X

إشكالية تذييل عقد الطلاق الاتفاقي المبرم أمام ضابط الحالة المدنية الإيطالي


د. مصطفى زروقي، قاضي الاتصال لدى سفارة المملكة المغربية بروما

تقديم:

ترد على مصلحة التوثيق لدى سفارة المملكة المغربية بروما مجموعة من الإشكاليات ذات الصلة بقضايا الزواج والطلاق وهي إشكاليات مرتبطة في أساسها بمسألة تنازع القوانين عموما وتنازع مقتضيات مدونة الأسرة المغربية وقانون الأسرة الإيطالي على وجه الخصوص. ولعل من أبرز ما يثار بهذا الشأن، مدى القيمة القانونية للطلاق الاتفاقي المدني، المبرم أمام ضابط الحالة المدنية وحجيته أمام قاضي الأسرة المغربي كما لو أدلي بذلك الطلاق الأجنبي مثلا من أجل استصدار الإذن بالزواج أو أدلي به كذلك أمام قضاء الموضوع الأسري عموما في إحدى الدعاوى التي يحتاج في إثبات فصولها إلى الاستناد إلى رسم الطلاق.

 ولا شك أنه في غالب تلك الحالات التي يحتاج فيها إلى الاستدلال بعقد الطلاق الاتفاقي الواقع بالديار الإيطالية، يضطر طرفاه أو أحدهما إلى تقديم دعوى من أجل تذييله بالصيغة التنفيذية تطبيقا لمقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة والفصول 430، 431 و432 من قانون المسطرة المدنية.

وسعيا من المملكة لتذليل الصعاب التي قد تنجم عن تنازع القوانين بين تشريعها الداخلي وتشريعات بلدان أخرى لاسيما تلك التي تحتضن أفراد الجالية المغربية، فقد عملت منذ الاستقلال على إبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف للتعاون القضائي كما هو الحال مثلا بالنسبة للاتفاقية المبرمة مع الجمهورية الإيطالية(اتفاقية التعاون القضائي المتبادل، المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية الإيطالية بروما بتاريخ 12/02/1971 الصادر بشأنها الظهير الشريف رقم 1.75.242 بتاريخ 12/04/1976 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3317 بتاريخ 26/05/1976، ص. 1783 والمعدلة بالاتفاق الإضافي الموقع بالرباط في فاتح أبريل 2014 والذي تمت الموافقة عليه بموجب القانون رقم 66.14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.99 بتاريخ 04 أغسطس 2015، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6387 بتاريخ 17/08/2015، ص. 7072)، والتي أفردت ضمن الجزء الثالث منها فصولا بذاتها لمسألة التنفيذ فوق تراب الدولة الأخرى، بالنسبة للأحكام الصادرةفي القضايا المدنية والتجارية وكذا بالنسبة للعقود التوثيقية.

وباستقراء المقتضيات القانونية ذات الصلة، وانطلاقا من مفهوم السيادة القضائية لكل دولة، يمكن القول إن تذييل الحكم الأجنبي(أو العقد الأجنبي)، يقصد به تلك المسطرة القضائية التي تخول السند المذكور قوة النفاذ فوق التراب الوطني المغربي، باستصدار حكم قضائي بمنحه الصيغة التنفيذية كما لو كان صادرا ابتداء عن المحاكم المغربية(أو كان العقد مبرما من طرف موظف عمومي مغربي) بعد مراقبة استيفائه للشروط الشكلية والموضوعية التي تضمنتها المادة والفصول المذكورة وكذا الاتفاقيات الدولية المنظمة للمسألة.

واستنادا لإفادة بعض مرتفقي المصالح القنصلية المغربية بالديار الإيطالية، فإن الطلبات الرامية إلى التذييل بالصيغة التنفيذية طبقا للمقتضيات القانونية المذكورة، غالبا ما يكون مآلها الرفض مما يؤدي إلى خلق وضعيات قانونية أبعد ما تكون إلى مقولة الأمن القضائي، فتبقى المرأة مثلا كالمعلقة لأنها مطلقة حسب القانون الإيطالي بمقتضى عقد الطلاق الاتفاقي المذكور، لكنها متزوجة من منظور القانون المغربي بحكم قضائه الصادر برفض طلب تذييل ذلك العقد.

