قرار بغرفتين – طلب الإلغاء لتجاوز السلطة – الأحكام – معناها – تجاوز السلطة – معناه
القرار رقم 438
الصادر عن غرفتين المؤرخ في 27/5/98
الملف الإداري رقم 692/5/1/96
القاعدة
إن المشرع استعمل في الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية مصطلح الحكم دون تقييد، مما يعني انه يمكن أن ينصرف إلى كل الأحكام سواء كانت ابتدائية أو انتهائية،
يكزن القضاة قد تجاوزا السلطة المخولة لهم قانونا عندما قضوا بانعدام قرار التحكيم والحالة ان مثل هذا القرار لا يقبل الطعن أمام القضاء وان المسطرة الوحيدة المفتوحة حسب قواعد التحكيم هي مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة.
باسم جلالة الملك
إن المجلس الأعلى
وبعد المداولة طبقا للقانون.
في الشكل:
حيث إن الطلب المقدم من طرف الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى بقصد إحالة الحكم المطعون فيه على المجلس الأعلى للبت فيه طبقا للإمكانية المخولة للسيد وزير العدل في إطار الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية مقبول لتوفره على الشروط المتطلبة قانونا.
وفي الجوهر:
حيث يؤخذ من أوراق الملف ومن فحوى الحكم المحال المشار إليه أعلاه أنه بتاريخ 7/6/91 قدمت السيدة ساسي محجوبة مقالا أمام المحكمة الابتدائية بالرباط عرضت فيه ان المدعى عليهم ساسي صالح وشركة روجي كانطاريل وشركاءه أبرموا بتاريخ 6/10/1977 بروتكولا يتعلق بشركة تجزئة عقار بمكناس وأن البند 5 من هذه الوثيقة ينص على أن 20 % من عائدات التجزئة ترجع لورثة المرحوم عبدالله الساسي التي توجد المدعية من جملتهم وبعد قيام نزاع بين الأطراف المذكورين في شأن تنفيذ البرتكول المشار إليه تقدمت شركة روجي كانطاريل وشركاءه وكذا المتصرف روجي كانطاريل بمقال إلى هيئة التحكيم بتاريخ 15/4/85 وأن المحكمين أصدروا بتاريخ 22/1/86 تحكيمهم في الموضوع الرامي إلى تنفيذ جميع البنود التي يتكون منها البروتكول وان المحكمين رغم التنصيص في الصفحة 8 على نصيب الورثة من عائدات التجزئة فإنهم لم يقرروا أي شيء في شأن البند الخامس ولم يمنحوا العارضة ما هي محقة في الحصول عليه بل أصدروا حكمهم في غيبتها ووزعوا بين أطراف التحكيم جميع عائدات التجزئة وكذا الأراضي التي لم يتم بيعها وتجاهلوا حقوق العارضة مما يجعل هذا التحكيم باطلا بقوة القانون فضلا عن كون مقال التحكيم قدم من طرف غير ذي صفة لأن شركة روجي كانطاريل وشركاءه التي تقدمت بطلب التحكيم لم يكن لها وجود قانوني عند تقديم طلب التحكيم وبعد المناقشة قضت المحكمة الابتدائية بقبول الدعوى شكلا وموضوعا بانعدام قرار التحكيم الصادر بتاريخ 22/1/ 86 واعتباره كأن لم يكن بعلة انه من خلال الاطلاع على وثائق الملف ومستنداته اتضح للمحكمة ان شركة روجي كانطاريل كانت منعدمة في تاريخ تقديم المقال لهيئة التحكيم مما يكون معه المقال قد قدم من شخص معدوم وبالتالي فإن حكم المحكمين الذي بنى عليه يكون منعدما بدوره فاستأنفت شركة روجي كانطاريل وروجي كانطاريل الحكم المذكور أمام محكمة الاستئناف بالرباط التي أصدرت بتاريخ 31/7/95 قرارا في الملف عدد 1356/93 قضت فيه بعدم قبول الاستئناف شكلا لوقوعه خارج الأجل المحدد قانونا.
