X

قضية نصر حامد أبو زيد – دعوى الحسبة – ردة الزوج من خلال كتبه – التفريق بينه وبين زوجه

القرار الصادر بتاريخ السادس عشر من المحرم لسنة 1416 هجرية الموافق 14 من يونيو سنة1995 ميلادية.

القاعدة:

الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لعدم وجود مصلحة مباشرة بالمستانفين يعتبر دفعا موضوعيا وليس من الدفوع الاجرائية.

 الشهادة حسبة بلا دعوى تقبل في حقوق الله تبارك وتعالى كاسباب الحرمات من الطلاق وغيره واسباب الحدود الخالصة حقا لله تعالى ( بدائع الصنائع 6/277، الاشباه والنظائر لابن تميم 242) فيكون واجبا كفائيا ان يتقدم المكلف إلى القاضي للشهادة على حد خالص لله تعالى أو لرفع حرمة قائمة كمعاشرة مطلق بائنا بينونة كبرى لمطلقته أو صغرى بغير عقد جديد أو لمرتد لزوجته المسلمة أو لكافر تزوج مسلمة وغير ذلك. وتشير المحكمة ان المقصود بحقوق لله تعالى وحرماته هو ما تعلق بالمصلحة العامة أو بعموم الامة الإسلامية، ونسبت إلى الله تعالى لشرفها واتصالها بمصلحة المجتمع المسلم عامة، تمييزا لها عن حقوق الافراد التي تتصل بمصلحة فرد أو افراد على سبيل التحديد والاختصاص، والله سبحانه مالك الملك لا يند عن ملكه شيء. والمصلحة في ذلك هي رفع منكر ظهر فعله أو امر بمعروف ظهر تركه عملا بقول الحق تبارك وتعالى.

باسم الشعب محكمة الاستئناف القاهرة الدائرة (14) احوال شخصية حكم.

بالجلسة المنعقدة، علنا بسراي محكمة استئناف القاهرة بدار القضاء العالي بشارع 26 يوليوز بالقاهرة برئاسة السيد الأستاذ المستشار فاروق عبد العليم مرسي…. رئيس المحكمة وعضوية السيدين الاستاذين نور الدين يوسف ومحمد عزت الشاذلي. المستشارين وبحضور السيد الأستاذ محسن عبد الرحمن…. رئيس النيابة وبحضور السيد احمد عبد الحميد عبد الجواد… امين السر.

اصدرت الحكم الآتي:

في الاستئناف المقيد بجدول الاحوال الشخصية تحت رقم 287 لسنة 111 ق القاهرة”

والمرفوع من:

1. محمد صميدة عبد الصمد

2. عبد الفتاح عبد السلام الشاهد.

3. احمد عبد الفتاح احمد

4. هشام مصطفى حمزة

5. عبد المطلب محمد احمد حسن

6. المرسي المرسي الجندي.

ومحلهم المختار جميعا مكتب الأستاذ محمد صميدة عبد الصمد المحامي الكائن برقم 33 جامعة الدول العربية بالمهندسين قسم العجوزة ـ محافظة الجيزة.

وحضر بالجلسة الاخيرة الأستاذ محمد صميدة عبد الصمد شخصيا عن باقي المستانفين ومعه الأستاذ زكريا عامر وابراهيم درويش المحاميان.

ضد:

1. السيد الدكتور نصر حامد ابو زيد

2. السيدة ابتهال احمد كمال يونس

ويعلنان بمحل اقامتهما الكائن بمدينة 6 اكتوبر بالحي المتميز المجاورة الرابعة عمارة رقم 10 ع 3 الدور الارضي شقة (1) التابع لقسم شرطة 6 أكتوبر محفظة الجيزة.

وحضر بالجلسة الاخيرة الأستاذ ايمن البدري عن الاستاذة اميرة بهي الدين المحامية

الموضوع

استئنافا عن الحكم الصادر من محكمة الجيزة الابتدائية في الدعوى رقم 591 لسنة 1993 احوال الشخصية نفس كلي الجيزة بجلسة27/1/1994.

المحكمة

اقام المستأنفون واخرون الدعوى 591 لسنة 1993 احوال نفس كل الجيزة بصحيفة معلنة للمستانف ضدهما أوردا بها ان المستانف ضده الأول ولد في 10/7/1943 في اسرة مسلمة. وتخرج بكلية الاداب بجامعة القاهرة ويشغل الان وظيفة استاذ مساعد للدراسات الاسلامية والبلاغة بالكلية ومتزوج بالمستانف ضدها الثانية وقام بنشر عدة كتب وابحاث ومقالات تضمنت طبقا لما راه علماء عدول كفرا يخرجه عن الاسلام مما يعتبر معه مرتدا، ومن ثم يتعين تطبيق احكام الردة عليه واورد المستانفون ومن معهم تفصيلا لما اجملوه مما ورد في كتابات المستانف ضده الأول على النحو التالي:

أولا : كتاب (الامام الشافعي وتاسيس الأيديولوجية الوسطية) واعد عنه الدكتور محمد بلتاجي استاذ الفقه واصوله وعميد كلية دار العلوم تقريرا اورد به العبارات التي تعد كفرا.

ثانيا : كتاب عنوانه (مفهوم النص ـ دراسة في علوم القران) ويقوم بتدريسه لطلبة الفرقة الثانية بقسم اللغة العربية بكلية الاداب وانطوى على كثير مما راه العلماء كفرا يخرج صاحبه عن الاسلام على نحو ما ورد بتقرير الدكتور اسماعيل سالم عبد العال استاذ الفقه المقارن المساعد بكلية دار العلوم وعلى نحو ما جاء بتقرير الدكتور عبد الصبور شاهين ايضا.

ثالثا : من واقع كتب وابحاث المستانف ضده الأول فان كثيرا من الدارسين والكتاب وصفوه بالكفر الصريح على نحو ما جاء بجريدة الاهرام باعدادها 8/2/1992 و26/1/1993 و10/4/ و19/4 و20/4/1993 وفي جريدة الاخبار في 23/4/1993، وجريدة الشعب 4/5/1993، والحقيقة في 8/5/1993 وان المستانف ضده لم ينف شيئا عن تكفيره. واستطرد المستانفون ومن معهم ان من اثار الردة التفريق بين المرتد وزوجته، وطلب التفريق من دعاوي الحسبة، ومن ثم انتهى المستأنفون ومن معهم إلى طلب الحكم بالتفريق بين المستانف ضده والمستانف ضدها.

وحيث ان الدعوى نظرت أمام محكمة اول درجة على النحو الوارد بمحاضر جلساتها ثم اصدرت المحكمة المذكورة في27/1/1994 حكمها بعدم قبول الدعوى.

وحيث ان المستانفين لم يقبلوا هذا الحكم فأقاموا الاستئناف الماثل بصحيفة قدمت لقلم الكتاب وقيدت في 10/2/1994 طلبوا في ختامها الحكم بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بالغاء الحكم المستانف والقضاء بالتفريق بين المستانف ضده الأول وزوجته المستانف ضدها الثانية واحتياطيا احالة الدعوى للتحقيق، واقام المستانفون هذه الطلبات على ان الحكم المستانف قد انطوى على عيوب عديدة وجسيمة تبطله حاصلها.

1. زعم الحكم المستانف ان محكمة النقض في قضائها في مسائل الاحوال الشخصية اغفلت ما توجبه المادتان الأولى والخامسة من القانون 462 لسنة 1955 من تطبيق قانون المرافعات في مسائل الاحوال الشخصية وهذا الزعم غير صحيح فمحكمة النقض ناقشت ذلك ودرست القواعد الخاصة في هذا الشان وهو ما خالفه الحكم المستانف.

2. القضاء في اعلى درجاته ذهب إلى اعتبار المحاجة قائمة ومتوافرة دائما في دعوى الحسبة وانها مفترضة في رافعها سواء أكان القضاء العادي ام الاداري. ام اقوال شراح القانون. وهو ما خرج عليه الحكم المستانف.

3. ان صدور قانون المرافعات الجديد 13 لسنة 1968 ودستور سنة1971 في مادته الثانية لا دخل لهما في الدعوى واذا أقحمها الحكم المستانف تسببا لقضائه يكون قد اخطا في التسبب ما يبطل قضاءه.

وحيث ان الاستئناف تداول في الجلسات حيث قدم محامي المستانف ضدهما بمذكرة بجلسة 26/7/1993 تمسك فيها بكل دفاع ودفع سبق ان طرح في هذا النزاع مند مولده طالبا رفض الاستئناف وتاييد الحكم المستانف للاسباب التي وردت من قبل في المذكرة المقدمة.

كما قدمت النيابة العامة مذكرة رات فيها تفويض الراي للمحكمة للاسباب التي أوردتها.

وحيث ان الاستئناف حجز للحكم لجلسة 18/5/1995 مع التصريح بمذكرات لمن يشاء في الشهر الأول، فقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها الحكم بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه والقضاء مجددا برفض الدعوى المستانف حكمها، كما قدم المستانفون مذكرة التمسوا فيها الحكم بطلباتهم للاسباب الواردة بها، كما قدم وكيلا المستأنف ضدهما مذكرتين خضعت الأولى مع التمسك بكافة الدفوع واوجه الدفاع وبالطلبات الواردة بالمذكرة السابق تقديمها لجلسة 26/7/1994 بالرد على ما ورد بمذكرة النيابة الأولى، وحوت المذكرة الثانية الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة مع التمسك باوجه الدفاع وبالدفوع السابق ايرادها في المذكرات السابقة مع طلب الحكم برفض الاستئناف وتاييد الحكم المستانف.

وحيث ان المحكمة قررت مد اجل الحكم لجلسة 29/5/1995 لتعذر المداولة ثم مد اجل الحكم لجلسة اليوم لاتمام الاطلاع.

وحيث ان الاستئناف حاز شكله المقرر.

