محاضر إدارة الجمارك – حجيتها – الإثباتات المادية

محاضر إدارة الجمارك – حجيتها – الإثباتات المادية

القرار رقم 5302/4

المؤرخ في  2/7/97

الملف الجنحي رقم 19172/91

القاعدة

– إن حجية المحاضر المحررة من طرف أعوان إدارة الجمارك موثوق بها فيما يخص الإثباتات المادية المضمنة فيها طبقا للفصل المذكور.

– إن ثبوت كون المتهمين كانا مجرد أجيرين لا يدخل ضمن الإثباتات المادية للمخالفة الجمركية المضمنة في تلك المحاضر وإنما هي علاقة تبعية مستقلة يخضع إثباتها لحرية اقتناع محكمة الموضوع ويدخل في إطار سلطتها التقديرية ولا رقابة عليها في ذلك من المجلس الأعلى.

 

باسم جلالة الملك

إن المجلس الأعلى

وبعد المداولة طبقا للقانون،

ومن نفس الهيئة التي ناقشت القضية ووضعيتها في المداولة.

نظرا للمذكرة المدلى بها من لدن الطالبة.

وفي شأن وسيلتي النقض الأولى والثانية مجتمعتين والمتخذة في أولاهما من الخرق الجوهري للقانون والممثل في خرق فصول المتابعة والفصول 221/240/242/243 من مدونة الجمارك والفصول 290/292/291/294/380 من ق.م.ج بدعوى أن المحكمة عندما قالت ان المتهمين مساهمان في حيازة بضاعة بدون سند صحيح وفي جنحة حركة ومرور بضاعة الماشية داخل الدائرة الجمركية بدون رخصة اعتبرت ذلك تغييرا في الوصف فقررت عن خطإ رفض مطالب إدارة الجمارك على هذا الأساس في حين أن الأمر ليس كذلك أي أن القول بالمساهمة أوالمشاركة في قتل أوجرم ما، لا يعد تغييرا للوصف بقدر ما يعتبر تأكيدا أوحجة في ارتكاب الأفعال موضوع النازلة، إذ أن تغيير الوصف يعني تغيير جريمة بأخرى مما يتجلى منه ارتكاب خطإ في التعليل وأنه حتى لواعتبر تغييرا للوصف جدلا فإن ذلك لا يؤدي الى رفض مطالب إدارة الجمارك الموجهة ضد المتهمين ذلك أن الفصل 221 من مدونة الجمارك ينص على أن الشركاء والمتواطئين في ارتكاب مخالفة جمركية تطبق عليهم وفق شروط الحق العام نفس العقوبات المطبقة على المرتكبين الرئيسيين للمخالفة.

وفيما يخص قول المحكمة بأن المتهمين اعترفا بأنهما مجرد أجيرين مبينة أن صاحب الشاحنة وسائقها أكدا ذلك في جلسة الحكم فإن هذا القول مجرد من الإثبات القانوني لعدم الإدلاء بأي عقد للعمل أوأية وثيقة تثبت علاقة الإجارة أوالمخدومية وبالتالي يشكل خرقا لحجية محاضر الجمرك التي يعتمد عليها في الإثباتات المادية المضمنة إلى أن يطعن في صحتها كما تدل على ذلك مقتضيات الفصول المستدل بها على النقض أعلاه.

والمتخذة في ثانيهما من الخطأ في التعليل الموازي لانعدامه بدعوى أن المحكمة في قرارها المطعون فيه اعتبرت المتهمين مساهمين في الجنحتين وأن هذه المساهمة تعتبر في نظرها تغييرا للوصف في حين أن الأمر ليس كذلك على اعتبار أن الوصف لم يتم تغييره وعلى اعتبار أن المشاركين والمساهمين يعاقبان كما يعاقب الفاعل الأصلي كما أن المحكمة لم تحدد الفصل المقصود الذي أشارت إليه في الصفحة الرابعة من القرار للإستدلال بأن المتهمين لا يتحلان التوابع المدنية وأن المسؤول المدني لم يتابع ولم يدرج في الدعوى كمسؤول مدني وإذا كان الفصل المقصود هو229 من المدونة والذي يتعلق بالأشخاص المسؤولين مدنيا فإن هذا لا يعني أن المسؤولين جنائيا ليسوا مسؤولين عن الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف، خاصة وأن المسؤول المدني يحل محل المسؤول الجنائي في الأداء عندما يكون هذا الأخير عاجزا عن الأداء مما يتبين معه أن القرار أساء فهم القانون وأخطأ في التعليل ويتعرض للنقض.