وبناء على طلب السيد وزير العدل موضوع الرسالة رقم 218/2 المؤرخة في 10 يناير 1996 المتعلق بإحالة الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 2 أبريل 1992 على المجلس الأعلى من أجل إلغاءه للتجاوز في استعمال السلطة عملا بمقتضيات الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية .وبناء على ذلك تقدم السيد الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى بملتمسه المحيل للحكم المشار إليه يهدف إلغاءه للأسباب الآتية:
أولا: ان دعوى بطلان أحكام المحكمين لم يعد لها محل في قانون المسطرة المدنية الحالي.
ثانيا: ان المدعية محجوبة ساسي لم تكن طرفا في قرار التحكيم وبذلك فهي لا تتوفر على الصفة والمصلحة للطعن في قرار التحكيم.
ثالثا: ان طلب المدعية المذكورة حسب مقالها هو تمكينها من حقها المخول لها بمقتضى الاشتراط لمصلحة الغير وان القاضي لم يلتفت إلى هذا الطلب متجاوزا ذلك بالتصريح بانعدام قرار التحكيم وقد تضمنت المذكرة الجوابية لمحجوبة ساسي فيما يخص السبب الأول أن الأمر لا يتعلق بدعوى البطلان بل بدعوى انعدام أسست على ان الدعوى همت أطرافا كانوا غير موجودين وقت تقديمها.
وفيما يخص السبب الثاني المتعلق بكون العارضة لم تكن طرفا في الحكم فإن دعوى الانعدام غير مقصورة على الأطراف بل يحق لكل شخص ان يقيمها.
وفيما يخص السبب الثالث المتعلق بكون العارضة من حقها ان تلجأ إلى مسطرة الاشتراط لمصلحة الغير فان الطاعنة قد اختارت طريقا سليما هو دعوى الانعدام ولم تطلب أصلا في المقال الافتتاحي تمكينها من حقها مما تكون معه أسباب الإحالة في نظر محجوبة ساسي غير قائمة على أسس سليمة.
وحيث أدلى محامي محجوبة ساسي الأستاذ القدوري بمذكرة تكميلية بتاريخ 18 فبراير 1998 أكد فيها دفاعها السابقة موضحا ان التصريح بانعدام حكم صدر خرقا للفصل الأول من قانون المسطرة المدنية هو من اختصاص القضاء وليس من اختصاص أية جهة أخرى وان طلب الإحالة لا يمكن تقديمه ضد حكم ابتدائي طعن فيه بالاستئناف وإصدار محكمة الاستئناف لقرار بشأنه ذلك ان هذا القرار الأخير هوالقابل وحده للطعن بالطرق القانونية علما بأن القرار الصادر عن استئنافية الرباط بملف النازلة أصبح باتا وحائزا لقوة الشيء المقضى به بعد ان بلغ لجميع الأطراف وانقضت أجال الطعن فيه.مع العلم بأن القرار الاستئنافي المشار إليه الصادر بتاريخ 31/7/95 في الملف 1356/93 أصبح يشكل وحدة مندمجة مع الحكم الابتدائي ويقوم بينهما ترابط يجعل الطعن في أحدهما مرتبطا بأجل الطعن في الآخر وأنه مهما يكن من أمر فإن المراد من الشطط حسب الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية واضح وهوأن يعمد القاضي إلى التعدي على اختصاصات السلطة التشريعية اوالتنفيذية وهذا أمر غير وارد في النازلة الحالية التي لم يقع فيها أي خرق للقانون فضلا عن أنه لم يقع فيها تجاوز على اختصاص السلطة التشريعية.
وبعد المداولة طبقا للقانون،
فيما يخص الدفع بعدم قبول الطلب لتوجيهه ضد حكم ابتدائي، حيث دفعت محجوبة ساسي بعدم قبول طلب الإحالة المقدم من طرف الوكيل العام للملك بناء على قرار السيد وزير العدل في نطاق الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية بعلة ان الحكم المطلوب إحالته حكم ابتدائي لم يعد له وجود لأنه اندمج في القرار الاستئنافي الذي صرح بعدم قبول استئناف شركة روجي كانطاريل وفريقه لوقوعه خارج الأجل القانوني.