وحيث انه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لعدم وجود مصلحة مباشرة بالمستانفين والذي قبله الحكم المستانف، فانه من المقرر ان هذا الدفع موضوعي وليس من الدفوع الاجرائية، وكانت المادة الخامسة من القانون 462 لسنة1955 قد نصت على انه ( تتبع احكام قانون المرافعات والإجراءات المتعلقة بمسائل الاحوال الشخصية والوقف التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو المجالس الملية عدا الاحوال التي وردت بشانها قواعد خاصة في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو القوانين الاخرى المكملة) ومنطوق هذا النص ومفهومه ان المسائل الاجرائية في الاحوال الشخصية والوقف التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو المجالس الملية تخضع لاحكام قانون المرافعات بشرطين احدهما الا تكون قد وردت بشان هذه المسائل الاجرائية قواعد خاصة في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والثاني الا تكون قد وردت بشانها قواعد خاصة في قوانين مكملة للائحة لانه في حالة تخلف الشرط الأول تتبع القواعد الواردة للائحة، وفي حالة تخلف الشرط الثاني تتبع (اللوائح) القواعد الواردة بالقوانين الخاصة.اما المسائل الموضوعية في الاحوال الشخصية والوقف والتي كانت اصلا من اختصاص المحاكم الشرعية فتصدر الاحكام فيها طبقا لما هو مقرر في المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. وذلك عملا بالمادة السادسة من القانون 462 لسنة 1955 والمادة 280 المذكورة نصت على انه : ( تصدر الاحكام طبقا للمدون في هذه اللائحة ولأرجع الاقوال من مذهب ابي حنيفة ماعدا الاحوال التي ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها ان تصدر الاحكام طبقا لتلك القواعد) وحكم المادتين الخامسة والسادسة من القانون 462 لسنة 1955 هو ما سارت عليه احكام المحاكم بكافة درجاتها منذ صدور القانون المذكور. واذا خالف الحكم المستانف هذا النظر فأهمل احكام قانون المرافعات على الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم الصفة والمصلحة، وهو دفع موضوعي يتعلق بموضوع الحق في الدعوى ومن ثم كان يتعين عليه ان يعمل عليه الاحكام الواردة بارجح الاقوال من مذهب ابي حنيفة لعدم وجود احكام خاصة، لهذا الموضوع لا في اللائحة ولا في قوانين خاصة فان الحكم المستانف يكون قد القانون واخطا في تطبيقه.

وحيث انه من المقرر وفق ارجع الاقوال من مذهب ابي حنيفة ان الشهادة حسبة بلا دعوى تقبل في حقوق الله تبارك وتعالى كاسباب الحرمات من الطلاق وغيره واسباب الحدود الخالصة حقا لله تعالى ( بدائع الصنائع 6/277، الاشباه والنظائر لابن تميم 242) فيكون واجبا كفائيا ان يتقدم المكلف إلى القاضي للشهادة على حد خالص لله تعالى أو لرفع حرمة قائمة كمعاشرة مطلق بائنا بينونة كبرى لمطلقته أو صغرى بغير عقد جديد أو لمرتد لزوجته المسلمة أو لكافر تزوج مسلمة وغير ذلك. وتشير المحكمة ان المقصود بحقوق لله تعالى وحرماته هو ما تعلق بالمصلحة العامة أو بعموم الامة الإسلامية، ونسبت إلى الله تعالى لشرفها واتصالها بمصلحة المجتمع المسلم عامة، تمييزا لها عن حقوق الافراد التي تتصل بمصلحة فرد أو افراد على سبيل التحديد والاختصاص، والله سبحانه مالك الملك لا يند عن ملكه شيء. والمصلحة في ذلك هي رفع منكر ظهر فعله أو امر بمعروف ظهر تركه عملا بقول الحق تبارك وتعالى

(وكنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) ( سورة ال عمران الاية 110) وكذا قول الله جل شانه {ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون} ( سورة ال عمران الاية 104) فترك المعروف يؤذي كل مسلم وشيوع المنكرات في المجتمع اشد إيذاء له، فكانت له المصلحة مباشرة في اقامة دعوى الحسبة.

وامتدت دعوى الحسبة من النظام الاسلامي إلى القضاء الاداري في فرنسا، وفي غيرها وعلى الاظهر لدعوى الغاء القرارات الإدارية المعيبة وبدا القضاء المصري ينحو هذا النحو مما يعرف في موضعه. لما كان ذلك فان المستانفين اذا أقاموا هذه الدعوى بطلب التفريق بين المستانف ضده الأول وزوجته المستانف ضدها الثانية بدعوى ان الأول ارتد عن دين الاسلام، وان الثانية مسلمة فان هذه الدعوى تقبل من المستانفين حسبة حسبما اسلف القول ولهم الصفة في اقامتها، واذ خالف الحكم المستانف هذا النظر يكون واجب الالغاء ولما كان الفصل في الدفع بعدم القبول هو فصل في مسالة موضوعية تتعلق باصل الحق في الدعوى مما تكون محكمة اول درجة قد استنفذت ولايتها بالفصل في النزاع ومن ثم تتصدى هذه المحكمة للفصل فيه.

وحيث انه عن الدفوع المتعلقة بالتدخل والادخال وكأن الاستئناف لم يرفع الا من بعض المدعين أمام محكمة اول درجة وعلى المدعى عليهما امامها. ولم يتقدم احد للتدخل في المرحلة الاستئنافية القائمة. كما لم يحصل ادخال لاحد في هذه المرحلة ومن ثم فان هذه الدفوع تكون غير مطروحة على المحكمة.

وحيث انه عن الدفوع التي ابداها المستانف ضدهما فان المحكمة تتعرض لها تباعا:

1. عن الدفع بعدم انعقاد الخصومة لعدم الاعلان صحيحا في المدة القانونية. وهو كما ورد بمذكرة محامي المستانف ضدهما يقوم على انهما اعلنا بمحل اقامتهما في 25/5/1993 بدائرة قسم 6 أكتوبر، ولغلق السكن اعلنا في مواجهة مامور قسم الهرم مما يبطل الاعلان.

وحيث ان هذا الدفع مردود ذلك ان الثابت ان المستانف ضدهما حضرا بجلسات محكمة اول درجة ابتداء من جلسة 4/11/1993 وكان من المقرر عملا بالمادة 70 من قانون المرافعات انه يجوز بناء على طلب المدعى عليه اعتبار الدعوى كان لم تكن إذا لم يتم تكليف المدعى عليه بالحضور في خلال ثلاثة اشهر من تاريخ تقديم الصحيفة إلى قلم الكتاب، وكان ذلك راجعا لفعل المدعي، وكان الثابت من الصحيفة ان المستانفين ذكروا محل الإقامة الصحيح للمستانف ضدهما الا ان المحضر اثبت انتقاله لهذا العنوان بدائرة قسم 6 أكتوبر ووجده مغلقا فسلم صورة الاعلان لقسم الهرم فيكون عدم تمام التكليف بالحضور لا يرجع للمستأنفين وانما يرجع لاهمال المحضر ومن ثم تكون الخصومة قد انعقدت بحضور المستانف ضدهما ولا تتوافر شروط اعتبار الدعوى كان لم تكن الواردة بالمادة 70 من قانون المرافعات، وتشير المحكمة إلى ان المادة المذكور اجرائية ولا يوجد بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو أي قانون خاص بما ينظم هذه المسالة فتكون هذه المادة واجبة الاعمال على إجراءات رفع الدعوى أمام محكمة أول درجة.

2. الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وذكر المستانف ضدهما سندا له ان طلب التفريق بين الزوجين ادعاء بردة الزوج يستلزم البحث في ردة الزوج ولا يوجد نص في القانون المصري ولا في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية يجيز لاي محكمة ان تقضي بصحة اسلام مواطن أو كفره أوردته، الا إذا كانت الردة ثابتة بطريقة لا تدع مجالا للشك سواء باقرار من المدعى عليه بالردة أو باوراق رسمية كان تقر امرأة مسلمة انها اصبحت نصرانية لتتزوج بنصراني، اما صدور كتابات يفهم منها الردة فان مفهوم الناس يتفاوت والقران الكريم حمال اوجه، وحيث ان هذا الدفع مردود، ذلك انه من المقرر عملا بالمادة الثامنة من القانون 462 لسنة 1955 ان المحكمة الابتدائية تختص بدعاوي الفرقة بين الزوجين بجميع اسبابها، ومن ثم فان دعوى التفريق بين الزوجين بسبب ردة احدهما تختص بها المحكمة الابتدائية، ويكون البحث في حصول الردة من عدمه مسالة اولية تختص بها المحكمة المذكورة، لامكان الفصل في دعوى التفريق، وهذه المسالة الأولية لا تخرج من اختصاصها، وتشير المحكمة إلى ان هناك فرقا بين الردة ـ فعل مادي له أركانه وشرائطه وانتفاء موانعه ـ وبين الاعتقاد، فالردة لا بد لها من افعال مادية لها كيانها الخارجي ولابد ان تظهر هذه الافعال بما لا لبس فيه ولا خلاف انه يكذب الله سبحانه أو يكذب رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بان يجحد ما ادخله في الاسلام. ولو وجد قول أو رواية انه لا يكفر بفعل معين ولو كان ضعيفا فانه لا يعني بكفره، ولا يقضى بكفره لان الكفر شيء عظيم فلا يجوز جعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية بعدم تكفيره اما الاعتقاد فهو ما يسره الانسان داخل نفسه ويعقد عليه قلبه وعزمه وتكون عليه نواياه، فهو يختلف اختلافا بعيدا عن الردة التي هي جريمة لها ركنها المادي تطرح أمام القضاء ليفصل في قيامها من عدمه وهي تدخل فيما يختص القضاء بنظره أو ما يجب قضاءه ويتعلق به، اما الاعتقاد فهو ما يكون فيه داخل نفس الانسان وتنطوي عليه سريرته، وهو امر لا دخل للقضاء به ولا للناس بالبحث فيه وانما يتصل بعلاقة الانسان بخالقه. الردة خروج على النظام الاسلامي في اعلى درجاته وفي قمة اصوله بافعال مادية ظاهرة، يقرب منها في القانون الوضعي الخروج على الدولة ونظامها أو الخيانة العظمى. الردة يفصل في شانها القاضي والمفتي. اما عقوبة الاعتداء على الدين بالردة فلا تتنافى مع الحرية في وقائع الحياة الشخصية لان حرية العقيدة تستلزم ان يكون الشخص مؤمنا بما يقول ويفعل وله منطق سليم في الخروج عن العقيدة. ومن يخرج على الاسلام لا يكون الا عن فساد في فكر أو استهزاء بالمادة أو بالجنس أو لغرض اخر من اغراض الدنيا، ومحاربة هذا الصنف لا تعد محاربة لحرية الاعتقاد وانما حماية للاعتقاد من هذه الاهواء الفاسدة العابثة اما الاعتقاد فيتعلق بديانة الانسان أي بسريرته مع خالقه سبحانه وتعالى ليس للمحاكم ان تتدخل فيه أو تفتش عنه. ويدل على ذلك قول الحق تبارك وتعالى { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون، اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله انهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بانهم امنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون، واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم} سورة المنافقون ( الايات 4 -1) ومن ثم لم يتعرض لهم رسول الله بشيء، بل ادى صلاة الجنازة على بعضهم. وترتيبا على ذلك، فان ما تمسك به المستانف ضدهما بانه لا يجوز لمحكمة البحث في حصول الردة لبحث الآثار التي قررها الفقهاء و التي تلتزم المحكمة ـ عملا بالنصوص السالف بيانها ـ باعمالها، لا يكون له دليل صحيح ويتعين الالتفات عنه كما ان ما ادلت به النيابة العامة بمذكرتها المؤرخة 12/2/1995 بان أوردت بها انه لا يمكن القول بارتداد المستانف ضده الأول بحيث يجب التفريق بينه وبين زوجته المستانف ضدها لهذا السبب. واما بالنسبة لتعريض المستانف ضده الأول بالدين الاسلامي ومقدساته في كتاباته، فانه يجوز مساءلته عنه قضائيا، هذا القول لا يتفق وما يجب على النيابة العامة من الالتزام بابداء رايها في المسائل القانونية، فكان عليها ان تقول ان كتابات المستانف ضده لا تشكل في نظرها ردة أو تقول انها تشكل ردة موضحة اسباب الراي الذي تقول به أو تطلب اللجوء الى طرق اثبات لا يتضح لها وجه الحق في المسالة ان اشكل عليها الراي ثم تنتهي إلى ابداء الراي في طلبات المستأنفين، غير انها لم تفعل اذ عدلت عن راي مسبب بمذكراتها المؤرخة 19/1/1995 إلى راي غير مسبب بالمذكرة الثانية دون ان توضح سبب العدول.