حيث من جهة أولى فإن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه أدانت المتهمين في النازلة من أجل نفس الأفعال موضوع المتابعة وحكمت عليهما بالحبس النافذ وبحجز وسيلة النقل.

وحيث إن اعتبارهما مساهمين في تلك الأفعال لا يؤثر على مسؤوليتهما الجنائية إلا أن مسؤوليتهما المدنية تبقى بموجب الفصل 229 من مدونة الجمارك على عاتق مالك البضاعة ووسيلة النقل فيما يخص الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف سواء حكم على المتهمين المذكورين كفاعلين أصليين أومساهمين الأمر الذي لا يغير من وضعيتهما في مواجهة إدارة الجمارك وبالتالي فإن هذه الأخيرة لم تتضرر من اعتبارهما مساهمين فضلا عن أن المحكمة وخلافا لما ورد في أسباب النقض لم تحكم برفض مطالبها وإنما حكمت بعدم قبولها شكلا على الحالة ويكون وجه الوسيلة غير مقبول وعلى خلاف الواقع.

وحيث من جهة ثانية، فإن حجة المحاضر المحررة من طرف أعوان إدارة الجمارك موثوق بها فيما يخص الإثباتات المادية المضمنة فيها وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 242 من مدونة الجمارك.

وحيث إن ثبوت كون المتهمين كانا مجرد أجيرين لا يدخل ضمن الإثباتات المادية للمخالفة الجمركية المضمنة في تلك المحاضر وإنما هي علاقة تبعية مستقلة يخضع إثباتها لحرية اقتناع محكمة الموضوع ويدخل في إطار سلطتها التقديرية ولا رقابة عليها في ذلك، وبالتالي فإن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما اعتمدت على تصريحات صاحب الشاحنة والسائق لتأكيد أقوال المتهمين بشأن كونهما مجرد أجيرين فإنها تكون قد مارست سلطتها التقديرية ولم تخرق في شيء مقتضيات الفصل 242 من المدونة ويكون وجه الوسيلتين على غير أساس.

لهذه الأسباب

قضى برفض الطلب المرفوع من طرف إدارة الجمارك بوجدة.

وبأنه لا موجب للصائر.

وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه في قاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى بالرباط وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السيد: أبوبكر الوزاني رئيس الغرفة والسادة المستشارين محمد غلام أحمد الكسيمي ومحمد الزنبوط وصلاح عبدالرزاق وبحضور المحامي العام السيد بوعمامة عبدالسلام الذي كان يمثل النيابة العامة وبمساعدة كاتبة الضبط السعدية بنعزيز.

One Reply to “محاضر إدارة الجمارك – حجيتها – الإثباتات المادية”