لعل من المفيد إذن مقاربة هذه الإشكالية، كمحاولة لرفع بعضالعنت الذي قد تفرزه هكذا حالة من التنازع بين القانون الداخلي والقانون الأجنبي مع ما ينجم عن ذلك من عراقيل إدارية بالنسبة لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وهو أمر جاءت مدونة الأسرة حتما لتجاوزه، لاسيما وأنها غدت قريبة من سن الرشد أو الترشيد مع ما صاحب مدة نشأتها هذه من اجتهاد استند إلى مقصد التيسير، عملا بالحديث الشريف ” يسروا ولا تعسروا” الذي تبنته المدونة نفسها في ديباجتها.

ولتحقيق ما ذكر، سوف نحاول بداية تحديد الإطار القانوني المنظم للطلاق المبرم أمام ضابط الحالة المدنية الإيطالي (أولا) ثم مناقشة حيثيات حكم ابتدائي نعتقد أنه يعكس موقف العمل القضائي الأسري ببعض محاكم المملكة إزاء مسألة تذييله بالصيغة التنفيذية(ثانيا).

أولا، الإطار القانوني المنظم للطلاق المبرم أمام ضابط الحالة المدنية الإيطالي

إن الإطار القانوني المذكور يجد أساسه في مقتضيات القانون رقم 132 الصادر بتاريخ 12/09/2014 (المنشور بالجريدة الرسمية عدد 212 بتاريخ 12/09/2014)والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 13/09/2014، وتضمن تدابير مستعجلة من أجل نزع الطابع القضائي (degiurisdizionalizzazione) عن بعض المساطر في المادة المدنية كما نص في فصله الثالث على المقتضيات التي تم سنها بهدف تبسيط المساطر)(Disposizioni per la semplificazione dei procedimentiفي الدعاوى المتعلقة بالانفصال الجسماني أو بإنهاء العلاقة الزوجية.

وفي هذا الإطار، نص الفصل 12 من القانون المذكور على أنه:

 » يمكن للزوجين أن يبرما أمام رئيس البلدية(il sindaco)؛باعتباره ضابطا للحالة المدنية طبقا للفصل الأول من المرسوم الرئاسي عدد 396الصادر بتاريخ 3/11/2000،بالجماعة التي يوجد بها مسكنأحدهما، أو أمام الجماعة المقيد بسجلاتها عقد زواجهما، وذلك بصفة شخصية أو بواسطة محام، اتفاقا للانفصال الجسماني أو لإنهاءالآثار المدنية لعقد الزواج، أو لتعديل شروط الانفصال الجسماني، أو لإنهاء العلاقة الزوجية.

لا تسري مقتضيات هذا الفصل في حالة وجود أبناء قاصرين، أو في حالة وجود أبناء راشدين سنالكن فاقدي الأهلية لسبب من الأسباب أو مصابين بإعاقة حادة، أو عاجزين عن تحقيق اكتفائهم الذاتي من الناحية الاقتصادية.

(economicamente non autosufficienti)

يقوم ضابط الحالة المدنية شخصيا بتلقي التصريح الصادر عن كل واحد من الزوجين الذي يعلن بموجبه عن رغبته في الانفصال الجسماني أو في إنهاء الآثار المدنية للزواج أو في إنهاء الزواج وفق شروط محددة.

لا يمكن لهذا العقد أن يتضمن اتفاقا على نقل الملكية.

بعد تضمين جميع البنودالمنظمة للاتفاق، يذيلالعقد بتوقيع الزوجين.

يقوم عقد الاتفاق هذا مقام الإجراءات القضائية التي تنظم المساطر المتعلقة بالانفصال الجسماني، أو بإنهاء آثار عقد الزواج، أو بإنهاء الزواج أو بتعديل شروط الانفصال الجسماني.