كما تشير المحكمة إلى ان ما ذكره المستانف ضدهما من ان الردة لا تثبت الا بالاقرار أو بأوراق رسمية هو قول لا سند له لا من الاحكام الفقهية ولا من النصوص القانونية التي تحكم النزاع. فالردة افعال مادية وجريمة من الجرائم (حد من الحدود) يثبت بما تثبت به الحدود بعامة من (البيانات) وطرق الاثبات الشرعية كما انها من الحدود التي لا يستلزم لها الشرع نصابا خاصا في شهادة الشهود المثبتة لها.

3. الدفع ببطلان حضور المستانفين للجلسات ومباشرة الدعوى على زعم ان دعوى الحسبة ليست مبنية على الفرض وانما على الفقه الديني الذي ( احتوى قراره صدمة الانتقال التي اصابت الخطاب الديني) وان الدولة هي التي تباشر الحماية القضائية في دعوى الحسبة، وان دور المدعي ينتهي برفعها، وهذا الدفع بدوره مردود (على ذلك) انه من المقرر وعلى ما سلف بيانه ان دعوى الحسبة لها اصلها من كتاب الله تعالى وان المكلف وله الحق في اقامتها، فان له كافة الحقوق التي أوردتها لائحة ترتيب المحاكم الشرعية للمدعي سواء في الحضور أو بالطعن في الحكم الصادر فيها وذلك إذا لم تقم النيابة العامة بمباشرتها أو الطعن في الحكم الصادر فيها، ولذا لم يشترط في دعوى الحسبة اذن ولي الامر لانها قد تكون متوجهة إلى بعض اعماله أو عماله.

وحيث انه من موضوع الدعوى وهو طلب التفريق بين المستانف ضده الأول وزوجته المستانف ضدها الثانية بدعوى ردة الأول وبقاء الثانية على اسلامها فان الامر يستلزم بصفة اولية بحث حصول ردة من المستانف ضده الأول عن دين الاسلام فان كانت فيتعين بحث اثارها على الزواج القائم بين الطرفين.

وحيث انه عن الردة ففي المعني اللغوي : اسم من الارتداد وهو في اللغة الرجوع مطلقا ومنه المرتد لانه المرتد إلى الوراء بعد ان تقدم للهداية والرشد، وفي المعنى الشرعي الرجوع عن دين الاسلام، والمرتد هو الراجع عن دين الاسلام إلى الكفر وركنها التصريح بالكفر اما بلفظ يقتضيه أو بفعل يتضمنه، بعد الايمان. يقول الحق تبارك وتعالى { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون} (سورة البقرة الاية 217، يقول الحق جل شانه { ولئن سالتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قل أ بالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم} ( سورة التوبة الايتان 66-65) اما المقصود بالكفر الذي يصرح به المرتد أو بلفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه فان المحكمة تاخذ بما اتجه إليه كثير من الفقهاء سواء من الحنفية أو الشافعية أو غيرهم من انه إذا وجد قول عند احد من الفقهاء ولو كان القول ضعيفا بعدم كفره فانه يؤخذ بهذا القول ولا يجوز القول بتكفيره لان الاسلام ثابت يقينا ولا يزول اليقين الا بمثله فلا يزول لا بالظن ولا بالشك، فيلزم ان يكون ما صدر من المدعي بردته مجمعا على انه يخرجه من الملة عند كافة علماء المسلمين وائمتهم مع اختلاف مذاهبهم الفقهية ( يراجع : الاعلام بقواطع الاسلام، ابن حجر المكي الهثيمي، الفصل الأول 10 وما بعدها، طبعة كتاب الشعب). حاشية ابن عابدين 3/493 وما بعدها، الفتاوي الانفرادية 161، الاشباه والنظائر ابن تميم 190.

يراجع في الردة كتب التفسير منها :الطبري 4/316 وما بعدها، القرطبي 845 وما بعدها، طبعة كتاب الشعب، تفسير المنار 2/253، كتب السنة وشروحها وعلى الاخص التمهيد ابن عبد البر5/304، وما بعدها، وكتب الفقه للمذاهب المختلفة : للحنفية، بدائع الصنائع، 7/134 وما بعدها، فتح القدير6/86 وما بعدها، حاشية ابن عابدين 3/391 وما بعدها، المالكية : قوانين الاحكام الشرعية 382 وما بعدها، الشافعية : المهذب 2/222، الحنابلة : المفتي 8/123 وما بعدها.

والردة تكون بان يرجع المسلم عن دين الاسلام ظلما وعدوانا بان يجري كلمة الكفر عامدا صريحة على لسانه، أو فعل فعلا قطعي الدلالة أو قال قولا قاطعا في جحود ما ثبت بالايات القرانية أو الحديث النبوي الشريف واجمع عليه المسلمون فمن انكر وجود الله تعالى أو اشرك معه غيره او نسب له الولد أو الصاحبة تعالى عن ذلك علوا كبيرا، أو استباح لنفسه عبادة المخلوقات. أو كفر بأية من ايات القران الكريم أو جحد ما ذكره الله تعالى في القران الكريم من اخبار أو كفر ببعض الرسل أو لم يؤمن بالملائكة أو بالشياطين أو رد الاحكام التشريعية التي أوردها الله سبحانه في القران الكريم ورفض الخضوع لها والاحتكام إليها أو انكرها أو رد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة رافضا طاعتها والانصياع لما جاء بها من احكام، إلى غير ذلك من الامثلة.

وحيث ان المحكمة اطلعت على المؤلفات الاتية والمقدمة بحوافظ المستأنفين أمام محكمة اول درجة ولم يتعرض المستانف ضدهما لها بالنفي أو التشكيك في نسبتها لاولهما بل اقر بها في المذكرات المقدمة وهو اقرار أمام المحكمة لم يعدل عنه، والمؤلفات هي:

1. نقد الخطاب الديني، دكتور نصر حامد ابو زيد، سينا للنشر، رقم الايداع : 8727/92،

2. الامام الشافعي وتاسيس الأيديولوجية الوسطية، دكتور نصر حامد أبو زيد، سينا للنشر رقم الايداع 9297/591،

3. مفهوم النص، دراسة في علوم القران، دكتور نصر حامد ابو زيد اليابان 18/2/1987 على الالة الكاتبة،

4. اهدار السياق في تاويلات الخطاب الديني دكتور نصر حامد ابو زيد على الالة الكاتبة،

وتورد المحكمة بعض العبارات من الكتب السابقة للحكم عليها:

القسم الاول : ما يتعلق بالقران الكريم

1. يقول المستانف ضده في مؤلفه نقد الخطاب الديني، ص102….” واذا كانت اللغة تتطور بتطور حركة المجتمع والثقافة فتسوغ مفاهيم جديدة تطور دلالات ألفاظها للتعبير عن علاقات اكثر تطورا فمن الطبيعي والضروري ان يعاد فهم النصوص وتاويلها بالمفاهيم التاريخية والاجتماعية الاصلية نفسها واحلال المفاهيم المعاصرة والاكثر انسانية وتقدما مع ثبات مضمون النص : ( والنصوص في كتابة المؤلف عامة هي القران الكريم إذا اراد الكلام عن السنة ذكره بالنص الثانوي الثاني).

2. يقول المستانف ضده في مؤلفه السابق، ص 199-198 :” تتحدث كثير من ايات القران عن الله بوصفه ملكا (بكسر اللام) له عرش وكرسي وتتحدث عن القلم واللوح، وفي كثير من المرويات التي تنسب إلى النص الديني الثاني ـ الحديث النبوي ـ تفاصيل دقيقة عن القلم واللوح والكرسي والعرش تساهم إذا فهمت حرفيا في تشكيل صور اسطورية من عالم ما وراء عالمنا المشاهد المحسوس، وهو ما يطلق عليه في الخطاب الديني اسم ( عالم الملكوت والجبروت) ولعل المعاصرين لمرحلة تكون النصوص ـ تنزيلها ـ كانوا يفهمون هذه النصوص فهما حرفيا ولعل الصور التي تطرحها النصوص كانت تنطلق من التصورات الثقافية للجماعة في تلك المرحلة. ومن الطبيعي ان يكون الامر كذلك، لكن من غير الطبيعي ان يصر الخطاب الديني في بعض اتجاهاته على تثبيت المعنى الديني عند العصر الأول رغم تجاوز ـ الواقع والثقافة في حركتها لتلك التصورات ذات الطابع الاسطوري. ان صورة الملك والملكة بكل ما يساندها من صور جزئية تعكس دلاليا واقعا مثاليا تاريخيا محددا كما تعكس تصورات ثقافية تاريخية والتمسك بالدلالة الحرفية للصورة التي تجاوزتها الثقافة وانتفت من الواقع يعد بمثابة نفي للتطور وتثبت صورة الواقع الذي جاوزه التاريخ”.