لكن من جهة حيث ان المشرع استعمل في الفصل 382 المذكور مصطلح الحكم دون تقييد مما يعني انه يمكن ان ينصرف إلى كل الأحكام سواء كانت ابتدائية أوانتهائية يدل على ذلك ان الفصل 381 من قانون المسطرة المدنية الذي أعطى للوكيل العام لدى المجلس الأعلى إمكانية الطعن في الأحكام التي تصدر على وجه مخالف للقانون أولقواعد المسطرة قد استعمل مصطلح الحكم الانتهائي ومن جهة أخرى فإن تجاوز السلطة الذي يعيبه وزير العدل إنما يتعلق بالحكم الابتدائي الذي فصل في النزاع موضوعيا أما قرار محكمة الاستئناف فإنه اكتفى بالتصريح بعدم قبول الاستئناف شكلا لوقوعه خارج الأجل القانوني مما يجب معه رد الدفع بعدم القبول المشار إليه.
وفيما يخص الجوهر:
حيث انه من الثابت من أوراق الملف والوثائق المرفقة وخصوصا الحكم المطلوب إحالته على المجلس الأعلى في نطاق الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية تبعا لطلب السيد وزير العدل ان المحكمة الابتدائية بالرباط التي أصدرت الحكم المذكور قد قضت بانعدام قرار التحكيم الصادر بتاريخ 22/1/86 واعتباره كأن لم يكن بعلة ان شركة روجي كانطاريل التي تقدمت بطلب التحكيم في إطار البروتكول المبرم بينها وبين الساسي صالح كانت منعدمة في وقت تقديم المقال لهيئة الحكم مما يكون معه المقال المذكور قد قدم من شخص معدوم وبعلة ان طلب انعدام الحكم متفق عليه فقها وقضاءا ويجوز تقديمه بدعوى أصلية لدى المحكمة الابتدائية بمالها من ولاية عامة.
لكن حيث انه إذا كان التحكيم يعتبر نظاما قانونيا وقضائيا تمييزا له عن نظام القضاء الرسمي أوالإلزامي فإنه يظل نظاما اختياريا يقوم إلى جانب مؤسسة القضاء العادي يلجأ إليه لبساطة الإجراءات وسرعة البت في القضايا وحيث إنه رغم الطابع الاختياري لنظام التحكيم فإن اتفاق الطرفين على اللجوء إلى مبدأ التحكيم لفض النزاعات القائمة بينهما يضفي على هذا ا الاتفاق الصبغة القانونية الملزمة وتبعا لذلك فإن حكم المحكمين يصير قابلا للتنفيذ بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية التي صدر في دائرة نفوذها.
وحيث تناول قانون المسطرة المدنية كل الجوانب المتعلقة بمادة التحكيم وتعرض لطرق الطعن التي يمكن تقديمها ضد حكم المحكمين وهكذا وبعد ان نص الفصل 319 من القانون المذكور على ان حكم المحكمين لا يقبل الطعن في أية حالة، تعرض الفصل 326 إلى حالة فريدة أجاز فيها الطعن بإعادة النظر ضد حكم المحكمين أمام المحكمة التي قد تكون مختصة في القضية لولم يتم فيها التحكيم.
وحيث إنه في النازلة المعروضة فإنه من الثابت والذي لا نزاع فيه ان السيدة محجوبة ساسي وكما اعترفت به في مذكراتها ومستنتجاتها لم تكن طرفا في عقد التحكيم ولا في حكم المحكمين كما أنها لم تكن ممثلة في حكم المحكمين المذكورين والذي صدر بين فريق شركة كونطريل من جهة وفريقه صالح الساسي من جهة أخرى.
وحيث انه إذا كانت تتوفر فعلا على حقوق في الشركة التي موضوعها التجزئة العقارية التي كانت مشتركة بين أطراف التحكيم فإن المشرع قد صان حقوق الغير الذي لم يشملهم حكم المحكمين والحالة أنهم يطالبون بحقوق على موضوع التحكيم عندما نص في الفصل 325 من قانون المسطرة المدنية على ان آثار أحكام المحكمين لا تسري ولوذيلت بأمر أوقرار الصيغة التنفيذية بالنسبة للغير الذي يمكن له مع ذلك ان يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضمن الشروط المقررة في الفصول 303 إلى 305 من قانون المسطرة المدنية.
