إرجاع الورقة التجارية غير المؤداة – ضياعها لدى مصلحة البريد – مسؤولية البنك – نعم

إرجاع الورقة التجارية غير المؤداة – ضياعها لدى مصلحة البريد – مسؤولية البنك – نعم

fkm

الحكم عدد 1015 بتاريخ 2010/02/02 في الملف رقم 2008/17/4809

القاعدة:

لا يوجد نص في القانون يؤطر عمل البنك ، ويفرض عليه إرسال الورقة التجارية المقدمة للاستخلاص لصاحبها بعد رجوعها غير مؤداة بطريق البريد المضمون، بل كل ما هناك ما نصت عليه مقتضيات المادة 502 من مدونة التجارة في فقرتها الثانية التي تلزم البنك بإرجاعها إليه ضمن الآجال المناسبة ليتمكن من حفظ حقوقه إزاء الملتزمين بها، وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية وليس التزاما ببذل عناية.

هذا الالتزام تؤكده قواعد الوديعة التي تلزم المودع لديه بأن يسهر على حفظ الوديعة بنفس العناية التي يبذلها في المحافظة على أموال نفسه، ولا يحق له أن يحل شخصا آخر محله في حفظها ما لم يؤذن له في ذلك صراحة وهو يسأل عمن يحله محله بغير إذن.

تحديد الغرامة التهديدية ليس له ما يبرره لكون المحكوم به مبلغ مالي وليس القيام بعمل يتطلب تدخلا شخصيا من المحكوم عليه.

 

باسم جلالة الملك

بتاريخ 02/02/2010 أصدرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء.

وهي مؤلفة من السادة:

جمال السنوسي رئيسا ومقررا.

نادية زهيري عضوا.

عبد السلام خمال عضوا.

بمساعدة  هشام مبروك كاتب الضبط.

في جلستها العلنية الحكم الآتي نصه:

بين: حسن مفضال الكائن بشارع محمد بوزيان إقامة فرحتين 3 شقة 18 حي السلامة الدارالبيضاء.

نائبته الأستاذة نجاة مهوري المحامية بهيئة خريبكة.

من جهة.

وبين: البنك المغربي للتجارة الخارجية في شخص ممثلها القانوني بمقرها الكائن 140 محج الحسن الثاني الدارالبيضاء.

نائبه الأستاذ خالد الشركي المحامي بهيئة الدارالبيضاء.

والمدخل في الدعوى: بريد المغرب في شخص ممثله القانوني بمقره الكائن  بشارع مولاي سليمان الرباط.

نائبه الأستاذ محمد عواد المحامي بهيئة الدارالبيضاء.

من جهة أخرى.



الوقائــع:

بناء على المقال المسجل بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 19/5/2008 بعد أن أديت عنه الرسوم القضائية يعرض فيـه المدعي أنه قام بإيداع شيك مرقم تحت عدد 1267234 بمبلغ 85.167,20 درهم مسحوب على صندوق الإيداع والتدبير من طرف كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء، وقد تبين له أنه لم يتم إدراج مبلغه بالحساب، وبعد استفسار المدعى عليه أجابه أنه قام بإرجاعه للعارض لكون الشيك كان مشوبا بعيب شكلي وذلك بالبريد المضمون تحت عدد 559 بتاريخ 18/1/2006، ولأن العارض لم يتوصل بالشيك رغم مرور قرابة الشهرين فقد قام بمراسلة كتابة الضبط من أجل القيام بالتعرض على أداء الشيك المذكور كما قام بمراسلة المدعى عليه من أجل إخبار صندوق الإيداع والتدبير والخزينة الجهوية بالدارالبيضاء محملا إياه مسؤولية ضياع الشيك، ولأن الخطأ التقصيري للمدعى عليه نتج عنه ضرر مادي للعارض تجلى في ضياع الشيك منذ سحبه من صندوق المحكمة بتاريخ 4/1/2006 إضافة إلى الضرر المعنوي المتجلي في التشويش على سمعته وفقدانه لزبنائه بدليل أنه سجلت ضده شكاية من طرف المستفيدين من الشيك إلى السيد الوكيل العام للملك وأخرى للسيد وزير العدل ملتمسا الحكم له بتعويض قدره 250.000 درهم تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 700 درهم عن كل يوم يتأخر فيه عن التنفيذ مع النفاذ والصائر. وأرفق مقاله بصورة من الشيك ومجموعة مراسلات وإشهاد بنكي وكتاب نقيب المحامين وشكاية وجواب المدعي.