في حالات الانفصال الجسماني، أو إنهاء الآثار المدنية للزواج أو فسخ الزواج وفقاً للشروط المتفق عليها، يقوم ضابط الحالة المدنية،بعد تلقي تصريحات الزوجين، بدعوتهما للحضور أمامه للمرة الثانية داخل أجل ثلاثين يومًا من تاريخ استلام تأكيد الاتفاق.

 يعتبر عدم الحضور أمام الضابط المذكور بمثابة تراجععن الاتفاق. « 

واستنادا إلى هذه المقتضيات، يمكن استخلاص ملاحظات تتعلقبماهية الشروط التي يتعين توافرها لتفعيل هذه المسطرة الإدارية وأخرى تهم شكليات المسطرة ذاتها.

فبالنسبة للشروط، نجد أن المشرع الإيطالي قيد إمكانية لجوء الزوجين إلى مسطرة الطلاق الاتفاقي الإداري أمام ضابط الحالة المدنية بتوافر شرطين اثنين:

  1. عدم وجود أبناء قاصرين، أو أبناء راشدين سنا لكن فاقدي الأهلية لسبب من الأسباب أو مصابين بإعاقة حادة، أو عاجزين عن تحقيق اكتفائهم الذاتي من الناحية الاقتصادية؛
  2. وألا يتضمن عقد الطلاق اتفاقا على نقل الملكية.

أما بالنسبة للمسطرة الواجب اتباعها، فقد أوجب الفصل المذكور الحضور الشخصي للزوجين وجعل الاستعانة بمحام أمرا اختياريا كما ألزم ضابط الحالة المدنية الاستماع للزوجين على مرحلتين (جلستين) يفصل بينهما أجل ثلاثين يوما، مع ضرورة تحرير العقد كتابة خلال الحضور الأول وضرورة تذييله بتوقيع الزوجين كما نص صراحة على الجزاء المترتب عن تخلف هذين الأخيرين(أو أحدهما) عن الحضور أمامه للمرة الثانية، معتبرا غيابهما(أو غياب أحدهما) بمثابة تراجع عن الطلب.

من خلال ما ذكر، يمكن الاستنتاج بأن تبسيط الإجراءات المسطرية رهين بعدم وجود عناصر قد تعطي النزاع طابعا أكثر تعقيدا كما هو الشأن بالنسبة لحالة وجود الأطفال، إذ أن المصلحة الفضلى لهؤلاء تستوجب مراجعة القضاء لأنه يبقى المؤهل قانونا لحماية تلك المصلحة بإعمال القواعد القانونية ذات الصلة بالنفقة والحضانة مثلا مع ما يستتبع ذلك من إجراء البحوث بما فيها الاجتماعية والاستماع للطفل للأخذ برأيه عند الاقتضاء.

من جهة أخرى، يتعين الوقوف على مقتضى غاية في الأهمية تضمنه الفصل 12 أعلاه حينما نص المشرع على أن عقد الاتفاق المنجز أمام ضابط الحالة المدنية، يقوم مقام الإجراءات القضائية التي تنظم المساطر المتعلقة بالانفصال الجسماني، أو بإنهاء آثار عقد الزواج، أو بإنهاء الزواج أو بتعديل شروط الانفصال الجسماني، وهي إحالة ضمنيا على مقتضيات قانون المسطرة المدنية الإيطالي لاسيما الفصل711منها الذي نظم الطلاق الاتفاقي والذي أحال بدوره على الفصل 158 من القانون المدني ومعلوم أن تلكالمقتضيات تنظم الإجراءات المسطرية التي يتعين على القاضي الأسري اتباعها قبل إصدار الحكم بإنهاء العلاقة الزوجية بما في ذلك إجراء محاولة الصلح بين الزوجين.