  1. يتعرض هذا القرار الصادر عن المجلس الأعلى لنقطة هامة كانت ولا تزال منذ أزيد من قرن ونصف محل أخذ ورد فيما بين الإدارات الجمركية والقضاء حول طبيعة الوقائع الممكن اعتبارها إثباتات مادية أومعاينات تثبت لها الحجية القاطعة إلى أن يطعن فيها بالزور.
    وظلت هذه النقطة باستمرار إحدى أهم مجالات تمدد الاجتهاد القضائي بمختلف درجاته قبل بداية التفكير في وضع معايير كافية لتحديد المقصود بالإثباتات والمعاينات المادية المنصوص عليها بالفصل 242 في مدونة الجمارك.
    ينص الفصل الأخير بأن ” المحاضر المحررة بشأن المخالفة لمقتضيات هذه المدونة من طرف عونين للإدارة أوأكثر يعتمد عليها في الإثباتات المادية المضمنة في المحاضر إلى أن يطعن في صحتها “.
    وتساهم في وضع معالم هذا النص جوانب عدة منها:
    – الطابع الجمركي للمسطرة التي أنجز فيها المحضر.
    – عدد الأعوان الذين وقعوا على المحضر، مما يعكس احتراس المشرع تجاه المعاينات المنفردة.
    ثم طبية المعاينات والإثباتات المضمنة بالمحضر.
    والقرار الأخير الصادر عن المجلس ينحصر في هذه النقطة الأخيرة محاولا رسم بعض معالمها باعتبارها إحدى أهم الجوانب التي جمعت حولها أكبر قدر من الغموض والمواقف المتعارضة سواء بين القضاء والجمارك، أوعلى صعيد القضاء نفسه بمختلف درجاته.
    في مرحلة أولى تعامل المجلس الأعلى مع الفصل 242 من مدونة الجمارك من منطلق شمولي وغير قابل للتجزئة معتبرا بأن محضر المعاينة بكافة أجزائه ومحتوياته هوعلى نفس الدرجة من الأهمية والقول لا يمكن الطعن فيه إلا بادعاء الزور(1) قبل أن يعمل بعد ذلك على تحديد طبيعة ( الوقائع ) أوالإثباتات المادية المعنية بصياغة هذا النص.
    وبالطبع، علاوة على ما يثيره هذا الموضوع من جوانب فقهية، جاء جانبه المسطري يتمثل في تحديد المسطرة الواجب سلوكها أمام محكمة الموضوع، هل تنحصر في مجرد إقامة الدليل العكسي أم تتجاوز ذلك إلى سلوك مسطرة الطعن بالزور لدفع واقعة أووقائع منصوص عليها بالمحضر مع كل ما ينتج عن ذلك من تبعات.
    من حيث المبدأ يمكن القول بوجود معاينة عندما تنصب على واقعة مادية لها قابلية التضمين بمحضر بحث ” تثير حواس أقل الأعوان حنكة وتبصرا ” على حد تعبير بعض الفقه. 2
    ومن الناحية العملية فإن معاينات أعوان الجمارك ومشاهدتهم هي أسلوب العمل اليومي سواء في الحقل التنازعي عندما يتعلق الأمر بإثبات جرائم جمركية، أوخارج هذا الحقل، مما يؤدي إلى تقسيمات شتى لهذه المعاينات وفيض من الحالات العملية للإثباتات المادية يصعب حصرها، ومختلف هذه الإثباتات يتم تضمينها حسب الحاجة إما في محاضر أوأشباه محاضر 3وحتى في وثائق ونماذج إدارية.
    مثال ذلك، الأشياء التي يصحبها معهم السياح والمسافرون من عملة ووسائل أداء ومجوهرات أوغيرها…..ومثل عمليات الاستيراد المؤقتة هذه يتم الإشهاد بها من طرف الأعوان في جوازات سفر المسافرين أوفي نماذج ووثائق أخرى على شكل بيانات تبقى صالحة لتضمينها في محضر معاينة والاستدلال به في إطار مساطر أمام القضاء 4
    إلا أن الجرائم الجمركية الأكثر أهمية نجدها في حقل التصريحات المحملة بالبضائع وهنا يتوقف إثبات الجريمة على وجود وثيقة التصريح بالملف باعتبارها ليست وسيلة لإثبات فحسب، ولكن كذلك جسم الجنحة لما قد تحمله من آثار التزوير الظاهرة عليها حيث يكون الاستدلال بأصل هذه الوثيقة لا غنى عنه أمام القضاء طبقا لما ينص عليه الفصل 622 وما يليه من قانون المسطرة الجنائية الذي ينص على وجوب تسليم السلطة القضائية الوثيقة موضوع التزوير.
    بيد أنه عن طريق المعاينة المادية المضمنة في المحضر ” تم إعفاء الإدارة من الاستدلال بالوثائق التي من شأنها إثبات مادية المخالفة ” 5 بحيث يكفيها نقل مضمن هذه الوثائق في محاضر معاينة يتم تضمينها خلاصات الأعوان أوملاحظاتهم حول هذه الوثائق، وهذه المحاضر لها قوة الإثبات القاطع طبقا لما ينص عليه الفصل 242 من مدونة الجمارك.