وحيث انه إذا كانت محجوبة ساسي لا تتوفر على أية صفة للطعن في حكم المحكمين المشار إليه أمام المحكمة الابتدائية بالنسبة لحقوق أطراف التحكيم أي صالح الساسي وفريق كونطاريل لأنها لم تكن طرفا في اتفاق التحكيم ولا في الحكم الصادر في حكم المحكمين فانها على العكس من ذلك كانت تتوفر على الصفة للطعن في حكم المحكمين انطلاقا من أن الحكم المذكور تجاهل بصورة كلية الحقوق الراجعة لورثة عبدالله الساسي ومن بينهم الطاعنة المذكورة حسب الإراثة التي أدلت بها أمام القضاء والتي لم تكن موضوع جدال اونقاش وحيث إن هذه الحقوق تتمثل حسب بروتكول الاتفاق المبرم بين أطراف التحكيم وحسبما نص عليه قرار التحكيم نفسه في 20 % من عائدات أرباح الشركة حسبما اعترف به أطرف التحكيم أنفسهم.
وحيث ان حكم المحكمين وإن أشار إلى الحقوق الثابتة لورثة عبدالله الساسي المذكورين الا انه لم يعط أي اثر لهذه الحقوق عندما نص على تصفية على الشركة المبرمة بين الطرفين وتوزيع أعيانها وأرباحها عليهم مع العلم بان الطاعنة المذكورة لم تكن ممثلة من طرف أخيها أحد أطراف عقد التحكيم صالح الساسي.
وحيث ان المشرع قد احتاط لمصالح الغير وضمنها عندما نص على حقوقه في إمكانية تعرض الغير الخارج عن الخصومة على حكم المحكمين.
وحيث إنه إذا كانت المدعية الأصلية محجوبة ساسي لم تقدم دعواها أساسا في نطاق الفصل 325 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بتعرض الغير الخارج عن الخصومة على حكم المحكمين فإنها قد عللت المسطرة التي مارستها أمام المحكمة الابتدائية بكون حكم المحكمين المذكور قد تجاوز حقوقها وأهدرها بصورة كلية وإن ذلك حرمها من الاستفادة مما نص عليه برتكول الاتفاق بصفتها إحدى ورثة عبدالله الساسي الذين يتمتعون بنسبة 20 % من عائدات أرباح الشركة التي وقعت تصفيتها الأمر الذي يعني ان الطاعنة كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية حقوقها التي وزعت بين طرفي عقد التحكيم وليس حقوق الغير.
وحيث انه نتيجة لذلك فإن الحكم المحال على المجلس الأعلى من طرف الوكيل العام للملك في نطاق الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية بطلب من وزير العدل إذا كان قد تجاوز فيه قضاته السلطة المخولة لهم قانونا عندما قضوا بانعدام قرار التحكيم والحالة ان مثل هذا القرار لا يقبل الطعن أمام القضاء وان المسطرة الوحيدة المفتوحة حسب قواعد التحكيم هي مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة فإنهم على العكس من ذلك كانوا محقين في النظر في طلب المدعية محجوبة ساسي على أساس أنها تملك هي وورثة والدها نسبة 20 % من أرباح الشركة التي وقعت تصفيتها وتوزيع أعيانها بين طرفي عقد التحكيم فريق كانطريل من جهة وفريق صالح ساسي من جهة أخرى رغم ان حكم المحكمين أشار في وقائعه بناء على برتكول الاتفاق المبرم بين الطرفين إلى هذه الحقوق وأقر مشروعيتها ولكنه لم يترتب الأثر القانوني على ذلك والمتمثل في اعتبارها عند تصفية الشركة المذكورة.
وحيث يترتب على كل ما سبق وجوب إلغاء الحكم المحال على المجلس الأعلى.
