التلقيح الصناعي بين الحل والحرمة من وجهة نظر الفقه الإسلامي
بحث التلقيح الصناعي بين الحل والحرمة
من وجهة نظر الفقه الإسلامي
يدور الآن نقاش حاد في العالم الغربي حول الجواب عن السؤال التالي :
إذا كان الزوج عقيماً لا يولد له ، وأتفق مع زوجته على أن تلقح تلقيحاً صناعياً بنطفة رجل أجنبي دون مقاربة ، فهل يجوز ذلك ؟
وقد أثيرت هذه المشكلة بمجلس العموم البريطاني وأحيلت إلى لجنة مختصة لبحثها ،
وفي ايطاليا أصدر البابا أمراً بالتحريم ،
وفي فرنسا قال الأطباء : أنه جائز إذا كان بموافقة الزوجين ،
وفي النمسا تعترف الدولة بالمولود كطفل شرعي للزوجين الا إذا أعترض الزوج قانونياً على ذلك.
ولم يتعرض فقهاء الإسلام لهذه المسألة فيما أظن ، لأنها موضوع حديث ، ولكن نقل علماء الإمامية في باب الحدود : ان الحسن بن علي (ع) سئل عن امرأة قاربها زوجها ، ولما قام عنها وقعت على بكر فساحقتها ، وألقت فيها النطفة ، فحملت البكر ، فقال : يؤخذ من الكبيرة مهر البكر ، لأن الولد لا يخرج حتى تذهب عُذرتها ، ثم ترجم الكبيرة ، لانها محصنة ، وينتظر بالصغيرة حتى تضع ما في بطنها ، ويُرد إلى أبيه صاحب النطفة ، ثم تجلد أم الولد(1) .
ويُستفاد من هذا أربعة أحكام :
1 – رجم الكبيرة .
2 – تغريمها مهر الصغيرة عوضاً عن البكارة.
3 – جلد الصغيرة .
44 – إلحاق الحمل بصاحب الماء.
وقد أختلف فقهاء الإمامية في العمل بهذا الحديث ، فمنهم من عمل بفقراته كلها وهم الشيخ الطوسي وأتباعه ، ومنهم من أخذ بالفقرات الثلاث الأخيرة دون الأولى ، وهو صاحب كتاب الشرائع ، حيث أوجب الجلد على الكبيرة دون الرجم(2) ، ورد ابن إدريس الحديث بجميع فقراته معترضاً على رجم الكبيرة بأن حد السحاق هو الجلد دون الرجم ، وأعترض على إلحاق الولد بصاحب الماء بأنه لم يولد على فراشه لا زواجاً ولا شبهة ، وأعترض ابن إدريس أيضاً على تغريم الكبيرة المهر بأن البكر مختارة غير مكرهة ، والمساحقة مع الرضا كالزنا لا توجب مهراً ، هذا ما وجدته في كتب الفقه مما يشبه المسألة من قريب أو بعيد ، ومهما يكن فان لدينا مسألتين ، الأولى لو حصل التلقيح والحمل فما هو حكم الولد ، وبمن يُلحق ؟
التلقيح الصناعي محرم :
أما المسألة الأولى فليس من شك في تحريم التلقيح ، والدليل على ذلك ،
أولاً : اننا علمنا من طريقة الشرع ، وتحذيره وتشديده في أمر الفروج : انها لا تستباح إلا بإذن شرعي ، فمجرد احتمال التحريم كافٍ في وجوب الكف والأحتياط .
ثانياً : الآية (31) من سورة النور : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } أمر الله سبحانه وتعالى بحفظ العضو التناسلي من المرأة ، ولم يذكر متعلق الحفظ ، ولم يخصه بالمقاربة أو بأي شيء آخر ، وقد أتفق الأصوليون وعلماء العربية على ان حذف المتعلق يدل على العموم ، كما ان ذكره يدل على التخصيص – مثلاً – إذا قيل أحفظ مالك من السارق ، دل على وجوب التحفظ وصيانة المال من السرقة فحسب ، أما إذا قيل أحفظ مالك ، ولم يذكر المتعلق فيدل على حفظه من السرقة والإسراف والتلف وغير ذلك ، وعلى هذا تدل الآية الكريمة على حفظ العضو من كل شيء حتى التلقيح ، وتعزز هذه الآية بالآيات (5 – 7) من (سورة المؤمنون) : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(3) فقوله تعالى : {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} يدل على أن أي عمل يتنافى مع حفظ العضو فهو اعتداء وتجاوز عن الحدود المشروعة إلا إذا كان بطريق الزواج أو ملك اليمين ، أما اختصاص لفظ الآية بالرجال فلا يمنع من الاستدلال على ما نحن فيه ، لمكان الإجماع على عدم الفرق بين الرجال والنساء في مثل هذه الأحكام .
ورب قائل يقول : ان آية (يحفظن فروجهن) لا تدل على تحريم التلقيح ، وانما تدل على المنع من المقاربة والمباشرة ، وهذا هو المعنى المرتكز في الأذهان والمتبادر من اللفظ ، وبكلمة : يحفظن فروجهن تدل بحسب الوضع على المعنى العام الشامل للتلقيح وغيره ، ولكن الظاهر من اللفظ هو خصوص الزنا ، وبديهة ان المعول لاستخراج الأحكام الشرعية على الظاهر من اللفظ ، لا على المعنى الموضوع له اللفظ .