وبناء على جواب المدعى عليه أن المدعي اكتفى بالإدلاء بصور وثائق مخالفة للفصل 400 من ق م م وموضوعا فإنه لم يتسبب للمدعي في أي ضرر بل قام بمهامه على أحسن وجه وضمن مقتضيات القانون التي تؤطر مجال عمله إذ بعد إرجاعه بدون أداء وجه الشيك للمدعي بالبريد المضمون تحت عد 559 بتاريخ 18/1/2006 بعنوانه الكائن بشارع عبد الرحمان المخنث بلوك 19 الرقم 13 سيدي عثمان الدارالبيضاء، كما أنه استخلص قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه وأنه لا يتحمل أي مسؤولية بخصوص الأضرار المزعومة التي ادعي أنها محقة ملتمسا أساسا الحكم بعدم قبول الدعوى وموضوعا رفض الطلب، ثم أدلى بمقال
إدخال بريد المغرب في الدعوى، ملتمسا استدعاءه والحكم عليه بأداء ما قد يقضى به لفائدته مضيفا أن احتمال عدم توصل المدعي بالبريد المتضمن للشيك قد يعود لأمرين الأول هو تغييره لعنوانه أو أن مؤسسة بريد المغرب قامت بإضاعة الشيك. وأرفق مذكرته بصورة لاستفسار وصورة للإعلام بتغيير عنوان.

وبناء على تعقيب المدعي أنه أصيب بالضرر المادي والمعنوي من جراء تصرف المدعى عليه، وأنه لا يتعامل مع مؤسسة البريد التي يحاول المدعى عليه إقحامها في النازلة، وبخصوص تغيير العنوان فهو لم يغيره إلا بتاريخ 3/7/2006 أي بعد ستة أشهر من إيداع الشيك وأن المدة الزمنية التي تتطلبها عملية إرسال المرسل لرسالة مضمونة وتوصل المرسل إليه بها لا تتعدى في أقصاها 20 يوما وإلا رجعت للجهة المرسلة لا أن تتيه هذه الرسالة لمدة تجاوزت السنتين دون رجوعها إلى المصدر، وأن السبب في ضياع شيك العارض المودع لدى المدعى عليه هو تقصير من جانب هذا الأخير، ملتمسا الحكم وفق الطلب وأرفق مذكرته بصورة لتنازل.

وبناء على تعقيب المدعى عليه أن المدعي يقر بتغيير العنوان إلا أن ذلك تم بتاريخ 3/7/2006 في حين أن الرسالة التي سبق الإدلاء بها مؤرخة في 16/1/2006، وبالتالي فإن المدعي يتحمل كامل المسؤولية عن عدم توصله بالبريد المضمون الموجه له، ملتمسا الحكم وفق ملتمساته السابقة.

وبناء على جواب المدخل في الدعوى دفع فيه بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعيا لأنه مؤسسة عمومية  وأن المحكمة المختصة هي المحكمة الإدارية لأنه لا يمارس أعماله بهدف الربح والمضاربة، وبالتالي فإن الصفة التجارية غير متوفرة، واحتياطيا فإن المدعى عليه أرفق مقال الإدخال بصور شمسية غير مطابقة لأصلها كما لم يثبت علاقته التعاقدية بالعارض ولم يثبت أن الشيك كان موجودا في الرسالة المضمونة، كما أنه لم يدل بالوصل الأصلي المتعلق بالرسالة المضمونة ولم يقم بإيداع شكاية لدى مؤسسة العارض داخل الأجل القانوني المحدد في ستة أشهر ابتداء من اليوم الموالي لإيداع الرسالة، ملتمسا الحكم أساسا بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة التجارية للبت في مقال الإدخال واحتياطا عدم قبول مقال الإدخال.

وبناء على تعقيب المدعى عليه أكد دفوعه السابقة مضيفا أن دفع المدخل في الدعوى بعدم الاختصاص النوعي غير مؤسس لأن اختصاص المحكمة الإدارية لا ينعقد كلما كان الأمر يتعلق بمؤسسة عمومية لأن طبيعة العملية المتنازع بشأنها ليست مرتبطة بعقد إداري و صفقة عمومية، وبخصوص العلاقة فهي ثابتة من خلال سجل تداول البريد المضمون، كما أن الشكاية رفعت فور التأكد من ضياع البعيثة البريدية وأن عدم تقديم المدخل في الدعوى لأي جواب في الموضوع يؤكد استمراره في المراوغة والتهرب من تحمل المسؤولية.

وبناء على ملتمس النيابة العامة الرامي إلى الحكم باختصاص المحكمة نوعيا.

وبناء على الحكم التمهيدي الصادر بتاريخ21/4/2009 تحت عدد 667 والقاضي بإجراء بحث بحضور الأطراف ودفاعهم.

وبناء على جلسة البحث المنعقدة بتاريخ 14/7/2009 تم الاستماع فيها لممثل المدخل في الدعوى الذي التمس حفظ حقه في الجواب على الدعوى إلى حين إثبات البنك أنه أودع البعيثة لديه لأن المدلى به مجرد صورة شمسية لصفحة من سجل الإيداعات رقم 512 ولا يبدو منها لا توقيع الموظف ولا توقيع الإدارة، فتدخل ممثل البنك أنه سيدلي بأصل السجل، ثم تدخل المدعي وأوضح أن قيمة الشيك تم أداؤها بعد القيام بإجراءات استبدال الشيك الضائع.

وبناء على جلسة البحث المنعقدة بتاريخ 10/11/2008 والتي أوضح فيها دفاع البنك أن موكله لم يمكنه من دفتر الإيداعات ملتمسا حفظ حقه في الإدلاء به خلال جلسة الموضوع فتقرر ختم البحث.

وبناء على مستنتجات المدعي بعد البحث أن المدعى عليه عجز عن دفع مسؤوليته عن ضياع الشيك وبالتالي تبقى قائمة، وأنه يدلي بمجموعة من الوثائق التي تثبت الدعوى وحجم الضرر المادي والمعنوي الذي طاله، ملتمسا الحكم بما جاء في مقاله وبتضامن المدعى عليه والمدخل في الدعوى. وأرفق مذكرته  بمراسلات وشكايات ومذكرات ووثائق أخرى.

وبناء على مستنتجات البنك بعد البحث أن المدعي صرح بجلسة 14/7/2009 أنه قام بسحب الشيك واستيفاء قيمته، وهو إقرار يلزمه ما يجعل دعواه غير مؤسسة، كما أن ذك يفند أقواله بمذكرته المدلى بها بجلسة 3/3/2009 والتي صرح فيها بأن العارض لم يثبت أن الشيك كان موجودا بالرسالة المضمونة، مضيفا أن المدخل في الدعوى رفض الجواب على الشكاية التي سبق له أن تقدم بها لديه، وأنه يدلي رفقة مذكرته بأصل سجل دفتر الإيصالات المتعلقة بالبعائث المسجلة والمتضمنة تحت رقم 559 أن الشيك بمبلغ 85.167,21 درهم وجه للمدعي بتاريخ 24/2/2006 بعنوانه بشارع عبد الرحمان بن المخنث بلوك 19 الرقم 13، وأن السجل يحمل طابع مكتب البريد بتاريخ 24/2/2006، وذلك يؤكد إقرار المدعي بحصوله على الشيك وصرفه قيمته، ملتمسا الحكم برفض الطلب، وأرفق مذكرته بأصل الدفتر.

بناء على مستنتجات المدخل في الدعوى أكد فيها على واقعة صرف الشيك كما جاء في مذكرة المدعى عليه ملتمسا إرجاع الملف لجلسة البحث للاستماع وإجراء مواجهة بين أطراف الدعوى حتى تكون المحكمة على بينة من أن المدعى عليه أودع فعلا لدى العارض رسالة تحتوي على الشيك المزعوم أم أن الأمر خلاف ذلك، مضيفا على أن سجل الإيداعات المدلى به يلاحظ فيه أن الرقم 559 كتب في مقابله عبارة ” أودع يوم 24/2/2006″ ولا يحمل توقيع المستخدم، بينما الصفحات الموالية ذكر فيها تاريخ سابق للتاريخ أعلاه، وكان من المفروض واقعيا أن تكون الرسائل الموضوعة بعد 24/2/2006 لاحقة لهذا التاريخ وبالتالي لا يعقل أن يكن الرقم 559 رسالة وضعت بتاريخ 24/2/2006 والرسائل الموالية وضعت في 19/1/2006 و 27/1/2006، مما يثبت عدم مصداقية ما جاء في سجل الإيداعات، ومن جهة أخرى لا يثبت السجل وجود شيك بداخل الرسالة ولا يتضمن توقيع المستخدم في الجهة المقابلة للرقم 559، ملتمسا الحكم بإخراجه من الدعوى واحتياطا إرجاع الملف لجلسة البحث.

وبناء على إدراج القضية أخيرا بجلسة 12/1/2010 فحضر نواب الأطراف فتقرر حجز الملف للمداولة قصد النطق بالحكم في جلسة يومه 2/2/2010.

التعليـــل

بعد الاطلاع على جميع  وثائق الملف و بعد المداولة طبقا للقانـــون.

حيث إن الطلب يهدف إلى الحكم بما سطر أعلاه.

في الشكل:

حيث إن المقال مستوف للشروط الشكلية المطلوبة قانونا وأديت عنه الرسوم القضائية فيتعين التصريح بقبوله شكلا.

في الموضوع:

حيث إن الطلب يهدف إلى الحكم بما سطر اعلاه.

وحيث إن المدعى عليه لم ينازع في تسلمه الشيك الضائع من المدعي، واكتفى لدفع المسؤولية بكونه أرسله إليه بالبريد المضمون بعد وجود عيب في التظهير، مضيفا أنه قام بمهامه على أحسن وجه وضمن مقتضيات القانون التي تؤطر مجال عمله.

وحيث إنه لا يوجد نص في القانون يؤطر عمل البنك في مثل هذه النازلة، ويفرض عليه إرسال الورقة التجارية المقدمة للاستخلاص لصاحبها بعد رجوعها غير مؤداة بطريق البريد المضمون، بل كل ما هناك ما نصت عليه مقتضيات المادة 502 من مدونة التجارة في فقرتها الثانية التي تلزم البنك بإرجاعها إليه ضمن الآجال المناسبة ليتمكن من حفظ حقوقه إزاء الملتزمين بها، وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية وليس التزاما ببذل عناية، وبالتالي فإذا لم تتحقق الغاية وهي تسلم المدعي للورقة التجارية فإن البنك يبقى مسؤولا مباشرة إزاء الزبون عن ضياعها بحكم أنه هو من اختار الوسيلة التي ارتآها لإرجاع الشيك لصاحبه ولا يمكنه دفع مسؤوليته بإلقائها على عاتق الغير.

وحيث إن هذا الالتزام تؤكده قواعد الوديعة التي تلزم المودع لديه بأن يسهر على حفظ الوديعة بنفس العناية التي يبذلها في المحافظة على أموال نفسه، ولا يحق له أن يحل شخصا آخر محله في حفظها ما لم يؤذن له في ذلك صراحة وهو يسأل عمن يحله محله بغير إذن. ( انظر الفصلان 791 و 792 من ق ل ع)

وحيث إن ضياع الشيك، وإن استطاع المدعي بعد لأي الحصول على نظير له، فقد تسبب له في عدة مشاكل سواء مع النقابة المهنية التي ينتمي لها أو مع زبونه الذي اتهمه باختلاس مبلغه.

وحيث إن الضرر الذي أصاب المدعي له شقان مادي يتمثل في المساطر القضائية وغير القضائية التي مارسها من أجل الحصول على نظير ثان، ومعنوي يتمثل في المساس بسمعته التي تلطخت من جراء متابعته من طرف السيد الوكيل العام للملك.

وحيث إن المحكمة ورعيا منها للأضرار الحاصلة للمدعي وعملا بما لها من سلطة في التقدير ترى منح المدعي تعويضا لجبر الضررين المذكورين وتقدره في مبلغ 30.000 درهم.

وحيث إن طلب تحديد الغرامة التهديدية ليس له ما يبرره لكون المحكوم به مبلغ مالي وليس القيام بعمل يتطلب تدخلا شخصيا من المحكوم عليه، وبالتالي فإن هناك إمكانية للتنفيذ بطريق الحجز على منقولات هذا الأخير.

وحيث إن باقي الطلب ليس له ما يبرره.

وحيث إن خاسر الدعوى يتحمل الصائر.

في طلب الإدخال:

حيث إنه وكما سبق بيانه أعلاه فإن المدعى عليه هو من اختار طريق البريد المضمون لإرجاع الشيك لصاحبه، وهذه العلاقة التي ربطته ببريد المغرب علاقة عقدية مستقلة عن العلاقة التي تربطه بالمدعي، ومن ثم فإن طلب إدخال بريد المغرب في الدعوى لإحلاله محله في الأداء لا يوجد نص قانوني يسمح به لأن إدخال الغير وإحلاله يجب أن يكون إما بنص قانوني أو اتفاقي، وبالتالي فإن طلب الإدخال في الدعوى يكون غير مبرر ولا يمكن لطالبه إلا الرجوع على المدخل في دعوى مستقلة بعد إثباته مسؤوليته.

وتطبيقا للقانون.

لهذه الأسبـــــاب

حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وحضوريا.

في الشكل: قبول الدعوى.

في الموضوع: بأداء المدعى عليه لفائدة المدعي تعويضا عن الضرر قدره 30.000 درهم مع الصائر ورفض ما زاد على ذلك.

في طلب الإدخال: بعدم قبوله وتحميل الطالب صائر طلبه.

وبهـــذا صـــدر الحكم فــي اليـــوم  والشهـــر والسنـــة أعــــلاه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *