قرار رئاسي – القاضي طرف في النزاع – تعيين محكمة أخرى – نوع القضية
القرار رقم 751
الصادر عن السيد الرئيس الأول
بتاريخ 12-11-1992
ملف رقم 4318 – 92
القاعدة
يطبق الاجراء بتعيين محكمة أخرى للفصل في كل نزاع مدني يوجد القاضي أوزوجه طرفا فيه.
لا فرق بين أن يكون هذا النزاع قدم في صورة دعوى مدنية عادية أم دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية.
باسم جلالة الملك
نحن العربي المجبود الرئيس الأول للمجلس الأعلى.
نظرا للفصل 517 من قانون المسطرة المدنية.
نظرا للفصول 10 و11 و13 و14 من قانون المسطرة الجنائية.
وحيث إن شركة التامين ” النصر” أودعت بواسطة الأستاذ عبدالواحد بنسعيد المحامي بهيئة الرباط عريضة في كتابة ضبط المجلس الأعلى بتاريخ 30 أكتوبر 1992 تشرح فيها أن السيد محمد الصديقي، القاضي بالمحكمة الابتدائية بسلا تعرض بتاريخ 27 يناير 1992 لحادثة سير افتتح على إثرها ملف جنحي يحمل رقم 360/92. وأنه اعتبارا لكون السيد محمد الصديقي الذي نصب نفسه مطالبا بالحقوق المدنية لإصلاح الضرر الذي أصابه من جراء الحادثة يشغل منصب قاض بالمحكمة الابتدائية بسلا، فإنها تلتمس منا تطبيقا للفصل 517 السابق الذكر تعيين محكمة أخرى خارج دائرة محكمة الاستئناف بالرباط لتنظر في النازلة.
*في طبيعة دعوى المطالبة بالحقوق المدنية أمام المحكمة الزجرية.
حيث إن تطبيق أحكام الفصل 517 ق.م.م. يستوجب، كما يتجلى ذلك ضمنيا من صيغته ومن وردوده في قانون المسطرة المدنية أن يتعلق الأمر بدعوى مدنية بالمعنى الواسع أي بدعوى غير ذات طابع جنائي.
وحيث إنه يبدولائقا، بادىء ذي بدء، البحث عما إذا كانت الدعوى المدنية التي يقيمها المجني عليه أمام المحكمة الزجرية للمطالبة بتعويض ما لحقه من ضرر من جراء الجريمة المقترفة تشكل أم لا دعوى مدنية بمعنى الفصل 517 ق.م.م.
وحيث إن تلك الدعوى التي لايجوز البت فيها مبدئيا إلا من لدن المحاكم المدنية يمكن باختيار المتضرر رفعها بجانب الدعوى العمومية إلى القاضي الزجري.
وأنه سواء أقيمت بجانب الدعوى العمومية أمام المحكمة الزجرية أومنفصلة عنها أمام المحكمة المدنية فإنها تهدف إلى نفس الغاية وتشكل نفس الدعوى بصرف النظر عن طبيعة الجهة القضائية التي رفعت إليها.
وأنه إذا كانت المحكمة الزجرية تطبق عليها بعض قواعد المسطرة الجنائية فإنها مع ذلك ليس لها أي طابع جنائي ولا تفقد بالتالي إطلاقا طبيعتها المدنية بل تبقى خاضعة لقواعد اساسية لقانون المسطرة المدنية بما في ذلك التخلي عن الحق في الادعاء والمصالحة والتنازل دون أن يترتب عن ذلك انقطاع سير الدعوى العمومية أوتوقفه.
وحيث إنه يجدر التذكير بان المشرع توخى من خلال الفصل 517، سعيا إلى ترسيخ مصلحة شاملة أن يتجنب القاضي، نظرا للزمالة والاحتكاك المباشر والمتواصل، كل مضايقة قد يشعر بها هووزميله أوزملاؤه المعروضة عليهم القضية والعاملون في نفس الدائرة القضائية التي يزاول فيها عمله من جهة، وأن يوفر من ناحية أخرى على الخصم في نفس الوقت كل تشكك من شأنه أن يؤدي إلى الإخلال باطمئنانه على صيانة حقوقه.
وأنه يبدوإذن غير معقول ومنافيا للإنصاف ولكل منطق سليم أن تمنح تلك الضمانات للأطراف إذا رفعت الدعوى المدنية إلى القاضي المدني ويحرم منها هؤلاء الأطراف إذا عرضت على القاضي الزجري.