3. ويقول المستانف ضده في كتابه نقد الخطاب الديني، ص 207-206-205 :” ومن النصوص التي يجب ان تعتبر دلالتها من قبيل الشواهد التاريخية النصوص الخاصة بالسحر والحسد، والجن والشياطين…. كانت الأولى تجعل العلم نقطة الارتكاز : السحر، الحسد. الجن والشياطين مفردات في بنية ذهنية ترتبط بمرحلة محددة من تطور الوعي الانساني وقد حول النص الشياطين إلى قوة معوقة وجعل السحر احد أدواتها لاستسلام الانسان. فقد كان الواقع الثقافي يؤمن بالسحر ويعتقد فيه، واذا كنا ننطلق هنا من حقيقة ان النصوص الدينية نصوص انسانية لغة وثقافة، فان انسانية النبي بكل نتائجها من الانتماء إلى عصر والى ثقافة والى واقع لا تحتاج لاثبات، وما ينطبق على السحر ينطبق على ظاهرة الحسد… وليس ورد كلمة الحسد في النص الديني دليلا على وجودها الفعلي الحقيقي… بل هو دليل على وجودها في الثقافة مفهوما ذهنيا… كل المواضع التي وردت فيها الكلمة في القران… وموضع واحد بالدلالة الحرفية المرتبطة بنسق من العقائد والتصورات شبه الاسطورية القديمة” وعن الموضوع نفسه يقول المستانف ضده في مفهوم النص ص 36 : ” … امكننا ان نميز بين هاتين الصورتين، صورة الجن الخناس الموسوس الذي يستعاذ بالله منه وصورة الجن الذي يشبه البشر في انقسامه إلى مؤمنين وكافرين، ولا شك ان الصورة الثانية تعد نوعا من التطوير القراني النابع مع معطيات الثقافة من جهة والهادف إلى تطويرها لمصلحة الاسلام من جهة اخرى”.

وفي الاتجاه نفسه يقول المستانف ضده الأول في مؤلفه اهدار السياق، ص 37 : ” مازال الخطاب الديني يتمسك بوجود القران في اللوح المحفوظ اعتمادا على فهم حرفي للنص، ” وما زال يتمسك بصورة الاله الملك بعرشه وكرسيه وصولجانه ومملكته وجنوده الملائكة، وما زال يتمسك بالدرجة نفسها من الحرفية بالشياطين والجن والسجلات التي تدون فيها الاعمال والاخطر من ذلك تمسكه بحرفية صور العقاب والثواب، وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط، وذلك كله من تصورات اسطورية”.

وحرفية النصوص المنقولة عن مؤلفات المستانف ضده الأول سالفة الاشارة تدل بمنطوقها على ما يلي:

أولا : يذكر المؤلف وصف الله تعالى بانه ملك الواردة بالقران الكريم في ايات كثيرة نص في ذلك ـ والنص هنا بمعنى ما يفيد نفسه من غير احتمال ـ منها:

(فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو رب العرش العظيم) ( سورة المؤمنون الاية 16 وفي قوله جل شانه { قل اعوذ برب الناس ملك الناس} ( سورة الناس الاية2، وفي قوله تبارك وتعالى ( قل هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس)

ثانيا : يذكر المؤلف العرش والكرسي وجنود الله الملائكة، وهي مخلوقات نزلت الايات الكريمة قاطعة الدلالة في اثباتها مخلوقات خلقها الله سبحانه وتعالى ومن الايات على سبيل المثال : فعن العرش يقول الحق تبارك وتعالى : {وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء} ( سورة هود الاية : 7) { قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم}،( سورة المؤمنون الاية 86)، {وترى الملائكة حافين من حول العرشين} ( سورة الزخرف الاية 75)، وعن الكرسي قول الحق تبارك وتعالى {وسع كرسيه السموات والارض} ( سورة البقرة الاية 255).

وعن الملائكة تزيد الايات عن ثمانين اية… متفرقات في سور القران الكريم على انها مخلوقات الله ورسوله وجنوده بدلالة قاطعة على ذلك , ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى في سورة فاطر الاية الأولى {الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا أولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير} ويقول الحق سبحانه {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسالون} ( سورة الزخرف الاية 19)، ويقول الله تعال جل شانه : {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون} ( سورة التحريم الاية 6). ويرى المستانف ضده ان الايات التي وردت بكتاب الله تعالى إذا فهمت حرفيا تشكل صورة اسطورية، والاسطورة بالمعنى اللغوي الذي يشكل المستانف ضده احد علمائها هي الاباطيل والاحاديث العجيبة، وهذا القول لا يبعد كثيرا عما حكاه القران الكريم عن قول الكافرين في ايايه يقول {الذين كفروا ان هذا الا اساطير الاولين} ( سورة الانعام الاية 25) ولم ترد كلمة اساطير في القران الكريم الا بهذا المعنى. والمستانف ضده كرر وصف كتاب الله بهذا اللفظ في مواضع كثيرة منها ما ورد في مؤلفه نقد الخطاب الديني في صفحات 7، 8، 99، 207.

ثالثا : ينكر المؤلف وجود الشياطين ويجعل وجودها وجودا ذهنيا في مرحلة الامة الإسلامية في بدايتها أي وجودا في اذهان الناس والقران الكريم سايرهم في ذلك، وكذلك السحر والحسد انه لا وجود للشياطين في الاعيان وكذا السحر والحسد والجن وبهذا الانكار، ينكر الايات الكثيرة الواردة عن الشياطين وان لها وجودا حقيقيا وانها من مخلوقات الله سبحانه. والايات قاطعة الدلالة في ذلك. ورد ذكر الشياطين والشيطان اكثر من ثمانين مرة في مواضع كثيرة من السور منها : { فأزلهما الشيطان منها فأخرجهما مما كان فيه} ( البقرة الاية36) ومنها : {فوسوس إليه الشيطان قال يا ادام هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} ( سورة طه الاية 120)، { فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} ( سورة مريم الاية 68). ولم يقف المستانف ضده عند حد الانكار بل اخذ يسخر من النص وهو يعني القران الكريم فيقول : وقد حول النص الشياطين إلى قوة معوقة وجعل السحر احد أدواتها) هذه العبارة حرفيا من كتاب نقد الخطاب الديني، ص 206.

ومنطوق المستانف ضده في كلامه السالف ان كتاب الله تعالى حوى كثيرا من الاباطيل التي سايرت المجتمع الاسلامي في بدايته لوجود هذه الاشياء في اذهان الناس في تلك الحقبة السحيقة من التاريخ وان على الناس التخلص من هذه الاباطيل والتمسك بالحقيقة التي لا يعرفها الا المستانف ضده وحده، تعالى الله عما يقولون علو كبيرا.

رابعا : وعن الجن والوسواس الخناس فالمستأنف ضده الأول ينكر وجود الجن حسبما ورد في مؤلفاته كما سلف البيان: وهو بهذا ينكرها كمخلوقات لها وجودها الحقيقي والتي اثبت القران وجودها في ايات قاطعة الدلالة على ذلك منها:

قول الحق تبارك وتعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن} ( سورة الانعام الاية112)، ويقول سبحانه بيانا على انه يحشرهم يوم القيامة { يوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم} ( سورة الانعام الاية 128) وفي خلق الجن يقول الحق تبارك وتعالى{والجان خلقناه من قبل من نار السموم} ( سورة الحجر الاية 27) قول الحق تبارك وتعالى {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدوني} ( سورة الذريات الاية 56) . والمستانف ضده لم يكتف بهذا التكذيب للايات القرآنية قاطعة الدلالة فيما جاءت به بل ينسب إلى القران الكريم تطوير صور الجن تبعا لمعطيات الثقافة قولا من ان سورة الناس مكية ويقصد قول الحق تبارك وتعالى { قل اعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} ويضيف ان النص طوره إلى ما يشبه الناس من انقسامهم إلى المؤمنين وكافرين بعد ذلك في سورة( الجن) ونسى المستانف ضده ان سورة الجن مكية ايضا باتفاق، وبل هي قريبة في ترتيب النزول من سورة الناس أي ان معطيات الثقافة كما يقول كانت واحدة.

خامسا : ولا يقف المستانف ضده عند هذا الحد في رمي القران الكريم باحتوائه على الاساطير، بل يضيف إلى ذلك ايضا صور العقاب والثواب، ومشاهد القيامة ليدخلها ايضا ضمن الاساطير إذا فهمت بحرفية نصوصها وايات العقاب والثواب أي الايات القرانية على النار والجنة وايات مشاهد القيامة وعذاب القبر هي ايات كثيرة تمثل جزءا كبيرا من كتاب الله تعالى.