وتفعيلا لمبدأ تبسيط الإجراءات الذي تبناه المشرع الإيطالي انسجاما مع فلسفة الحد من الطابع القضائي للمساطر المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية حينما يكون اتفاق الزوجين قائما، تجدر الإشارة – من الناحية العملية – أنمكاتب الحالة المدنية لدى البلديات الإيطالية، تضع رهن إشارة المرتفقين نماذجالطلبات من صفحتين، تتضمن في طليعتهاالعنوان التالي:

تصريحات من أجل مباشرة مسطرة الاتفاق الرضائي

Dichiarazioni per avvio procedimento di accordo consensuale per:

وتحت العنوان المذكور توجد خانات أربع، يؤشر الطالب على تلك التي توافق المسطرة التي يرغب في سلوكها، وهي الخانات التي تقابل الحالات التالية:

  • الانفصال الجسمانيSeparazione personale؛
  • نهاء الآثار المدنية للزواج الدينيCessazione effetti civili del matrimonio religioso؛
  • إنهاء العلاقة الزوجيةScioglimento del matrimonio؛
  • وأخيرا، تعديل الشروط المتعلقة بالانفصال الجسماني أو بالطلاق.

Modifica condizioniseparazione/divorzio.

ثانيا، في موقف بعض العمل القضائي من تذييل عقد الطلاق المدني الاتفاقي الإيطالي

بعدما تناولنا بإيجاز بعض الأحكام القانونية الناظمة لعقد الطلاق المدني الاتفاقي الإيطالي، يجدر بنا أن نقف بالتحليل على بعض ما وقفنا عليه من عمل قضائي في مسألة تذييل العقد المذكور.

ولنأخذ مثلا الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ: 02/02/2017 والقاضي برفض الطلب بعلة أن:” دعاوى التطليق لا يبت فيها إلا بعد القيام بمحاولة الإصلاح تطبيقا للمادة 113 من مدونة الأسرة؛

وأنه” يجب على المحكمة التي يقدم إليها طلب التذييل أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي؛

وأنه طالما أن الوثيقة أعلاه صدرت عن جهة غير قضائية ولا يرد بها ما إذا تم سلوك مسطرة الصلح من عدمه، فإنها تكون حتما مخالفة للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 113 من مدونة الأسرة المشار إليها أعلاه، والتي تدخل في زمرة النظام العام المغربي، الأمر الذي لم تجد معه المحكمة بدا من القول برفض الطلب”.

إن مطالعة حيثيات الحكم المذكور، توحي في ظاهرها بأن مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية قاصر فقط على الأحكام القضائية دون العقود التي يحررها الضباط والموظفون العموميون المعهود إليهم بذلك الاختصاص طبقا لقانون بلدانهم، بمعنى أن الإطار القانوني لمراقبة دعوى التذييل في النازلة التي فصل فيها الحكم المذكور هو الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية والحال أن هناك فصلا آخر جاء صريحا في إمكانية شمول مسطرة التذييل لمجال العقود كذلك ألا وهو الفصل 432 من نفس القانون والذي نص صراحة على أن العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، تكون أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصلين 430 و431.

ثم إنه لئن كانت مقتضيات المسطرة المدنية تشكل القواعد العامة التي يرجع إليها للفصل في مدى الاستجابة لطلب التذييل من عدمها، فإنه لا يخفى أن من بين أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة علاقة بالقانون الدولي الخاص، هي تكريس قواعد قانونية صريحة تنظم مسألة التذييل بالصيغة التنفيذية في مادة القضاء الأسري سواء بالنسبة للأحكام القضائية الأجنبية أو بالنسبة للعقود التي يحررها الموظفون العموميون الأجانب، فقد نصت المادة 128 من المدونة على أن” المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية.

 الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة، لإنهاء العلاقة الزوجية، وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية، طبقا لأحكام المواد 430 و431 و432 من قانون المسطرة المدنية”.

ولعل هذا التكريس التشريعي جاء ليقطع مع توجه كان المجلس الأعلى(سابقا) قد تبناه إزاء الحكم الأجنبي القاضي بالتطليق حينما أكد مثلا على أنه ” يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب بقصد تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية أن تتحقق من عدم مساس محتواه بالنظام العام المغربي، والحال أن موضوع الفصل في الطلاق أوجب المشرع الاشهاد به أمام عدلين لا أن يقضي به قاض أجنبي غير مسلم ويكون القرار خارقا لمقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية إذا لم يتحقق من اختصاص الحكم الأجنبي للفصل في الدعوى[2]“.

إن استناد الحكم موضوع المناقشة إلى علة” أن الوثيقة(أي عقد الطلاق الاتفاقي الإيطالي) أعلاه صدرت عن جهة غير قضائية”، يعيد إلى الأذهان وجها من وجوه الريبة التي كانت تسم موقف القضاء الأوروبي إزاء الرسوم العدلية المنجزة بالمغرب في مادة الطلاق بعلة أنها رسوم صادرة عن جهة غير قضائية وتنتفي فيها المسطرة التواجهية واحترام حقوق الدفاع عموما وحقوق المرأة المطلقة على وجه الخصوص، وهو موقف كان وراء التعديلات التي أدخلها المشرع المغربي بتاريخ 10/09/1993على مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في بعدها المسطري المتمثل في ضرورة استصدار العدلين للإذن القبلي عنالقاضي المكلف بالتوثيق قبل توثيق العقود المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية بما في ذلك عقود الطلاق الخلعي، وذلك بهدف إضفاء الصبغة القضائية على تلك العقود العدلية مع ما يتضمنه ذلك من حرص على احترام حقوق الدفاع المتمثل في ضرورة استدعاء المطلقة لحضور مجلس الصلح وكذا لحضور مجلس العقد.  

إن مراقبة الاختصاص، لا ينبغي أن تتم بالإحالة على قانون القاضي الذي ينظر في دعوى التذييل أو ما يصطلح عليه في أدبيات القانون الدولي الخاص بمفهوم:La lex fori، لمعرفة ما إذا كانت تلك المؤسسة القانونية التي يعالجها الحكم أو العقد الأجنبيان، لها نفس المقابل في تشريع القاضي؛ ماهية وإطارا، وإنما مراقبة مدى اختصاص تلك الجهة التي أصدرت الحكم أو أنجزت العقد بالإحالة على أحكامالقانون الأجنبي.ونحن في هذا الإطار، نميل إلى الأخذ بالرأي الفقهي الذي نعتبره وسطا والذي ” استقر على أن المقصود بالاختصاص القضائي يتحدد وفقا لقانون الدولة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه، لأنه من غير المقبول أن نطلب من القاضي الأجنبي عند إصداره للحكم أن يطبق قواعد اختصاص قضائي غير تلك التي نص عليها قانونه، ولا يعلم مقدما أي من الدول سوف تطلب تنفيذه الحكم الذي أصدره[3]”.

نفس الأمر يجب أن ينسحب كذلك على مسألة مراقبة صحة الحكم الأجنبي، بمعنى أن قاضي التذيل ملزم بالتحقق من صحة السند موضوع الطلب، بالرجوع إلى مقتضيات القانون الأجنبي الذي صدر في ظله ذلك السند لا مراقبة تلك الصحة من منظور قانون القاضي، ودليلنا في ذلك هو ما أشارت إليه صراحة مقتضيات الفصل 25 من اتفاقية التعاون القضائي المتبادل بين المملكة المغربية والجمهورية الإيطالية المشار إليها آنفا، لما أكدت أن” العقود الصحيحة ولا سيما العقود التوثيقية القابلة للتنفيذ في أحد البلدين يعلن عن قابلية تنفيذها في البلد الآخر من طرف السلطة المختصة وفقا لقانون البلد الذي يجب أن يتم فيه التنفيذ”.

كما شددت الفقرة الثانية من نفس الفصل على أن دور سلطة التذييل يقتصر فقط على” التحقق مما إذا كانت العقود تتوفر على الشروط اللازمة لصحتها في البلد الذي تم فيه التوصل بها، ومما إذا كانت المقتضيات المطلوب تنفيذها لا تتنافى مع الأمن العمومي[4] للبلد المطلوب فيه التنفيذ”.

ولاشك أنمراقبة الاختصاص هذه، هي التي تضفي على النزاعات المرتبطة بالقانون الدولي الخاص، تلك الأهمية في عمل القاضي الأسري والتي ربما تميزها عن باقي النزاعات في المادة الأسرية على الأقل من منطلق عدم معرفة القاضي بالقانون الأجنبي الذي يؤطر النازلة المعروضة عليه سواء حينما يطبق قاعدة الإسناد التي تقول بإمكانية تطبيق قانون البلد الذي يحمل المتقاضيان جنسيته، أو حينما يكون بصدد مراقبة الاختصاص وفق مقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي فإن عقد الطلاق الاتفاقي الإيطالي لا يعيبه كونه لم ينجز من طرف (أو أمام) جهة قضائية، إذا كان القانون الإيطالي يعطي الاختصاص لجهة أخرى، وتكون تلك الجهة قد تقيدت بباقي الشروط التي يوجبها القانون المذكور.

وعلاقة بمسألة معرفة القاضي وهو بصدد تطبيق (أو مراقبة الاختصاص في) القانون الأجنبي، يثور سؤال غاية في الأهمية حول ما إذا كان عبءإثبات ذلك القانون الأجنبي؛ من حيث وجوده وكذا من حيث مضمونه، يقع على عاتق القاضي نفسه أم على أطراف الدعوى المعروضة عليه. في هذا الإطار نجد مثلا أن محكمة النقض الفرنسية قد اعتبرت في قرار لها، أن عبء ذلك الإثبات يقع على عاتق الخصوم عموما وعلى عاتق المدعي على وجه الخصوص.[5]

وتكريسا للدور الإيجابي للقاضي المدني عموما وللقاضي الأسري على وجه الخصوص والذي لا يتنافى من حيث المبدأ مع واجب الحياد، فإنه ليس هناك ما يمنع من الناحية المسطرية قيام القاضي الذي ينظر في دعوى التذييل من تكليف الطرفين؛ طالبي تذييل عقد الطلاق الاتفاقي الأجنبي بالصيغة التنفيذية من الإدلاء بوثيقة مثبتة للقانون المنظم لتلك المسطرة حتى يكون على بينة من العناصر المساعدة على استجلاء طبيعة العقد الأجنبي وصحته واختصاص الجهة التي أنجزته. وهذه الوثيقة هي ما يصطلح عليه مثلا في القضاء المقارن بشهادة العرف والتي يمكن   تعريفها بكونها تلك الشهادة التيتتضمن المقتضيات القانونية للتشريع الأجنبي لدولة ما، المطبق على النازلة المعروضة على قضاء دولة أخرى، وقد نص التوجيه العام الصادر بتاريخ 11/05/1999، المتعلق بالحالة المدنية في القانون الفرنسي والمعروفاختصارا تحت مسمى (IGREC[6])أن تلك الشهادة تصدرها السلطات الأجنبية من وزارات وقنصليات كما ينجزها أيضا رجال القانون من أساتذة جامعيين ومحامين ومستشارين قانونيين لدى السفارات والقنصليات.

وتجدر الإشارة في هذا المقام، إلى العمل القضائي المحمود لبعض قضاة الأسرة الذين يسعون إلى تفادي إصدار الأحكام القاضية برفض الطلب أو بعدم قبوله وذلك بتكليف طالبي التذييل للإدلاء بشهادة قنصلية تتضمن المقتضيات القانونية التي تنظم عقد الطلاق الاتفاقي المنجز أمام ضابط الحالة المدنية الإيطالي.

وبالرجوع إلى باقي حيثيات الحكم موضوع المناقشة، نجده يستند فيما انتهى إليه إلى مخالفة العقد موضوع النازلة للنظام العام لعلة خلوه مما يفيد إجراء محاولة الصلح طبقا لما هو منصوص عليه بمقتضى المادة 113 من مدونة الأسرة، وهذا التعليل يستدعي في نظرنا الملاحظات التالية:

إن التأصيل القانوني للتعليل المعتمد، يجب أن يستند إلى مقتضيات المادة 114 من المدونة التي عالجت حالة الطلاق الاتفاقي ما دام الأمر يتعلق بعقد مدني اتفاقي بإنهاء العلاقة الزوجية، وليس استنادا إلى المادة 113 التي عالجت حلات التطليق المؤسسة على أحد الأسباب المنصوص عليها بمقتضى المادة 98 من نفس المدونة، ويقصد بذلك حالات إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج، الضرر، عدم الإنفاق، الغيبة، العيب وأخيرا الإيلاء والهجر.