وأنه ينتج مما سبق أن الدعوى المرفوعة إلى القاضي الزجري هي بالتاكيد دعوى مدنية بمعنى الفصل 517 من قانون المسطرة المدنية.
في جوهر الطلـب
حيث إن السيد محمد الصديقي نصب نفسه مطالبا بالحقوق المدنية بواسطة مذكرة كتابية في القضية الجنحية رقم 360/92 المتهم فيها السيد مصطفى ابن تاشفين أمام المحكمة الابتدائية بسلا بالجرح وأن السيد محمد الصديقي، كما ثبت لنا ذلك، يشغل منصب قاض بتلك المحكمة الواقعة في الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بالرباط.
وأنه يجب بالتالي تعيين محكمة ابتدائية أخرى طبق الفصل 517 ق.م.م.
* في وجوب بت القاضي الزجري في الدعويين العمومية والمدنية معا.
حيث إنه إذا كان القاضي المدني لا يبت إلا في الدعوى المدنية وحدها فإن القاضي الزجري الذي رفعت إليه الدعويان العمومية والمدنية طبق أحكام قانون المسطرة الجنائية ملزم بالبت في نفس الوقت فيهما معا.
وأن مبادرة تحريك الدعوى المدنية أمام القاضي الزجري تثير تلقائيا وفورا انطلاق تحريك الدعوى العمومية.
وأنه استنادا إلى هذه القواعد الآمرة يجب ألا تفصم الدعوى العمومية عن الدعوى المدنية إذا وقع اختيار المجني عليه المتضرر على رفع هذه الأخيرة إلى القاضي الزجري.
لهـذه الأسباب
نأمر بسحب القضية الجنحية رقم 360/92 من المحكمة الابتدائية بسلا وإحالتها برمتها على المحكمة الابتدائية بالقنيطرة ليتم النظر في شطريها الجنائي والمدني معا.
وحرر بمكتبنا في سادس جمادى الأولى ستة ألف وأربعامائة وثلاث عشرة موافق 12 نونبر 1992
One Reply to “قرار رئاسي – القاضي طرف في النزاع – تعيين محكمة أخرى – نوع القضية”
مؤسسة الرئيس الأول للمجلس الأعلى مؤسسة دستورية لها عدة وظائف دستورية وقانونية وقضائية واجتماعية وإدارية.
ومن الوظائف القانونية لهذه المؤسسة تعيين محكمة غير المحكمة المختصة للنظر في الدعوى التي يوجد القاضي أوزوجه طرفا فيها وهي المسطرة التي يقررها الفصل 517 من ق.م.م. الذي جاء فيه:
إذا كان قاضي من قضاة محكمة الاستئناف أوالمحكمة الابتدائية أوزوجـــه طرفا في الدعوى بصفته مدعيا أومدعى عليه أصدر الرئيـــس الأول للمجلس الأعلى بناءا على طلب من يعنيه الأمر قرارا قضائيا بتعييــن المحكمة التي ستنظر في القضية خارج دائرة محكمة الاستئناف التـي يزاول القاضي فيها مهامه وذلك خلافا لقواعد الاختصاص المشار إليها في هذا القانون.
يكون كل حكم صادر بدون هذا القرار باطلا.
إن القراءة الأولى لهذا الفصل تعطي الانطباع بأنه يتضمن قاعدة قانونية بسيطة سهلة التطبيق لاتحتاج إلى أي جهد أواجتهاد غير أن كثرة الالتجاء إلى هذه المسطرة التي يقررها أثبت أن مؤسسة الرئيس الأول تواجه باستمرار مزيدا أن الصور المعقدة تستلزم الغوص في أعماق القاعدة لإيجاد الحلول المناسبة لكل حالة على حدة.
ومن هذه الحالات المعقدة التي واجهتها مؤسسة الرئيس الأول وأوجد لها الحل المناسب مسألة القضية موضوع هذه الهوامش.
فهذه القضية تعطي الدليل على أن الحياة العملية مستمرة في إفراز تعقيدات تتجاوز إبعاد التصور الذي كان في ذهن المشرع وهويضع صيغة قاعدة تعيين محكمة أخرى التي يقررها الفصل 517 فهذه القضية لاتطرح على مؤسسة الرئيس الأول قضية مدنية يوجد القاضي طرفا فيها بحيث يجب الانصراف مباشرة إلى أعمال مسطرة الفصل بتعيين محكمة أخرى تنظر فيها غير المحكمة المختصة قانونا بل أن الامر يتعلق بدعوى جنائية يوجد القاضي طرفا مدنيا فيها.