خلاصة ما أورده المستانف ضده في هذا الأصل من اصول العقيدة الإسلامية ان الايات القرانية لا تمثل واقعا ولا حقيقة ولكنها تمثل وجودا ذهنيا في مرحلة العصر النبوي أي في اذهان الناس في ذلك الوقت، وقد حدثت تطورات في العقول والتاريخ وتغيرت الصورة الذهنية لرب الناس فيجب ان تفهم هذه العقيدة على نحو اذهان الناس اليوم والمستانف ضده بهذا القول يكون قد رد قول الحق تبارك وتعالى عن القران الكريم، بانه الحق وان ما ورد به هو الحق وانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وان الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وهذه الايات مبثوثة في كتاب الله تعالى ومنها : قول الحق تبارك وتعالى : {يا ايها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم} ( سورة ال عمران الاية 170) وقوله سبحانه { تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق} ( سورة ال عمران الاية 108)، قوله تعالى { ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق} ( سورة المائدة الاية 148)، وقوله تعالى ذكره {ان الحكم الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين} ( سورة الانعام الاية57) ويقول سبحانه {ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} ( سورة فصلت 42 -41) ويقول تعالى شانه { وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى} (سورة النجم 3-4). ومن المعلوم في اللغة العربية ان الحق له معان تدور كلها حول الشيء الثابت بلا شك. والمطابق لما عليه ذلك الشيء نفسه، وان الباطل هو بالاثبات له عند الفحص ( راجع المفردات في غريب القران، ومختار الصحاح، المعجم الوسيط)

4. وما زالت المحكمة تواصل عرض ما أورده المؤلف عن القران الكريم. يقول المستانف ضده في مؤلفه نقد الخطاب الديني، ص 93/94:

” النص منذ لحظة نزوله الأولى أي مع قراءة النبي له لحظة الوحي تحول من كونه نصا إلهيا وصار فهما انسانيا، لانه تحول من التنزيل إلى التاويل، ان فهم النبي للنص يمثل أولى مراحل حركة النص في تفاعله بالعقل البشري، ولا التفات لمزاعم الخطاب الديني بمطابقة فهم الرسول للدلالة الذاتية للنص على فرض وجود مثل هذه الدلالة الذاتية ان مثل هذا الزعم يؤدي إلى نوع من الشرك” حيث انه يطابق بين المطلق والنسبي وبين الثابت والمتغير حيث يطابق بين القصد الالهي، والفهم الانساني لهذا القصد ولو كان فهم الرسول، انه زعم يؤدي إلى تأليهه أو إلى تقديسه باخفاء حقيقة كونه بشرا والكشف عن حقيقة كونه نبيا بالتركيز عليها وحدها”.

ويقول المستانف ضده في المؤلف نفسه ص 206:

” واذا كنا ننطلق هاهنا من حقيقة ان النصوص الدينية نصوص انسانية بشرية لغة وثقافة…”

وفي المؤلف نفسه ص 210 يقول:

” يتم تغييب دلالات النصوص بالوثب على بعدها التاريخي وبالوثب على الثقافة وواقع المعاصرين بالارتداد بهما إلى عصر انتاج النصوص الدينية”

ويقول المستانف ضده في مؤلفه مفهوم النص، ص20:

” …… وتاتي الاية الثانية لتؤكد ان القران مصدر من ( قرأ) بمعنى القراءة الذي هو الترديد والترتيل ” ورتل القران ترتيلا ” ( سورة المزمل الاية 4)”.

ان النص في اطلاقه هذا الاسم على نفسه ينتسب إلى الثقافة التي تشكل من خلالها وعبارات المستانف ضده بمنطوقها ـ ولا تفسر المحكمة هذا المنطوق الواضح الجلي لان التفسير لا يكون مجاله الا في الغامض من العبارات ـ عبارات المستانف ضده تنقي عن القران الكريم كونه نصا الهيا وتؤكد على انه نص بشري. وفي ذلك انكار للايات القرانية قاطعة الدلالة في ذلك وايضا لا تستند المحكمة إلى التفسير ولا التاويل، لان القران الكريم في هذا الشان : ” نص” بالمعنى الاصطلاحي للنص الذي سبق بانه الذي لا يحتاج لتفسير ولا لتاويل.

ومن هذه الايات الكريمة ما ياتي:

قول الحق تبارك وتعالى { وان احدا من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ذلك بانهم قوم لا يعملون} ( سورة التوبة الاية 2).

فالقران كلام الله بنص الاية والمستانف ضده يصر على انه نص انساني بشري.

ويقول الحق تبارك وتعالى في السور المكية:

من سورة يونس الاية 15 { واذا تتلى عليهم اياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقران غير هذا أو بدله قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع الا ما يوحي إلى اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم}

ويقول جل شانه في الاية 17 من السورة نفسها { فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب باياته انه لا يفلح المجرمون}

وفي سورة النحل الايتان (101 و102) يقول الله سبحانه:

{واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون، قل نزله روح القدس من ربك الحق ليثبت الذين امنوا وهدى وبشرى للمسلمين} ومن سورة النمل يقول الله جل شانه الاية 6 : { وانك لتلقى القران من لدن حكيم عليم} فالايات تدل نصا على ان القران الكريم الذي نتلوه هو كلام الله تعالى وان الله سبحانه انزل كلماته واياته وهي التي يتلوها رسول اله صلى الله عليه وسلم والتي نتلوها اليوم، فالقران الكريم ليس فهما انسانيا من الرسول صلى الله عليه وسلم للوحي كما يؤكد المستانف ضده في كلامه وليس نصا بشريا، وليس منتجا ثقافيا. ونسبة هذه الصفات للقران الكريم فيها رد للقران الكريم باكمله بوصفه كلام الله لفظا ومعنى، ورد للايات القرانية التي تنص على ان الايات بذاتها منزلة من الله سبحانه وتعالى كما يقول الحق تبارك وتعالى { لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرانه فاذا قرأناه فاتبع قرانه} ( سورة القيامة الايات 16، 17، 18).

ثم ان القران الكريم المقدس وصفه الله سبحانه بانه القران العظيم ( سورة الحجر: الاية87) ووصفه سبحانه { بل هو قران مجيد في لوح محفوظ} ( سورة البروج الايتان 21، 22)، ووصفه جل شانه في سورة ق الاية الأولى، { ق والقران المجيد} ووصفه بانه الحكيم { الر تلك ايات الكتاب الحكيم} ( سورة يونس الاية الأولى)، ووصفه بانه {شفاء ورحمة للمؤمنين} ( الاية 82 من سورة الاسراء) ووصفه سبحانه { وانه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} ( سورة فصلت الايتان 41-42) كما وصفه سبحانه { انه لقران كريم في كتاب مكنون} ( سورة الواقعة الايتان 78-77) . وانه {هدى للناس} ( سورة البقرة الاية 180 ووصفه سبحانه بانه { ص والقران ذي الذكر} ( سورة ص الاية الأولى) ووصفه جل شانه { الر تلك ايات الكتاب المبين} ( سورة يوسف الاية الأولى). هذه صفات القران الذي انزله سبحانه والذي يصفه المستانف ضده الأول بانه نص بشري وانه ( تأنسن هكذا) وانه فهم لرسول الله صل الله عليه وسلم للوحي، والقول بغير هذا يؤدي إلى نوع من الشرك ( هكذا) وان النص اطلق على نفسه اسم القران.

5. واذا كان المستانف ضده توجه إلى العقيدة الإسلامية في اصلها الأول وهو القران الكريم لما سبق ان أوردناه، كما توجه إلى جزء من احكام العقيدة الواردة بالقران الكريم ايضا، فانه اتجه إلى الشريعة ليوجه إليها الاقوال الاتية:

أ ـ من كتاب اهدار السياق في تاويلات الخطاب الديني، ص 37، يقول المستانف ضده:

” واذا انتقلنا من مجال العقائد والتصورات إلى مجال الاحكام والتشريعات، والاحكام والتشريعات جزء من بنية الواقع الاجتماعي في مرحلة اجتماعية تاريخية محددة”

وفي ص 60 من كتاب نقد الخطاب الديني يقول : ” واذا كان مبدا تحكيم النصوص يؤدي إلى القضاء على استقلال العقل لتحويله إلى تابع يقتات بالنصوص ويلوذ بها ويحتمي فان هذا ما حدث في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية”.

وفي قضية المطالبة بمساواة المراة الرجل في الاحكام على خلاف ما ورد بالقران الكريم يقول المستانف ضده في الكتاب نفسه ص 222 : ” ولا يتم الكشف عن المنظم في قضية المراة ومساواتها بالرجل خارج سياق الكشف عن حركة النص الكلية … المعنى الكلي عن تحرير الاثنين الرجل والمراة من امر الارتهان الاجتماعي والعقلي، لذلك طرح العقل نقيضا ( للجاهلية) والعدل نقيضا ( للظلم ) والحرية نقيضا ( للعبودية) ولم يكن يمكن لتلك القيم الا ان تكون واضحة مدلولا عليها، فالنص لا يفرض على الواقع ما يتصادم معه كليا بقدر ما يحركه جزئيا، ولعل مثار الاجتهاد قد تحدد الان في مسالة ميراث البنات بل في كل قضايا المراة المثارة في واقعنا.

ويوضح ما يقصده بصورة اكثر بيانا ص 105 ومن الكتاب نفسه فيقول:

” وفي قضية ميراث البنات بل في قضية المراة بصفة عامة، نجد الاسلام قد اعطاها نصف نصيب الذكر بعد ان كانت مستعبدة استعبادا تماما وفي واقع اجتماعي واقتصادي تكاد تكون المراة فيه كائنا لا أهلية له وراء التبعية الكاملة بل الملكية التامة للرجل ابا ثم زوجا. اتجاه الوحي واضح تماما، ليس من المقبول ان يقف الاجتهاد عند حدود المدى الذي وقف عنده الوحي والا انهارت دعوى الصلاحية لكل زمان ومكان”.

وحيث ان هذه العبارات التي صدرت من المستانف ضده تدل نصا على انه لا يقبل ان يقف الاجتهاد عند حدود المدى الذي وقف عنده الوحي وانما يجب ان يتطور الاجتهاد بالنسبة لهذه الاحكام المنصوص عليها ارتباطا بقياس مدى تطوير النص للواقع التاريخي والمعيار في ذلك للمناحي الكلية للوحي.

ومفهوم ذلك ان القران الكريم إذا اعطى البنت نصف الذكر في الميراث بعد ان كانت لا ترث شيئا، فالاتجاه هو اعطاؤها حقها ولكن لم يقرر القران الكريم ذلك حتى لا يصطدم بالواقع. وانما اكتفى بتحريك الواقع جزئيا ليكمل الناس باجتهادهم هذا الاتجاه لنهايته، وكذلك الشان في حجب البنت لباقي الورثة، وكذلك في شهادة المراتين لشهادة رجل واحد وهكذا.