ثم إن خلو العقد الأجنبي موضوع الطلب من الإشارة إلى إجراء محاولة الصلح، لا يجب بالضرورة أن يحمل على عدم إجراء تلك المحاولة من طرف الجهة التي أنجزته، إذ يكفي لقاضي التذييل أن يتأكد ابتداء – وكما أسلفنا – من مقتضيات القانون الأجنبي الذي ينظم عملية إنجاز ذلك العقد، للتحقق مما إذا كانت تلك المقتضيات تستوجب إجراء ضابط الحالة المدنية لمحاولة الصلح بين الزوجين المقدمين على التصريح أمامه باتفاقهما على إنهاء العلاقة الزوجية، والقول تبعا لذلك بإعمال الأصل الذي هو صحة العقود بمعنى أن مسطرة الصلح قد تم احترامها من طرف الضابط المذكور بالرغم من سكوت العقد عن الإشارة إليها، وهو أصل يجعل عبء الإثبات ينتقل على من يدعي خرق تلك المسطرة. وعلى سبيل القياس، فقد واجهت أقسام قضاء الأسرة حالات مماثلة منذ دخول المدونة حيز التنفيذعلاقة بطلبات تذييل عقود الزواج المدنية الأجنبية بالصيغة التنفيذية، وهي عقود كانت تخلو من الإشارة إلى ذكر الصداق، وبالتالي فإن القراءة السطحية للنصوص قد تفضي إلى اعتبار ذلك مخالفا للنظام العام على أساس أن المادة 14 من المدونة قرنت إمكانية إبرام عقود زواج المغاربة المقيمين في الخارج وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم بشروط، منها عدم التنصيص بتلك العقود على إسقاط الصداق، غير أن القضاء الأسرى تبنى قراءة مقاصدية وتعامل مع المسألة بمنطق التيسير فلم يعتبر الأمر اتفاقا على إسقاط الصداق، وإنما اعتبر ذلك النوع من العقود داخلا في حكم نكاح التفويض، وتبعا لذلك قضى بتذييلها بالصيغة التنفيذية رفعا لكل حرج ومشقة قد تواجه أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج.

نفس الموقف أيضا، اتخذه القضاء الأسري إزاء عقود الزواج الأجنبية الخالية من الإشارة إلى إسلام الشاهدين اللذين شهدا على واقعة الزواج أمام ضابط الحالة المدني الأجنبي، وذلك بالرغم من صريح المادة 14 سالفة الذكر التي قيدت إمكانية المغاربة المقيمين في الخارج، بأن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم، بشرط أن يكون قد حضر عقد الزواج شاهدان مسلمان، فضلا عن توافر باقي الشروط التي عددتها المادة المذكورة.

ومعلوم أن الطابع العلماني للأنظمة القانونية الغربية، يحول دون الإشارة إلى ديانة الشاهدين صلب عقد الزواج المدني، فهل يكفي التمسك بكون عدم الإشارة إلى إسلام الشاهدين للدفع بمخالفة العقد المذكور للنظام العام؟

لقد سبق للنيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في الدعاوى الأسرية، أن تقدمت بطعن بالنقض ضد قرار استئنافي بعلة أنه  خرق مقتضيات المادة 14 من مدونة الأسرة، مستندة في وسيلتها الفريدة إلى أن” أن عقد الزواج الأجنبي أبرم في جلسة عمومية بمقر العمودية بباريس بين المطلوبين في النقض بحضور شاهدين أجنبيين غير مسلمين وأن العقد خال من أية إشارة تبين بأنهما مسلمان خرقا للمادة المحتج بها”، فقضت محكمة النقض برفض الطلب بعلة أن” المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللت قراراها بأن النيابة العامة لم تدل بما يثبت كون الشاهدين موضوع عقد الزواج المراد تذييله بالصيغة التنفيذية غير مسلمين…يكون ما دفعت به لا يرتكز على أساس سليم ويتعين رده وتكون المحكمة قد أقامت قضاءها على أساس ولم تخرق المادة المحتج بها[7].