والجواب : ان هذا الظهور طارئ وليس بأصيل ، حيث نشأ من أغلبية المباشرة وكثرتها ، فهو أشبه بانصراف لفظ الماء في بغداد إلى ماء دجلة ، وفي القاهرة إلى ماء النيل ، وهذا الظهور لا أثر له أبداً ، لأنه يزول بأدنى أنتباه ، وليس لأحد أن يدعي أن لفظ الماء في بغداد موضوع لماء دجلة فقط ، وفي القاهرة لماء النيل فقط ، هذا ولو جاز التلقيح الصناعي لجاز لحس الكلاب … لأن كلاً منهما بعيدٌ عن الأذهان.
حكم الحمل :
لو حصل من هذا التلقيح المحرم حمل فهل هو ولد شرعي ؟ وبمن يلحق ؟
والجواب: أما بالنسبة إلى الزوج فلا يُلحق به بحال ، لأنه لم يتولد من مائه ، والتبني في الإسلام غير جائز {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب : 4] وأما بالنسبة إلى المرأة الحامل فيلحق بها عند بعض المذاهب الإسلامية ، لأن ولد الزنا يرث أمه وأقاربه من جهتها ، وهؤلاء يرثونه(4) ، واذا كان ابن الزنا يُلحق بأمه فابن التلقيح بطريق أولى.
أما الإمامية فينفون ولد الزنا عن الزانية والزاني ، ويقولون : لا توارث بينه وبين أمه ، ولا بينه وبين أبيه. وفرق آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم بين ابن الزنا وبين ابن التلقيح ، حيث قال ما نصه بالحرف الواحد : (ابن التلقيح يُلحق بأمه ، لأنه ولد حقيقة ، ولا دليل على نفيه وما دل على نفيه عن الزانية لا يشمل المقام).
أما بالنسبة إلى صاحب النطفة ، فقال السيد الحكيم : ان الحمل لا يُلحق به ، لأن إلحاق الحمل بالرجل يتوقف على أن يباشر بنفسه عملية الجنس ، سواء أقدر عليها أم عجز عنها ، ولكن سبق منه الماء إلى العضو التناسلي اثناء المحاولة أو انتقل ماء الرجل إلى عضو المرأة بواسطة المساحقة ، كما جاء في الرواية المتقدمة عن الإمام الحسن (ع) : (ولا يُلحق الولد في غير ذلك بصاحب النطفة وان كان زوجاً)(5).
وعلى أية حال فإن التلقيح الصناعي حرام ، لا يجرأ على القول بحليته مسلم ، ولكن التحريم لا يستلزم أن يكون الحمل بسببه ولد زنا ، فقد تحرم المقاربة ، ومع ذلك يكون الولد شرعياً ، كمن قارب زوجته وهي في الحيض أو في صوم رمضان ، فأنه يفعل محرماً ، ولكنها لو حملت يثبت النسب بين الحمل وبين الأبوين ، وعلى هذا لو أرتكب هذا التلقيح المحرم إنسان ، وحصل الحمل فلا يُنسب الولد إلى الزوج ، لأنه لم يتولد من مائه ، ولا إلى صاحب النطفة ، لأنه لم يباشر عملية الجنس بنفسه لا زواجاً ولا شبهة ، ولكنه يُنسب إلى الحامل ، لأنه ولدها حقيقة ، فيكون ولدها شرعاً ، وكل ولد حقيقي فهو ولد شرعي حتى يثبت العكس(6).
الكاتب : وليد الشبيبي
الهوامش
_____________________________
(1) كتاب الجواهر ، وكتاب المسالك ، باب الحدود.
(2) قال أكثر فقهاء الإمامية – كما في الجواهر – ان الحد في السحق مائة جلدة ، للمتزوجة وغيرها ، وللفاعلة والمفعولة ، وفي كتاب المغني لابن قدامة ج 8 ص 189 الطبعة الثالثة : لا حد في السحق ، لأنه ليس بإيلاج ، وعليهما التعزير.
(3) يلاحظ ان هذه الآيات القرآنية الكريمة مكررة في القرآن الكريم في سورة (المعارج) كالآتي : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [المعارج : 29 – 31] المعد والمنضد المحامي وليد محمد الشبيبي.
(4) كتاب الميراث في الشريعة الإسلامية ، للأستاذ علي حسب الله ص 94 الطبعة الثانية ، وابن عابدين وابن قدامة في كتاب المغني ، باب الميراث ، فصل العصبات.
(5) من كتاب لسيادة الحكيم مؤرخ في 7 رمضان سنة 1377 هـ جواباً على سؤال يتعلق بالموضوع.
(6) المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية ، الفقه على المذاهب الخمسة ، الجعفري – الحنفي – المالكي – الشافعي – الحنبلي ، الطبعة الرابعة ، طهران: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر – 1998 الصفحات بين (372 – 376).
One Reply to “التلقيح الصناعي بين الحل والحرمة من وجهة نظر الفقه الإسلامي”
تناقض بين نص الرواية وحكم الفقيه