وهذا الذي ذهب إليه المستانف ضده يعلم هو انه يخرج على الايات القرانية التي تنص على احكام قطعية في هذا المجال ومع ذلك فهو يطالب ويلح ويجعل همه كله عدم تحكيم النصوص على نحو ما نقل الحكم عنه من قبل.

وتورد المحكمة بعض الايات قطعية الدلالة في ميراث الاثنى بالنسبة للذكر، وفي ان شهادة امرأتين تعادل شهادة الرجل الواحد من ذلك:

قول الحق تبارك وتعالى في سورة النساء من الاية التاسعة:

{ يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الاثنين ……} وفي الاية 12 من السورة نفسها { ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين. ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم…”، ثم تاتي الايتان التاليتان لهاتين الايتين لتبينا طبيعة هذه الاحكام { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين} وعن شهادة المراتين بالرجل يقول الحق تبارك وتعالى : { واستشهدوا (شهيدين) من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من ( الشهداء) } ( سورة البقرة الاية 282).

وعن بعض الاحكام الواردة بالقران الكريم وهي ملك اليمين ووضع اهل الذمة في الاسلام والجزية نورد بعض عبارات المستانف ضده من كتابه نقد النص الديني : ص 104 “… تزييف يجمد النصوص كما يجمد الواقع بالغاء حقائق التاريخ واللغة ومحاربة العقل الذي حرره الوحي، وليس غريبا بعد ذلك كله ان يتعلم ابناؤنا في المدارس ان الاسلام يبيح امتلاك الجواري ومعاشرتهن معاشرة جنسية وان هذه احدى ( الطرائق) في العلاقة بالنساء إلى جانب طريقة الزواج الشرعي ما دام ذلك قد وردت به النصوص وليس غريبا ايضا في ظل عبودية النصوص ان يتعلموا ان المواطن المسيحي مواطن من الدرجة الثانية يجب ان يحسن المسلم معاملته : وفي ص 205 من الكتاب نفسه يقول

” والان وقد استقر مبدا المساواة في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين واللون الجنس لا يصح التمسك بالدلالات التاريخية لمسالة الجزية…ان التمسك بالدلالات الحرفية للنصوص في هذا المجال لا يتعارض مع مصلحة الجماعة فحسب ولكن يضر الكيان الوطني القومي ضررا بالغا واي ضرر اشد من جذب المجتمع إلى الوراء الى مرحلة، تجاوزتها البشرية في نضالها الطويل من اجل عالم افضل مبني على المساواة والعدل والحرية. اهـ.

المستانف ضده في هذه العبارات يرى ان التمسك بالنصوص في شان الجزية يجذب المجتمع للوراء ـ والذي وصل إلى عالم افضل مما كان عليه ـ فالتمسك بالدلالات الحرفية للنصوص هو في نظره يمثل التخلف والعودة اليه بعد ان تقدمت البشرية إلى ما هو افضل وهذا المعنى الحرفي لاقوال المستانف ضده يكرره في ص 102 من الكتاب نفسه:

” … فمن الطبيعي بل والضروري ان يعاد فهم النصوص وتاويلها بنفي المفاهيم التاريخية الاجتماعية الاصلية، احلال المفاهيم المعاصرة والاكثر انسانية وتقدما مع ثبات مضمون النص.

وحيث ان ما اقره المستانف ضده في خصوص ملك اليمين يتعارض مع النصوص القطعية الواردة بكتاب الله تعالى والتي يلزم اتباع حكمها إذا توافرت شروطها.انتفت موانعها، أي إذا وجد مالك اليمين لاركانه الشرعية وشروطه وانتفت موانعه، فان لم يجد مالك اليمين فلا مجال لانطباق النص، ومن الايات القرانية التي تورد حكم ملك اليمين الايات من 1 إلى7 من سورة المؤمنون، { قد الفح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون الذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون” . اما ما أورده المستانف ضده عن معاملة اهل الذمة وما ورد بشانهم من وجوب الجزية عليهم وان القول بذلك يعني جذب المجتمع للوراء إلى مرحلة تجاوزتها البشرية في نضالها الطويل من اجل عالم افضل، فهذا القول رد لايات الله تعالى في شانه الجزية ووصف لها باوصاف قد يتحرج البعض من ان يصف بها كلام البشر واحكامهم بل وهو قول يخالف ما اوجبه القران الكريم والسنة النبوية من احكام تمثل قمة المعاملة الانسانية الكريمة للاقليات غير الإسلامية في الدولة الإسلامية وهي معاملة يتمنى المسلمون في العالم اجمع ان تعامل الدول الغير المسلمة الاقليات الإسلامية بداخلها طبقا لاحكام الاسلام للاقلية غير المسلمة بدلا من المذابح الجماعية للرجال والنساء والولدان : اما اية الجزية التي خرج عليها المستانف ضده وهي اية قاطعة الدلالة فهي الاية 29 من سورة التوبة { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخير ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغون}.

واستمرار من المستانف ضده في رد بعض احكام القران الكريم يقول المستانف ضده في كتابه مفهوم النص ص 21 ما ياتي:

فاذا نظرنا للاسلام من خلال منظور الثقافة تبدد ذلك الوهم الزائف الذي يفصل بين العروبة والاسلام. ويهمش المستانف ضده العبارة رقم 1 ويقول في الهامش ما ياتي : ” ان الفصل بين العروبة والاسلام ينطلق من مجموعة من الافتراضات المثالية الذهنية : اولها عالمية الاسلام من دعوى انه دين للناس كافة لا للعرب وحدهم ورغم ان هذه الدعوى مفهوم مستقر في الثقافة، فان انكار الأصل العربي للاسلام وتجاوزه للوثب إلى العالمية مفهوم حديث نسبيا.

المستانف ضده يكرر ان عالمية الاسلام افتراض مثال ذهني وهو بهذا يرد الايات قاطعة الدلالة على انه الله سبحانه وتعالى ارسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافة عامة وليس لقريش ولا للعرب فحسب. والايات التي تنص على ذلك منذ فجر الدعوة الإسلامية، بل كلها ايات من السور المكية، ونعرض بعض الايات لترتيب نزول سورها كما قرر بذلك علماء علوم القران الكريم، يقول الله سبحانه في سورة القلم وهي السورة الثانية في النزول بعد سورة العلق { وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون، وما هو الا ذكر للعالمين} ( الايتان 52-51). وتتكرر الاية الثانية في عديد من السور. وفي سورة الاعراف الاية 158 يقول الحق تبارك وتعالى { قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا} ويقول الحق تبارك وتعالى في سورة الفرقان الاية الأولى { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} ويقول جل شانه في سورة سبا الاية 28 { وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون} ويقول الله سبحانه في سورة الانبياء الاية 107

{ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين}

ويتجه المستانف ضده ايضا للهجوم على النصوص بعامة لينفي عنها ثبات المعاني والدلالة وينفي عنها ايضا وجود عناصر ثابتة بها يقول المستانف ضده في كتابة نقد الخطاب الديني، ص 99.

الواقع هو الأصل ولا سبيل لاهداره، ومن الواقع تكون النص ( تكرر المحكمة ان المؤلف يطلق على القران الكريم : النص والنصوص ) ومن لغته وثقافته صيغت مناهجه… فالواقع أولا والواقع ثانيا والواقع أخيرا. واهدار الواقع لحساب نص جامد ثابت المعنى والدلالة يحول كليهما إلى اسطورة.

وفي الصفحة 83 من الكتاب نفسه يقول:

” وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص، بل لكل قراءة بالمعنى التاريخي الاجتماعي جوهرها الذي تكشفه في النص”.

وفي الصفحة 103 من كتابه الامام الشافعي …. يقول المستانف ضده:

” … وهذا يدل على انه ليس لاحد دون رسوله الله ( صلى الله عليه وسلم) ان يقول الا بالاستدلال… واذا كان هذا الفهم….. ينطلق من موقف ايديولوجي واضح فان هذا الموقف يعكس رؤية للعالم والانسان تجعل الانسان مغلولا دائما لمجموعة من الثوابت التي إذا فارقها حكم على نفسه بالخروج من الانسانية وليست هذه الرؤية للانسان والعالم معزولة تماما عن مفهوم الحاكمية في الخطاب الديني السلفي المعاصر حيث ينظر لعلاقة الله بالانسان والعالم من منظور علاقة السيد بالعبد الذي لا يتوقع منه سوى الاذعان ثم ينتهي المستانف ضده إلى غايته من مؤلفه المذكور فيقول فيه صفحة 110 ” وقد ان اوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها بل من كل سلطة تعوق مسيرة الانسان في عالمنا. علينا ان نقوم بهذا الان وفورا قبل ان يجرفنا التيار” وهذا الذي صرح به المستانف ضده انما يرد به قول الحق تبارك وتعالى في ايات كثيرة عن عبودية الانسان لله سبحانه وتعالى كما في قوله تبارك وتعالى { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدوني} ( سورة الذريات اية 56)، كما ترد الايات الكثيرة التي تلزم الانسان بطاعة ربه سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما في قول الحق تبارك وتعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} ( سورة النساء الاية 65).

كما ان هذا الذي أورده المستانف ضده ترد به الايات الكثيرة التي تفرض على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى سائر الامة الإسلامية حكاما ومحكومين إلى يوم الدين، تفرض على الجميع الحكم بما انزل الله سبحانه، وهل يكون الا الحكم بالنصوص. ومن هذه الايات ما ورد بسورة المائدة بالايتين 49، 50 يقول الحق تبارك وتعالى { وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل الله اليك فان تولوا فاعلم انما يريد الله ان يصيبهم ببعض ذنوبهم وان كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون} وفي السورة نفسها ينص الحق تبارك وتعالى على صفة من لم يحكم بما انزل الله تبارك وتعالى وذلك في الايات 44، 45، 47 { ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون} { ومن لم يحكم بما انزل لله فاولئك هم الظالمون} { ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون}.

واذا كانت المحكمة قد اوردت بعض مقالات المستانف ضده فما توصيف المذكور لبعض مؤلفاته نقد الخطاب الديني يقول ص 10.

فاذا كانت هذه الفصول الثلاثة قد سبق نشرها منفصلة، فان وحدتها لا تكمل فقط وحدة الموضوع الذي نتناوله ـ وهو الخطاب الديني ـ بل تتجلى بشكل ابرز في كونها جزءا حيويا من منظومة اكبر، منظومة العقل في صراعه ضد الخرافة، والعدل في صراعه ضد الظلم.