    ويقضي هذا التداخل الحاصل فيما بين الفصل الأخير والقاعدة المسطرية المنصوص عليها بالفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية للتساؤل عن مصدر الحجية التي يوليها المشرع للمحضر الجمركي، فيما إذا كانت ناتجة عن الطابع الشكلي لهذه الوثيقة، أم من صفة الموظف العمومي للعون الذي أنجزها، أوعن طبيعة الواقعة التي تم إثباتها في المحضر ؟
    ولا يبدوأن هذا التساؤل فقهي محض، فبالإضافة إلى التزوير المادي للتصريح يعتبر الفصل 284 من مدونة الجمارك بأن كل تصريح غير تام أوغير صحيح أوغير مطابق ينصب على قيمة البضاعة، صنفها مصدرها أومقاييسها هوتصريح مزور.
    وفي هذا الإطار يستهدف الفحص المادي للبضائع ( le visite ) مقابلة التصريحات المقدمة للجمارك مع البضائع المصرح بها من وجوه متعددة مما يعطي لعملية الفحص هذه كل معاني وأبعاد خبرة حقيقية تمارسها إدارة الجمارك بوصفها محتلة لسلطه عامة.
    وعندما تبين عملية الفحص هذه صحة بعض بيانات التصريح، فإنه يتم الاستناد إلى نتائجها وتدوينها على شكل معاينة في إطار محضر خاضع لمقتضيات الفصل 224 من مدونة الجمارك.
    بل، وأحيانا قد يكون الفحص المادي للبضائع غير كاف للحكم في صحة التصريح من عدمه، كما لوتعلق الأمر بمواد كيماوية أوخطيرة حيث يكون لا غنى عن اللجوء للمختبرات المتخصصة التي ينظر إليها من الناحية الجمركية باعتبارها امتدادا لنظام الفحص مما يعطي لنتائج الخبرة قابلية التدوين في محضر للمعاينة.6
    بالتالي تتولد مجالات إضافية للحجية القاطعة للمحاضر الجمركية دفعت للتفكير الفصل بين المعاينات والمشاهدات المباشرة للأعوان التي لا تنطوي بحسب طبيعتها على أي تقديم شخصي أومجهود ذهني، وباقي ( الإثباتات ) أوالمعاينات المتخصصة والمخبرية التي تنطوي على حد كاف من المدارك العلمية والتفنية، وطرح هذا التعاون على المحاكم إشكالية التوفيق فيما بين الحجية القاطعة لمحضر المعاينة والطابع السببي والغير القار للبيانات التي ضمنت فيه بشيء من التعميم يمكن فرز موقفين رئيسيين على صعيد المحاكم الأدنى درجة التي عالجت هذه النقطة، البعض فيها تناول المسألة في إطار استدلال شكلي مفاده أنه لا يمكن إقامة الدليل العكسي على واقعة من شأنها في حالة ثبوتها أن تناقض ولوبشكل غير مباشر محتويات محضر غير مطعون فيه بالزور.
    بينما تذهب محاكم أخرى لفصل المعاينات المتعلقة بالوقائع المادية والمباشرة عن باقي الإثباتات المتخصصة والمختبرية وتخضع هذه الأخيرة للقواعد العامة باعتبار أنه لا يمكن إدراجها في الإثباتات المادية المنصوص عليها بالفصل 224 من مدونة الجمارك.
    في هذا الإطار يأتي القرار الأخير الصادر عن المجلس الأعلى الذي يمكن رؤيته على مستويين:
    أولهما: إن الأعوان الذين أناط بهم القانون مهمة تحرير المحاضر هم مجرد موظفين تابعين لإدارة عمومية ينحصر دورهم في تبليغ القضاء شهاداتهم ومعايناتهم حول وقائع مادية ومباشرة دون أن يتعدى ذلك إلى مرحلة التقدير أوالتقرير، أومجاوزة الوقائع المادية إلى غيرها.
    ثانيهما: إن المجلس الأعلى في قراره هذا وإن اعتمد في فصل الوقائع والإثباتات المادية عن غيرها على منطق الحسم بدل الاستدلال بحيث لم يصبح المعيار الذي اعتمده لفصل هذه عن تلك. إلا أن هذا الموقف الذي انتهى إليه يعتبر هاما بدرجة استثنائية لما ينطوي عليه من الحد من اعتبار المعاينات المادية – بصرف النظر عن طبيعتها إحدى عناصر الإثبات ” الممتازة ” المحمية بدعوى الزور الشيء الذي كان يفضي باستمرار إلى توسيع مجال المعاينة المادية وبأثر جانبي القوة القاطعة للمحاضر لتشمل إضافة إلى الوقائع المادية جملة من القرائن مهما كانت بسيطة، بل واستنتاجات الأعوان ووقائع أخرى لا صلة ها بالصفات التكوينية للجريمة.
    الدكتور ح.ش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *