إلا بخصوص التعليل ، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ، التي أيدت الأمر المستأنف القاضي برفض تذييل حكم المحكمة بالصيغة التنفيذية بعلة مفادها أن حكم المحكم قد تجاوز حدود الاختصاص المسند إليه في شرط التحكيم بقضائه بفسخ العقد دون النص صراحة على ذلك في الشرط المذكور الذي جاء قاصرا على اللجوء إلى التحكيم بشأن المنازعات التي تنشأ بخصوص تفسير او تطبيق العقد وملحقه ، وانه لا يجوز التوسع في تفسير العقد باعتبار أن التحكيم هو استثناء من القاعدة العامة التي توجب اللجوء إلى القضاء ، تكون قد راعت مجمل ما ذكر بإبرازها أن المحكم قد تجاوز ما هو منصوص عليه في شرط التحكيم من حصر اللجوء إليه بخصوص المنازعات التي قد تثور بين طرفيه بشأن تأويل وتفسير او تطبيق الاتفاقية وملحقها وهي عبارة لا دلالة على أن بإمكانه الحكم بفسخ الاتفاقية وملحقها ما دام ان الفسخ هو جزاء خطير لا يمكن استنتاجه من العبارة المذكورة الواردة بشرط التحكيم بل يجب إسناده صراحة للمحكم وهو ما لم يثبت للمحكمة من فحوى الشرط المذكور .
لئن كانت سلطة المحكمة فيما يتعلق بمنح الصيغة التنفيذية تتمحور حول التأكد من كون المقرر التحكيمي غير مشوب بالبطلان وغير مخالف للنظام العام دون أن تتجاوز ذلك إلى النظر في الموضوع الذي فصل فيه المحكمون ، فإن التحقق من عدم مخالفة المحكمين لمقتضيات شرط التحكيم وذلك بالخروج عليها وتجاوزها إلى مجال غير مضمن بها يعتبر من صميم سلطة المحكمة المذكورة باعتبار أن تلك الحالة هي من الأسباب التي تجيز الطعن بالبطلان في المقرر التحكيمي بحسب ما تنص عليه الفقرة الخامسة من الفصل 327 من ق م م ( 36-327) الناصة من بين أسباب الطعن بالبطلان على حالة ما إذا ” بتت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها أو بتت في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود هذا الاتفاق”
باسم جلالة الملك
حيث يستفاد من وثائق الملف ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدارالبيضاء بتاريخ 24/06/2008 في الملف عدد 1796/08/4 أن الطالبة شركة سيدارسا تقدمت بمقال إلى رئيس المحكمة التجارية بالدارالبيضاء عرضت فيه أنه حدث نزاع بينها وبين المطلوبين عبد القادر ومن معه حول تطبيق الاتفاقية الإطار وملحقها المبرمين بينهما بتاريخ 04/04/2002 ن وأنه باعتبار أن العقدين المذكورين نصا في بندهما العاشر بالنسبة للاتفاقية والسابع بالنسبة للملحق على أنه من اجل تفسيرهما أو تطبيقهما أو فض المنازعات الحاصلة بخصوصهما فإنه يتم عرض ذلك على محكم للفصل فيها كوسيط بالتراضي وبصفة نهائية ، وأنها عمدت بتاريخ 22/05/2إلى توجيه إشعارات للمطلوبين لتعيين محكم ، ولما لم يستجيبوا فإنها تقدمت إلى رئيس المحكمة التجارية لتعيين محكم فصدر أمر قضائي بتاريخ 18/07/2007 بتعيين السيد محمد توكاني محكما للفصل في النزاع ، وأنه أصدر قرارا تحكيميا بتاريخ 29/10/2007 ملتمسة المر بتذييل المقرر التحكيمي المذكور والمودع أصله بكتابة الضبط بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 30/10/2007 تحت عدد 10/2007 بالصيغة التنفيذية. فأصر نائب رئيس المحكمة التجارية أمرا برفض الطلب . استأنفته المدعية فأيدته محكمة الاستئناف التجارية بمقتضى قرارها المطعون فيه.