وحيث ان المحكمة تنتقل إلى كتابات المستانف ضده عن السنة النبوية.

القسم الثاني : ما يتصل بالسنة النبوية

ونقلا عن كتاب المستانف ضده : ” الامام الشافعي وتاسيس الأيديولوجية الوسطية ” العبارات الاتية:

ص28 : في محاولة الشافعي ربط النص الثانوي ( السنة النبوية) بالنص الاساسي ( القران) … ص31 لا يخلو بدوره من دلالة على طبيعة مشروع الشافعي المشروع الهادف إلى تاسيس السنة نصا، وفي ص39 يقول : ” فان الوجه الثالث محل الخلاف ـ وهو استقلال السنة للتشريع يكشف عن طبيعة الموقف الذي اوهيل عليه تراب النسيان في ثقافتنا وفكرنا الديني، وطبقا لهذا الموقف ليست السنة مصدرا للتشريع وليست وحيا بل هي تفسير وبيان لما اجمله الكتاب ـ وحتى مع التسليم بحجية السنة فانها لا تستقل بالتشريع ولا تضيف إلى النص الاصلي شيئا لا يتضمنه على وجه الاجمال والاشارة”.

وفي ص 40 يكرر المستانف ضده : ” واذا كانت الحكمة هي السنة، فان طاعة الرسول المقترنة دائما بطاعة الله في القران تعني اتباع السنة” ( المستانف ضده هنا يورد راي الشافعي) ولا يمكن الاعتراض على الشافعي بان المقصود بطاعة الرسول طاعته فيما يبلغه من الوحي الالهي ( القران)، لانه قد جعل السنة وحيا من الله يتمتع بالقوة التشريعية والالزام نفسيهما…. هكذا يكاد الشافعي يتجاهل بشرية الرسول تجاهلا شبه تام.

وفي ص42 : ” ومعنى ذلك ان تاسيس مشروعية السنة بناء على تاويل بعض نصوص الكتاب مثل تاويل الحكمة بانها السنة، وتاويل العصمة بانها انعدام الخطا مطلقا، لم يكن يتم بمعزل عن الموقف الأيديولوجي المشار إليه ولا يتبين هذا بشكل واضح الا ببيان الكيفية التي يساجل بها الشافعي من لا يقبلون من السنة الا ما وافق الكتاب”

وفي ص 55 يوضح ما يراه المؤلف من دور الشافعي والدافع إليه”.

” ان تاسيس السنة وحيا لم يكن يتم بمعزل عن الموقف الايديولوجي الذي اسهبنا في شرحه وتحليله : موقف العصبية العربية القرشية التي كانت حريصة على نزع صفات البشرية عن محمد ( صلى الله عليه وسلم) والباسه صفات قدسية الهية تجعل منه مشرعا” وسبق ان قال هذا المعنى ص (45) بالفاظ مقاربة.

وفي ص 75-74 يقول المستانف ضده : ” ولا شك ان قبول الشافعي للمراسيل … كاشف عن طبيعة المشروع الذي يريد ان يصرع الذاكرة على أساس الحفظ ومرجعية النصوص … وبعد تدقيق السنة ايضا”

وفي ص 110 يقول : ” هذه الشمولية التي حرص الشافعي على منحها للنصوص الدينية بعد ان وسع مجالها فحول النص القانوني الشارح إلى الاصلي واضفى عليه درجة المشروعية نفسها…”

وهذا الذي أورده المستانف ضده عن السنة فيه رد لكثير من الايات القرانية الصريحة في وجوب الرجوع الى السنة والوعيد لمن يخالفها، يقول الله سبحانه : { يا ايها الذين امنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا} ( سورة النساء الاية 59) فالرد هنا إلى كتاب الله سبحانه والى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام.

ويقول الله تبارك وتعالى{ واذ قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول رايت المنافقين يصدون عنك صدودا}

( سورة النساء الاية 61) ثم يقسم الحق تبارك وتعالى على عدم ايمان من لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نشب من خلاف وهذا هو التسليم الظاهر ثم لا يجد حرجا فيما قضى صلى الله عليه واله وسلم وهو التسليم باطنا بهذا الحكم، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” ( سورة النساء 65).

والمحكمة لا ترى سعة حكمها ليحتوي اقوال علماء المسلمين باختلاف مذاهبهم ونحلهم على ان السنة وحي من الله تعالى وشرع منه في خصوص تشريع الاحكام لا في مجال الامور الدنيوية المعيشية، وهي اقوال ترى المحكمة ان المستانف ضده وهو استاذ في علوم العربية والدراسات الإسلامية باحدى الجامعات المصرية لا تخفى عليه، وتورد المحكمة بعضا من هذه الاقوال اقامة للحجة عليه اضافة لما سبق. يقول ابو بكر الحصاص من كبار علماء الحنفية وأئمتهم قوله تعالى { وما ينطق عن الهوى} يحتج به من لا يجيز ان يقول النبي صل الله عليه وسلم في الحوادث من جهة اجتهاد الراي بقوله ” ان هو الا وحي يوحى” وليس كما قال لان اجتهاد الراي إذا صدر عن الوحي جاز ان ينسب موجبه وما ادى إليه انه عن وحي، ( احكام القران 3/413)، ويقول السرخسي من كبار فقهاء الحنفية : ” قد بينا انه كان يعتمد الوحي فيما بينه من احكام الشرع. والوحي نوعان ظاهر وباطن …. اما ما يشبه الوحي في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو استنباط الاحكام من النصوص بالراي والاجتهاد، فانما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الطريق فهو بمنزلة الثابت بالوحي لقيام الدليل على انه يكون صوابا لا محالة ” اصول الوحي 2/60-61. اما كلام فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة في هذا الخصوص فقد نقل المستانف ضده بعضا منه في كتابه عن الامام الشافعي والاتفاق بينهم على ان السنة وحي من الله تعالى اما اهل الظاهر فيقول ابن حزم ( الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم على قسمين : احدهما وحي متلو مؤلف تاليفا معجز النظم وهو القران، والثاني وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظم ولا متلو ولكنه مقروء وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله عز وجل مراده هنا وقال الله تعالى { لتبين للناس ما نزل إليهم} ووجدناه تعالى قد اوجب طاعة هذا الثاني كما اوجب طاعة القسم الأول الذي هو القران ولا فرق ( الاحكام في اصول الأحكام1/108) ويقول الشيعة ( لا يختلف الشيعي عن السني في الاخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل يتفق المسلمون جميعا على انها المصدر الثاني للشريعة ولا خلاف بين مسلم واخر في ان قول الرسول صلى الله عليه وسلم سنة لا بد من الاخذ بها) مقدمة المختصر النافع في فقه الامامية) ولا تخرج كتب المعتزلة في مجموعها عن هذا الأصل ( راجع المعتمد في اصول الفقه لا بي الحسين البصري) وكذا كتب الخوارج ( راجع شرح الدعائم تحقيق عبد المنعم عامر).

وحيث انه بالرجوع إلى المذهب الحنفي لمعرفة من يعد مرتدا لاعتبار ان الرجوع إلى المذهب المذكور هو الواجب عملا بالمادتين 6 من القانون 462 لسنة 1955 و280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة 6 المذكورة تقرر ( تصدر الاحكام في المنازعات المتعلقة بالاحوال الشخصية والوقف والتي كانت اصلا من اختصاص المحاكم الشرعية طبقا لما هو مقرر في المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم المذكورة) اما المادة 280 من اللائحة فعبارتها ( تصدر الاحكام طبقا للمدون في هذه اللائحة ولا يرجع الاقوال من مذهب ابي حنيفة ما عدا الاحوال التي ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها ان تصدر الاحكام طبقا لهذه القواعد) نجد الامام ابو بكر الحصاص يقول في احكام القران (2/213- 214) : … ” وفي هذه الاية دلالة على ان من رد شيئا من اوامر الله تعالى أو اوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الاسلام سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول، والامتناع من التسليم لان الله تعالى حكم بان من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم بقضائه وحكمه فليس من اهل الايمان”.

ويقول ابن تميم من الحنفية ( الاشباه والنظائر) (190/192) : ” الكفر تكذيب محمد ـ صلى الله عليه واله وسلم ـ في شيء مما جاء به من الدين ضرورة. ولا يكفر احد من اهل القبلة الا بجحود ما ادخل فيه، ويصير مرتدا بانكار ما وجب الاقرار به، أو ذكر الله تعالى أو كلامه… بالاستهزاء، والاستخفاف بالقران أو المسجد أو مما يعظم كفر” …… ورد النصوص كفر. ويقول ابن عابدين في حاشيته (3/409/411) في خصوص الزنديق ( … لاعتبارهم ابطان الكفر والاعتراف بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم … فان قلت كيف يكون معروفا داعيا إلى الضلال وقد اعتبر في مفهومه الشرعي ان يطبق الكفر؟ قلت : لا بعد فيه : فان الزنديق يموه كفره ويروج عقيدته الفاسدة ويخرجها في الصورة الصحيحة وهذا معنى ابطان الكفر فلا يتنافى اظهاره التقوى إلى الضلال وكونه معروفا بالاضلال. ويجحدون الحشر والصوم والصلاة والحج ويقولون المسمى بها غير المعنى المراد والحاصل انه يصدق عليهم اسم الزنديق”.

هذا هو مذهب الحنفية في المرتد، ولا يوجد فيما اطلعت عليه المحكمة قول أو راي يذهب إلى ان من ارتكب احد الأفعال السابقة غير مرتد بل ان الاجماع انعقد على:

تكفير من دفع نص الكتاب الكريم ، وكذا من استخف بالقران أو بشيء أو جملة أو حرف منه أو كذب شيئا أو اثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند اولي العلم باجماع وكذا من سخر بالشريعة أو بحكم من احكامها كأن يسخر بالامر المعروف والنهي عن المنكر أو لم يقر بالانبياء والملائكة فهو كافر اتفاقا ( راجع تبصرة الحكام 2/287 والاعلام بقواطع الاسلام 64-31)

لما كان ما تقدم وكان الثابت مما اوردته المحكمة من نقول لاقوال المستانف ضده في مؤلفاته والتي اقر بها على نحو ما سلف انه ارتكب الآتي على نحو ما فصلته المحكمة فيما سبق.