وازدواجية أحكام الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة وأحكام الدعوى المدنية العادية والتجاذب المتفاعل أوالتنافر فيما بين مختلف القواعد التي تحكم المدعويين يطرح أعمال مسطرة الفصل 517 فيها أكثر من سؤال ذلك أن الفصل 517 ينتمي إلى قواعد قانون المسطرة المدنية وهويعني بالضرورة الدعوى المدنية العادية ولايعني الدعوى الجنائية ولا الدعوى المدنية التابعة التي لا تنفصل عن الدعوى العمومية لكن ما حكم الدعوى الجنائية التي يوجد القاضي طرفا ومطالبا بالحق المدني فيها فهل تخضع هذه الدعوى التي ينظمها قانون المسطرة الجنائية للأحكام المسطرة المدنية بخصوص الفصل 517.
إن الدعوى الجنائية والدعوى المدنية التابعة تنظمها أحكام المسطرة الجنائية وهي مختلفة في طبيعتها عن المسطرة المدنية التي تنظم الدعوى المدنية العادية من عدة أوجه منها أن الاختصاص الترابي والمحلي للمحكمة المدنية ليس من النظام العام بحيث يمكن لطرفي الدعوى أن يتفقا صراحة أوضمنا على إسناد الاختصاص بالنظر فيها إلى محكمة أخرى غير محكمة موطن المدعى عليه ولهذا فإن أعمال الفصل 517 بتعيين محكمة أخرى غير المحكمة المختصة قانونا لا يثير وضعا يتعارض مع النظام العام ولا يخلق وضعية غريبة على أحكام الاختصاص المحلي بينما إن الاختصاص الترابي للدعوى العمومية هومن النظام العام لا تجوز الاتفاق على ما يخالفه ولا ينعقد الاختصاص فيها لمحكمة أخرى غير المحكمة المختصة قانونا ولا يجوز إحالتها على محكمة أخرى إلا في حالات حددها القانون وعلى حالات التشكك المشروع والإحالة من أجل السلامة العمومية وتحقيق سير العدالة وهي المنصوص عليها في الفصلين 272 و275 من ق.م.ج.
والنقطة القانونية المستعصية هي كيف يمكن التوفيق بين قواعد وأحكام مختلفة في طبيعتها وتنتمي إلى نظامين قانوني مختلفين ومما يزيد في تعقيد المسألة هوأن الفصل 517 وإن كان ينتمي لقواعد المسطرة المدنية وهي قواعد الأصل فيها أنها ليست كلها من النظام العام فإن المشرع يقرر بطلان الحكم الذي يصدر مخالفا لأحكامها فطبيعة القاعدة هي إذا على درجة واحدة من حيث الالتزام ومن حيث الجزاء المترتب على مخالفتها مع أحكام قانون المسطرة الجنائية.
فما هوالحل إذا أمام هذه الأحكام المتنافرة فقواعد الاختصاص الترابي للدعوى العمومية لا يسمح بنقلها إلى محكمة أخرى والدعوى المدنية التابعة مبدئيا لا يمكن فصلها عن هذه الدعوى العمومية ويجب أن تبت فيها نفس المحكمة الزجرية ومحكمة التشريع التي أوجبت تعيين محكمة أخرى غير المحكمة المختصة قانونا تعتبر قائمة كلما كان القاضي طرفا في الدعوى لا فرق بين الدعوى المدنية العادية والدعوى المدنية التابعة.
وفي النازلة فإن القرار استلهم طبيعة الإجراء الذي يقرره الفصل 517 من جراء البطلان الذي يرتبه المشرع على الإخلال به ومن سموالغاية المتوخاة منه التي تتجلى في رفع الحرج على القاضي وفي منح الطمأنينة لخصمه فاعتبر الإجراء جوهريا كلما كان القاضي طرفا في نزاع مدني وراعى أن النزاع المدني الذي يستوحيه يعتبر واحدا سواء طرح في إطار دعوى مدنية عادية أم دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية فحكمة التشريع تعتبر قائمة في الحالتين وكون الإجراء فيه ضمانة للقاضي ولخصمه فلا يجوز أن يحرمها منه لمجرد أن هذا النزاع المدني قدم بمناسبة الدعوى العمومية.