في شأن الوسيلة الأولى.
حيث تنعى الطاعنة على القرار المطعون فيه خرق مقتضيات الفصول 230 و 231 و 59 و 262 و 263 و 533 و 566 من ق ل ع و 345 من ق م م وتحريف مفهوم الوثائق وانعدام التعليل وعدم الارتكاز على أساس قانوني ، بدعوى انه اعتبر ان ما تضمنه الفصل 10 من الاتفاقية و 7 من ملحقها من كون النزاعات التي تحدث بين طرفيهما بشأن تأويلها أو تطبيقها لا يمتد إلى فسخها والحكم بالتعويض ، والحال أن اتفاق الطرفين على إحالة النزاع الذي قد يحدث بينهما إلى التحكيم كلما تعلق بتأويل الاتفاقية أو تطبيقها يفرض وجوبا كل ما يترتب عنها من التزامات إيجابية او سلبية إلزام العاقدين بتنفيذ ما التزما به عينا إذا تعلق التنفيذ بالأداء أو عن طريق التعويض إذا تعلق الأمر بالقيام بعمل ، علما بأن إرجاع الثمن وفوائده يفرض لزوما فسخ الاتفاق في حالة إخلال المدين بالتزامه ، وأن العمل القضائي استقر على أنه إذا كان شرط التحكيم يتعلق بتأويل الاتفاقية او تنفيذها فإن ذلك لا يحول دون جواز الحكم ببطلان الاتفاقية أو فسخها ، مما يكون معه المقرر التحكيمي الذي سجل عدم قيام المطلوبين بما التزموا به من الكف عن عمليات منافسة الشركة التي فوتوا أسهمهم فيها إذ واصلوا وساطتهم في التأمين إخلالا بتعهدهم ، ومن ثم ألزمهم بإرجاع ما تقاضوه من ثمن لقاء تفويتهم للأسهم مع فوائده مما أوجب فسخ الاتفاقية المبرمة بين الطرفين تطبيقا لأحكام العقود المنصوص عليها قانونا وهو ما تكون معه عبارة شرط التحكيم غير مستثنية إرجاع الثمن عند عدم توفر مقابله وبالتالي زوال العقد بفسخه.
لكن ؛ حيث إنه لما كان التحكيم طريقا استثنائيا لفض المنازعات فإن ميدانه يبقى محصورا حتما فيما انصرفت إليه إرادة طرفي العقد على عرضه على هيئة التحكيم وفق ما هو وارد في شرط أو اتفاق التحكيم اللذين تستقل محكمة الموضوع بتفسيرهما وفق ما تراه أوفى بمقصود العاقدين وبما لا خروج فيه على ما تحمله ألفاظهما وعباراتهما ، ولا رقابة عليها من المجلس الأعلى إلا بخصوص التعليل ، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه ، التي أيدت الأمر المستأنف القاضي برفض تذييل حكم المحكمة بالصيغة التنفيذية بعلة مفادها أن حكم المحكم قد تجاوز حدود الاختصاص المسند إليه في شرط التحكيم بقضائه بفسخ العقد دون النص صراحة على ذلك في الشرط المذكور الذي جاء قاصرا على اللجوء إلى التحكيم بشأن المنازعات التي تنشأ بخصوص تفسير او تطبيق العقد وملحقه ، وانه لا يجوز التوسع في تفسير العقد باعتبار أن التحكيم هو استثناء من القاعدة العامة التي توجب اللجوء إلى القضاء ، تكون قد راعت مجمل ما ذكر بإبرازها أن المحكم قد تجاوز ما هو منصوص عليه في شرط التحكيم من حصر اللجوء إليه بخصوص المنازعات التي قد تثور بين طرفيه بشأن تأويل وتفسير او تطبيق الاتفاقية وملحقها ، وهي عبارة لا دلالة على أن بإمكانه الحكم بفسخ الاتفاقية وملحقها ما دام ان الفسخ هو جزاء خطير لا يمكن استنتاجه من العبارة المذكورة الواردة بشرط التحكيم بل يجب إسناده صراحة للمحكم وهو ما لم يثبت للمحكمة من فحوى الشرط المذكور مما جاء معه قرارها غير خارق للمقتضيات المحتج بخرقها ومرتكزا على أساس وغير محرف للوثائق ومعللا بما فيه الكفاية والوسيلة على غير أساس.
في شأن الوسيلة الثانية
حيث تنعى الطاعنة على القرار المطعون فيه خرق القانون ونقصان التعليل وفساده وعدم التطبيق السليم لمقتضيات الفصلين 306 و 309 من ق م م بدعوى ان القاضي عند النظر في طلب التذييل بالصيغة التنفيذية تقتصر رقابته على صحة المقرر التحكيمي وسلامته من حيث الشكل وعدم تعارضه مع النظام العام دون مراقبة صلب النزاع ولا تعليل المقرر ، وأن المقرر موضوع الطلب ليس فيه أي مساس بالنظام العام ولا جاء معيبا لخرق مقتضيات الفصل 306 من ق م م ، وان المحكمة التي اعتبرت المقرر مخالفا للنظام العام لخروجه عن نطاق شرط التحكيم تكون قد خرقت الفصلين المحتج بخرقهما مما يجعل قرارها عرضة للنقض.
لكن؛ حيث إنه ولئن كانت سلطة المحكمة فيما يتعلق بمنح الصيغة التنفيذية تتمحور حول التأكد من كون المقرر التحكيمي غير مشوب بالبطلان وغير مخالف للنظام العام دون أن تتجاوز ذلك إلى النظر في الموضوع الذي فصل فيه المحكمون ، فإن التحقق من عدم مخالفة المحكمين لمقتضيات شرط التحكيم وذلك بالخروج عليها وتجاوزها إلى مجال غير مضمن بها يعتبر من صميم سلطة المحكمة المذكورة ، باعتبار أن تلك الحالة هي من الأسباب التي تجيز الطعن بالبطلان في المقرر التحكيمي بحسب ما تنص عليه الفقرة الخامسة من الفصل 327 من ق م م ( 36-327) الناصة من بين أسباب الطعن بالبطلان على حالة ما إذا ” بتت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها أو بتت في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود هذا الاتفاق” . والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بقضائها بتأييد الأمر المستأنف القاضي برفض تذييل حكم المحكم بالصيغة التنفيذية لتجاوزه لما هو منصوص عليه في شرط التحكيم من تحديد مجال المنازعات المتفق عل عرضها على التحكيم في تفسير أو تطبيق العقد دون فسخه تكون قد راعت مجمل ما ذكر مما جاء معه قرارها غير خارق للمقتضيات المحتج بخرقها ومعللا تعليلا سليما وبما فيه الكفاية والوسيلة عل غير أساس.
لهذه الأسباب
قضى المجلس الأعلى برفض الطلب.
وكانت الهيئة متركبة من السادة: زبيدة تكلانتي رئيسة ، والمستشارون : عبد السلام وهابي مقررا وأحمد ملجاوي ولطيفة أيدي وبهيجة رشد أعضاء وبمحضر المحامي العام السيد محمد صادق وبمساعدة كاتب الضبط السيد منير العفاط
2 Replies to “التحكيم – مقرر تحكيمي – تذييله بالصيغة التنفيذية – سلطات المراقبة لرئيس المحكمة”
القاعدة المستخلصة من القرار أن من شروط تذييل حكم المحكم بالصيغة التنفيذية ألا يكون مشوبا بعيب بالبطلان. وطبقا للفصل 36-327 من قانون المسطرة المدنية فإنه يمكن الطعن بالبطلان في المقرر التحكيمي إذا شابته أحد العيوب اتي تسمح بالطعن فيه بالبطلان والتي حددها الفصل المذكور.
والنازلة موضوع التعليق لا يستفاد منها ان أحدا طعن بالبطلان في المقرر التحكيمي ولا أثار ذلك أمام السيد رئيس المحكمة وإنما استخلصه هذا الأخير تلقائيا من خلال ما تبين له من أن المحكم تجاوز اختصاصه المخول له بمقتضى شرط التحكيم والذي تحدد له في تأويل الاتفاقية وتطبيقها.
والسؤال المطروح هل كان من حق رئيس المحكمة وهو بصدد النظر في طلب تذييل المقرر التحكيمي بالصيغة التنفيذية أن يراقب هذه المسألة ، مع انه باستقراء النصوص المتعلقة بالتحكيم لا يوجد نص يسمح له بذلك.
وماذا لو كان عرض على محكمة الاستئناف طعن بالبطلان فاعتبرت أن تطبيق الاتفاقية يمكن أن ينصرف إلى فسخها والحكم بالتعويض خلافا للتأويل الذي ذهب إليه رئيس المحكمة وسايرته فيه محكمة الاستئناف وتبناه المجلس الأعلى في قراره موضوع التعليق.
لذا في رأيي كان على رئيس المحكمة ألا يدخل في هذا المجال ويكتفي بمراقبة توفر الشروط التي تسمح بتذييل المقرر التحكيمي بالصيغة التنفيذية وهي تلك المنصوص عليها في الفصول من 308 إلى 310 من ق م م ، وفي حالة الطعن في المقرر التحكيمي ممن له المصلحة فإن محكمة الاستئناف المختصة بالنظر ستقول كلمتها ،لا سيما وأن الفصل 36-327 فقرة 2 ينص على أنه ” يكون تقديم هذا الطعن – أي بالبطلان – مقبولا بمجرد صدور الحكم التحكيمي ، ولا يتم قبوله إذا لم يقدم داخل أجل 15 يوما من تبليغ الحكم التحكيمي المذيل بالصيغة التنفيذية ” وعبارة الصيغة التنفيذية تدل على أن المشرع لم يسند لرئيس المحكمة حين إعطائه الصيغة التنفيذية حق مراقبة المقرر التحكيمي فيما يخص عيب البطلان ، عكس ما ذهب إليه القرار موضوع التعليق ، وإضافة إلى ذلك ومما يؤكد هذا الاتجاه هو ما نص عليه المشرع أيضا في الفقرة الثالثة في الفصل 32-327 من ق م م من أن ” الطعن بالبطلان المنصوص عليه في الفصل 36-327 يتضمن بقوة القانون في حدود النزاع المعروض على محكمة الاستئناف طعنا في الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية “.
لذا ومن وجهة نظرنا المتواضعة لم يكن قرار المجلس الأعلى موفقا فيما ذهب إليه.
والله أعلم.
تكملة لما جاء في التعليق السابق يمكن ملاحظة كما لو أن القرار مطعون فيه صادر في إطار الطعن في المقرر التحكيمي وصدر القرار ببطلانه ، ينما الحال إنما يتعلق بأمر صادر عن رئيس المحكمة لتذييل حكم المحكم بالصيغة التنفيذية أيدته محكمة الاستئناف بعلة تطاول المحكم على مجال لا يسنده له شرط التحكيم ، وبالتالي لا مجل لأن يستعين قرار المجلس الأعلى بالمقتضيات القانونية الواردة في الفصل 36/-327 المتعلقة ببطلان المقرر التحكيمي إذا تجاوز المحكم اختصاصه لأن ذلك هو من اختصاص محكمة الطعن وليس القاضي المخول له التذييل بالصيغة التنفيذية ، كما أن مقتضيات النظام العام لا تشمل تجاوز المحكم لاختصاصه لأن ما تعلق بالنظام العام المذكور تولى توضيحه الفصل 308 و 309 و 310 و 311 ومن ق م م.