1.كذب المستانف ضده كتاب الله تعالى بانكاره لبعض المخلوقات التي وردت في الايات القرانية ذات الدلالة القاطعة

في اثبات خلق الله تعالى لها ووجودها كالعرش والملائكة والجن والشياطين. ورد الايات الكثيرة الواردة في شانها.

2 – سخر المستانف ضده من بعض ايات القران الكريم بقوله ( حول النص ـ يقصد القران الكريم ـ الشياطين إلى قوة معوقة وجعل السحر احد أدواتها) وسبقت الاشارة إلى موضع هذا القول من مؤلفه.

3 – كذب المذكور الايات الكريمة وهي نص فيما تدل عليه بشان الجنة والنار ومشاهد القيامة ويرميها بالاسطورية.

4 – يكذب المذكور الايات القرآنية التي تنص على ان القران الكريم كلام الله وتسبغ افضل الصفات وأعظمها عليه فيقول انه نص انساني بشري وفهم بشري للوحي.

5 – يرد المذكور ايات كتاب الله تعالى في عمومية رسالة الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة عامة.

6 – وفي مجال ايات التشريع والاحكام يرى المستانف ضده عدم الالتزام باحكام الله الواردة فيها بعامة لانها ترتبط بفترة تاريخية قديمة، ويطالب بان يتجه العقل إلى احلال مفاهيم معاصرة اكثر انسانية وتقدما وافضل مما وردت بحرفية النصوص ” كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا” ( سورة الكهف الاية 5) وينفي عن النصوص وجود عناصر ثابتة بها ويرد على وجه الخصوص النصوص المتعلقة باحكام المواريث والمراة وهل الذمة وملك اليمين الواردة بكتاب الله تعالى.

7 – وبعد ان عمق المستانف ضده هجماته وتكذيباته لكتاب الله تعالى اتجه إلى السنة النبوية الشريفة لينال منها قدر استطاعته فيردها كوحي من عند الله تعالى وكاصل للتشريع وان القول بذلك يقصد منه تأليه ( محمد صلى الله عليه وسلم) وبهذا يرد الايات القرانية ويكفر بها تلك، الواردة في حجية السنة وفي انها من وحي الله تعالى وان اختلفت عن القران الكريم في الصفة والاثر.

وحيث ان هذه الأقوال باجماع علماء المسلمين وأئمتهم إذا اتاها المسلم وهو عالم بها يكون مرتدا خارجا عن دين الاسلام. فاذا كان داعية لها فان بعض العلماء يسميه زنديقا فيكون اشد سواء من المرتد، وكان المستانف ضده يعمل استاذا للغة العربية والدراسات الإسلامية فهو يعلم كل كلمة كتبها وكل سطر خطه وما تعنيه هذه الكلمات وما تدل عليه هذه السطور وان كان من المقرر انه عند ظهور الالفاظ فلا تحتاج إلى نية ومن ثم يكون المستانف ضده قد ارتد عن دين الاسلام واضافة لذلك فقد استغل وظيفته كاستاذ لطلبة الجامعة فاخذ يدرس لهم هذه التكذيبات لكتاب الله تعالى ويلزمهم بدراساته واستيعاب هذه المعلومات القاتلة بما حازته من الاوضاع البذيئة التي رمى بها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دون خوف من الله سبحانه ولا خوف من سلطة حاكمة، وهؤلاء الشباب في سن التشكل والتاثر وخصوصا بمن يعتبرونهم قدوة لهم كأساتذتهم، وترى المحكمة ان الكلية التي يدرس بها المستانف ضده والجامعة مسؤولان ـ عن هذه الكتب لان هذه المؤسسات العلمية عندها من الوسائل وتستطيع ان تضع من التنظيمات ما يكفل منع هذه المؤلفات التي تحاول هدم اصول العقيدة الإسلامية وما هي بمستطيعة، ولكنها تشوش عقول الشباب في اصول عقيدتهم وقد تدفع بعضهم إلى المروق عن الدين، وهذا افساد للمجتمع وللشباب وللجامعة، والدين الاسلامي كما هو شامخ ثابت كما انزل الله سبحانه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. لقد تعرض لكثير من هذه الفقاقيع من دسائس ابن سبأ ومرورا بزنادقة العصر العباسي وغيره من العصور. والاسلام في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الدول الإسلامية وفي قلوب المؤمنين باق مستمر، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، ولو كره المنافقون، وما اتاه المستانف ضده ليس خروجا على كتاب الله تعالى وكفرا به فحسب ولكنه ايضا خروج على دستور جمهورية مصر العربية في مواده الثابتة والتي تنص على ان الاسلام دين الدولة، فالدولة ليست علمانية ولا ملحدة ولا نصرانية، الدولة مسلمة دينها الاسلام، واذا كان دين الدولة الاسلام فان الاعتداء على اصوله ومقدساته اعتداء على الدول في كيانها الذي تقوم عليه وعقيدتها التي تدين بها، وايضا خروج على المادة التاسعة من الدستور فيما نصت عليه من ان الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين، وخروج على المادة 47 من الدستور نفسه التي تجعل حرية الراي مكفولة ولكل انسان التعبير عن رايه في حدود القانون، وهو لم يلتزم حدود القانون فيما كتبه لخروجه على قانون العقوبات في هذا الشان اما ما دفع به المستانف ضده من ان ما أتاه في حدود البحث العلمي والاجتهاد الفقهي فهذا دفع ظاهر الفساد، فان من المعلوم لكل باحث ولو كان مبتدئا ان للبحث العلمي اصوله وللاجتهاد الفقهي قواعده وشروطه، فان انسلخ الباحث عن اصول العلم الذي يبحث فيه واذا حاول هدم القواعد والشروط واذا خرج عن التزامات البحث العلمي الحقة فلا يسمى ما كتبه بحثا، ولا ما سطره اجتهادا، وبالنسبة للمستأنف ضده فانه يبحث في علوم القران في مفهوم النص، ومفهوم النص بالمعنى اللغوي ـ لانه لفظ باللغة العربية يرجع في تحديده للغة العربية وهو اصطلاح يرجع في تحديده لاهل العلم من العلماء في علوم القران واصول الفقه، ففي اللغة العربية من مادة : فهم، والفهم : هيئة للانسان بها يتحقق ما يحس، فاذا انتقلنا إلى المعني الاصطلاحي نجد ان بعضهم يحدده بانه التنبيه بالمنطوق على المسكوت عنه. أي ان حكم النص قائم وهناك حكم اخر يؤخذ من هذا المنطوق يفهم منه، ومنه مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة ( راجع : الاحكام للاميديى2/328 المعتمد في اصول الفقه1/152- 153) اما هدم النص والدعوى الى التحرر من سيطرته وانشاء مفاهيم عقلية لا يحدها نص ولا تلتزم بلغة فهذا ليس من صور البحث العلمي وخصوصا في مسائل العقيدة وعلوم القران. والاجتهاد لغة من بذل الجهد في طلب الشيء المرغوب ادراكه حيث يوجب وجوده أو يوقن وجوده فيه واصطلاحا : استنفاذ الطاقة في طلب حكم النازلة حيث يوجد ذلك الحكم، ومصادر الحكم الشرعي هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم اما نصا واما اجتهادا فيهما، فاذا خرج المستانف ضده عليهما وكذبهما وردهما فلا يكون هذا اجتهادا وهذا شانه في مؤلفاته التي اطلعت عليها المحكمة على نحو ما فعلت.

ولما كان ذلك وكان من المقرر وفق مذهب الحنفية انه إذا ارتد الزوجين، فان كانت الردة من المراة كانت فرقة بغير طلاق بالانفاق في المذهب، وان كانت الردة من الرجل فعند ابي حنيفة وابي يوسف وقعت الفرقة بغير طلاق ـ وهو الراجع بينما قال محمد : هي فرقة بطلاق لهما، ان الردة منافية للعصمة موجبة للعقوبة، والمنافي لا يحتمل التراخي فتبدل القطاع.

( الهدية وفتح القدير 3/28/421) واذا تاب المرتد فانه يثبت عليه بعض الاحكام كحبوط العمل وبطلان الوقف وبينونة الزوجة فلا بد من عقد ومهر جديدين، ان ثبتت التوبة وأراد ان يعود إلى بائنته. لما كان ما تقدم فانه يتعين القضاء بالتفريق بين المستانف ضده الأول وزوجته المستانف ضدها الثانية لردته وهي مسلمة. والمحكمة تهيب بالمستانف ضده ان يتوب إلى الله سبحانه وان يعود إلى دين الاسلام الحق الذي جعله الله نور للناس وصراطا مستقيما ليفوز به الانسان سعادة الدنيا والاخرة بالشهادة والايمان بما اوجب الله سبحانه والايمان به والتبرؤ من كل الكتابات التي كتبها بما فيها من كفر وتكذيب لايات الله تعالى ورد لاحكامه سبحانه وليكن في اخر من كانوا قد سلكوا مسلكه ثم تابوا إلى الله سبحانه قدره له في ذلك.

وليسمع قول الحق تبارك وتعالى { قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له من قبل ان ياتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان ياتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون} ( سورة الزمر الايات 53-55)

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وبالغاء الحكم المستانف ورفض الدفوع المبداة من المستانف ضدهما بعدم الاختصاص الولائي وبعدم انعقاد الخصومة وبعدم قبول الدعوى، ولرفعها من غير ذي صفة، وباختصاص المحكمة ولائيا بقبول الدعوى في الموضوع بالتفريق بين المستانف ضده الأول والمستانف ضدها الثانية والزامهما بالمصاريف عن الدرجتين وعشرين جنيها مقابل اتعاب المحاماة.

صدر هذا الحكم وتلي علنا بجلسة يوم الاربعاء الموافق السادس عشر من المحرم لسنة 1416 هجرية الموافق 14 من يونيو سنة1995 ميلادية.

 

رجل قانون:

قراءة التعليقات (1)

  • السلام عليكم
    حكم فريد من نوعه ، نتمنى في القريب العاجل أن تصبح محاكمنا في المغرب تصدر مثل هاته الأحكام

مواضيع متعلقة