لهذه الأسباب
قضى المجلس الأعلى في غرفتين مجتمعتين هي الغرفة الإدارية والقسم الثاني من الغرفة التجارية، بإلغاء الحكم المحال من طرف الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى في نطاق الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية لاتسامه بالتجاوز في استعمال السلطة عندما قضى بانعدام حكم المحكمين بالنسبة لحقوق أطراف التحكيم فريق كانطريل وفريق صالح الساسي وبإقرار حقوق المدعية الأصلية محجوبة ساسي وفريقها المحددة في 20 % من عائدات الشركة طبقا لما ورد في حكم المحكمين الذي يتضمن اعتراف أطراف التحكيم بهذه الحقوق والتزامهم بها قبل توزيع عائدات الشركة.
وبه صدر الحكم وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى بالرباط وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من غرفتين الغرفة الإدارية برئاسة السيد محمد المنتصر الداودي والمستشارين السادة: مصطفى مدرع، أحمد دينية، أحمد حنين، أحمد الصائغ
والغرفة التجارية الثانية برئاسة السيد أحمد بنكيران والسادة المستشارين السيدة بديعة ونيش، جميلة المدور، أبوبكر بودي ومليكة بنديان وبمحضر المحامي العام السيد عبداللطيف بركاش وبمساعدة كاتب الضبط محمد المنجرا.
One Reply to “قرار بغرفتين – طلب الإلغاء لتجاوز السلطة – الأحكام – معناها – تجاوز السلطة – معناه”
يكتسي التحكيم في العصر الحديث أهمية بالغة سواء على المستوى الوطني أوالدولي، خصوصا في المعاملات التجارية المتميزة بالتعقيد والتخصص والعلاقات الدولية.
ومهما كانت مبررات الداعين لنصره التحكيم لتجنب الالتجاء إلى القضاء العادي لاعتبارات تدعوإلى ربح الوقت، والاقتصاد في النفقات، وتجنب مشاكل التنازع الدولي، والاستفادة من خبرة المحكم، واكتساب ثقة الخصوم على الأقل في حل الخلاف بسبب معرفته الفنية المفترضة فإن التطبيق العملي أبان أن موضوع التحكيم قد تتفرع عنه نزاعات أكثر تعقيدا وتتولد عنه قضايا جانبية لا يمكن حلها إلا بالالتجاء إلى قضاء الدولة للفصل فيها، ولعل القرار الصادر عن المجلس الأعلى بغرفتيه عدد 438 بتاريخ 27 مارس 1998، موضوع التعليق، يبرهن على صحة هذا الموقف.
وإذا كان من أخص واجبات الدولة، إقامة العدل بين الناس والفصل في المنازعات التي تنشأ بينهم ورد الاعتداء حتى يطمئنوا على أرواحهم وحرياتهم وأموالهم، فإن القضاء هوأحد مظاهر سيادتها إذ الحق في الالتجاء إلى القضاء هومن الحقوق المقدسة اللصيقة بالإنسان المتعلق بالنظام العام. كما أن تحيين التشريع ومواكبته للمستجدات الوطنية والدولية هومن أبرز مظاهر تقدمها، وفي هذا المسعى لابد من إثارة الانتباه إلى أن العمل القضائي يواجه هذا الفراغ منذ مدة ليست باليسيرة سيما ما يهم ميدان التحكيم التجاري الدولي عند محاولة تدييل المقرر التحكيمي بالصيغة التنفيذية، فيكفي في هذه الحالة معاينة الفراغ الملحوظ بشأنه تحديد الجهة المختصة بإسدال هذه الصيغة للتدليل على ذلك دون الخوض في باقي التفاصيل. وهذا الفراغ التشريعي في ميدان التحكيم يستدعي تدخلا عاجلا لتنظيمه سواء على مستوى التحكيم الوطني أوالدولي إسوة بالتشريع الفرنسي حسب المرسومين المؤرخين في 14 مايو1980 و12 مايو1981 أوالتشريع التونسي حسب القانون عدد 42 لسنة 1993 المؤرخ في 26 أبريل 1993 أوالعديد من الدول العربية التي أدخلت تعديلات في هذا الصدد آخرها البحرين واليمن، وقبلهما مصر، الجزائر، خصوصا وأن الظرفية الدولية المتميزة بسرعة الاتصال، ودقة التعاقد وضبط المعاملات التجارية والتحولات العالمية في ميدان تحرير التجارة الدولية وما أسفرت عنه اتفاقية الكات من نتائج بالغة الأهمية. كل هذه العوامل وغيرها تدعوإلى تحيين المقتضيات القانونية المنصوص عليها في المواد 306 وما بعده من قانون المسطرة المدنية والإسراع بإصدار مجلة للتحكيم تتضمن أحكاما خاصة بالتحكيم الداخلي والدولي تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات الدولية وقواعد التعامل بالمثل ونصوص التشريع الوطني، وتضع قواعد دقيقة حول كيفية تشكيل هيئة التحكيم واختصاصها وسير إجراءاتها وإنهائها وإصدار حكمها والطعن في مقررها والاعتراف بأحكامها وتنفيذها وهوالأمر الذي نادت به العديد من الفعاليات القانونية في المغرب في عدد من المناسبات نذكر منها ما أسفر عنه اللقاء الهام الذي انعقد في البيضاء في ماي 1994 بين غرفة التحكيم التجاري الدولي وهيئة المحامين بالبيضاء.
ويبدوأن الغاية التي تناولها القرار بالتحليل هوإبراز الجوانب القانونية فيما يتعلق بالشروط المتطلبة قانونا من أجل إلغاء الحكم المشوب بالتجاوز في السلطة عملا بمقتضيات الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية وتوضيح مدى وجاهة الطعن في الحكم الابتدائي بدل القرار الاستئنافي، فضلا عن عدم صلاحية المحكمة للتصريح بانعدام قرار المحكمين، وبيان صفة الأغيار ودورهم الهام في صيانة حقوقهم في مواجهة أطراف التحكيم.
ويتضح من القرار المذكور أن الحكم المطلوب إحالته إلى المجلس الأعلى في نطاق الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية اتسم فعلا بالتجاوز عندما قضى منطوقه بانعدام حكم المحكمين بالنسبة لحقوق أطراف التحكيم مما دفع بالمجلس الأعلى إلى الحكم بإلغائه كما أقر من جهة أخرى حقوق المدعية الأصلية وفريقها المحدد في 20 % من عائدات الشركة طبقا لما ورد في حكم المحكمين.
ويلاحظ أن منطوق القرار تعمد وبصفة استثنائية التفصيل والتوسع، مما يوحي بأهمية موضوعه لاقترانه بالتجاوز فضلا عن تحديده لمبادئ جديدة وإرسائه لقواعد مضبوطة قطعا لكل خصومة على حقوق أطراف النزاع.
وهكذا فإن القرار تناول بالشرح مصطلح الحكم وانصرف إلى تأكيد شمولية الإحالة للتجاوز في استعمال السلطة بالنسبة لكل الأحكام سواء كانت ابتدائية أوانتهائية طالما أن الحكم الفاصل في النزاع موضوعيا هوالحكم الابتدائي رغم أن القرار الاستئنافي قضى بعدم القبول لوقوعه خارج الأجل القانوني.
ويبدوأن هذا المقتضى لا يمكن أن ينصرف إلى القرارات التي يصدرها المجلس الأعلى بدليل أن الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية نص على عدم جوازية الطعن في القرارات التي يصدرها المجلس الأعلى إلا بإعادة النظر أومن أجل طلب تصحيح القرارات التي لحقها خطأ مادي أوبالتعرض الخارج عن الخصومة ضد القرارات الصادرة في طعون إلغاء مقررات السلطة الإدارية وهي حالات وردت على سبيل الحصر، وان القاعدة الأصلية، أنه ما لم توجد حالة من هذه الحالات، فإن الأحكام الصادرة عن المجلس الأعلى لا تقبل الطعن بوجه من الوجوه1 فضلا عن ذلك فإن حالات الطعن غير العادية لا يمكن التوسع فيها ولا أن تنعت قرارات أعلى مؤسسة قضائية بالتجاوز طالما أن مجال اختصاصها ( في الغالب ) ينحصر في مراقبة الأحكام والقرارات الانتهائية الصادرة عن قضاة الموضوع وتدارك كل ما يقع من أخطاء قضائية في تطبيق القانون.
ومن ثانية فالقرار كرس مبدأ الطابع الإلزامي والملزم لأطراف الخصومة عندما تتجه إرادتها إلى الاتفاق على مبدأ التحكيم لفض النزاعات القائمة بينهما مما أضفى على اتفاقهما الصبغة القانونية ورتب عنها أن حكم المحكمين يصير تبعا لذلك قابلا للتنفيذ بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية التي صدر في دائرة نفوذها.
لكن، ولما كان التحكيم استثناء من القاعدة العامة التي توجب الالتجاء إلى القضاء العادي في كل الأحوال فمن الواجب الأخذ فيه بالحيطة والدقة سيما بمناسبة تحديد اتفاق التحكيم وعدم التوسع خصوصا في تأويل بنود الاتفاق للحيلولة دون المساس بحقوق الأغيار التي لا تسري آثار أحكام المحكمين عليها ولوذيلت بأمر أوقرار الصيغة التنفيذية، والحال أن الفصل 325 من قانون المسطرة المدنية احتاط لمصالح الغير وضمنها ما يفيد الحفاظ على حقوقهم باللجوء إلى تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضمن الشروط المقررة في الفصول 303 إلى 305 من القانون المذكور.
لذلك يكون الحكم الابتدائي في شقة القاضي بانعدام قرار التحكيم قد تطاول على قرار تحكيمي والحال أنه لا يقبل أي طعن فضلا عما يتمتع به السند الرسمي من حيث قوته الثبوتية وحيازته لقوة الشيء المقضي به منذ صيرورته قطعيا فأحرى أن يصدر الأمر بتنفيذه.
ومعلوم أن نظرية الانعدام تقوم على أن فكرة العمل القانوني لكي يتصف بالصحة أوالبطلان يجب أن يوجد، ولكي يكون إجراؤه قائما لا بد من تحقيق مراحل ثلاث، يتوفر فيها أركان قيامه أولا ثم مرحلة صحته وأخيرا أثار قانونية عليه.
ومن ثم يتميز البطلان عن الانعدام في كونه يترتب في حالة مخالفة القواعد الجوهرية فهوبذلك لا يفقد الرابطة الإجرائية كيانها وفاعليتها حيث تنتج كافة آثارها القانونية عكس الانعدام الذي يؤثر على نشوء الرابطة الإجرائية وبالتالي يحول دون ترتيب أي أثر قانوني لها، فالحكم المعدوم لا حاجة للطعن فيه للتوصيل إلى إلغائه إلا إذا رتب آثاره عن صدوره، فالانعدام لا يقبل التصحيح لعدم وجوده أصلا، إذ لا حاجة إلى إعدام المعدوم، ولا إلى تدخل المشرع لتنظيمه، إذ يكفي في هذه الحالة مجرد إنكار وجوده عند التمسك به.
وهنا ينبغي التنبيه وعدم الخلط بين الانعدام القانوني للحكم ( كما أشرنا إلى ذلك )، وبين الانعدام المادي للحكم بسبب عدم كتابته من طرف المقرر مثلا، إذ أن أسباب انعدام الأحكام قد يرجع إلى عدم توفر شروط انعقاد الخصومة ممن لا يملك صلاحية إقامتها أوالصفة للبت فيها، فضلا عن ذلك لا يجوز لأي من الخصوم إثارة النزاع الذي انتهى إلى صدور حكم المحكمين من جديد أمام القضاء 2 باستثناء حقوق الأغيار مما دفع المجلس الأعلى إلى التأكيد في الشطر الثاني من الحكم الابتدائي على إقرار حقوق المدعية الأصلية وفريقها المحددة في 20 % من عائدات الشركة طبقا لما ورد في حكم المحكمين الذي تضمن اعتراف أطراف التحكيم بهذه الحقوق والتزامهم بها قبل توزيع عائدات الشركة. مما يثير التساؤل حول المنحى الذي نحاه المجلس حينما ساوى بين حقوق جميع الأطراف وألغى ما فيه التجاوز استنادا إلى مقتضيات الفصل 382 من القانون المذكور وتطرق إلى موضوع حقوق الأغيار.
لأستاذ إدريس بلمحجوب