نعتقد إذن أن التحجج بمخالفة النظام العام لخلو العقد من الإشارة إلى إجراء محاولة الصلح بين الزوجين المتفقين على إنهاء العلاقة الزوجية بينهما، والقضاء تبعا لذلك برفض طلب تذييل ذلك العقد بالصيغة التنفيذية، من شأنه أن يفرغ مقتضيات المدونة من روحها لاسيما في جانبها المتعلق بالقانون الدولي الخاص، وبالتالي فحتى على فرض عدم إجراء محاولة الصلح، فإن ذلك  ليس موجبا للقول بمخالفة العقد للنظام العام المغربي ما دام قد جاء صحيحا طبقا لقانونه، علما أن المدونة نفسها لم تجعل مسطرة الصلح لازمة في جميع المساطر الرامية إلى إنهاء العلاقة الزوجية، واستثنت من ذلك – بغض النظر عن العلة – حالة التطليق للغيبة.

كما أن العمل القضائي دأب منذ دخول المدونة حيز التنفيذ، على إعفاء الزوجين المقيمين بالخارج، والراغبين في إنهاء علاقتهما الزوجية بالطلاق الاتفاقي من حضور جلسة الصلح بناء على طلبهما، انسجاما مع منشور وزارة العدل عدد 13 س 2 بتاريخ 13 ابريل 2004 الموجه إلى السادة قضاة التوثيق؛ الملحقين بسفارات المملكة المغربية بالخارج، والذي نبه هؤلاءإلى ضرورة توجيه أفراد الجالية المغربية إلى سلوك مسطرة الطلاق الاتفاقي لما يوفره من سهولة ويسر في الإجراءات وتحرير الاتفاق بإشهاد عدلي يتم التأكيد فيه على أنه لابد من سلوك المسطرة القضائية للإذن بتوثيق الطلاقمع إمكانية طلب الإعفاء من مسطرة الصلح والإشارة فيه إلى عنوان أقرب قنصلية لإمكانية انتدابها لإجراء محاولة الصلح بينهما إذا ارتأت المحكمة ذلك.

وختاما، بقي أن نشير كذلك إلى المنشور الصادر مؤخرا عن وزارة الداخلية بتاريخ 18/02/2019 في موضوع الطلاق الاتفاقي المبرم من طرف موثق وفق القانون الفرنسي والذي جاء فيه:”مع اعتماد الجمهورية الفرنسية نوعا جديدا من الطلاق الاتفاقي الذي يوقعه الزوجان بحضور دفاعهما، ثم يتم إيداعه لدى أحد الموثقين وذلك بناء على القانون الفرنسي رقم 2016-1547 الصادر بتاريخ 18/11/2016 والساري المفعول منذ 01/07/2017، توصلت المصالح المختصة بهذه الوزارة باستفسارات من المواطنين وضباط الحالة المدنية داخل المملكة وخارجها، حول مدى قابلية تذييل هذا النوع من الطلاق أمام المحكمة المغربية، ومدى قبول اعتماده من طرف ضباط الحالة المدنية من دون تذييله بالصيغة التنفيذية، على غرار ما تقرر بخصوص الطلاق الصادر عن المحاكم الأجنبية. وبهذا الخصوص، فقد أجمعت لجنة تتبع قضايا أفراد الجالية المغربية خلال اجتماعها المنعقد بتاريخ 12/06/2018، بعد دراسة هذا الإشكال من كل جوانبه، على إمكانية الأخذ بهذه الوثيقة وتضمين مراجعها بالحالة المدنية وترتيب آثارها دون حاجة لتذييلها بالصيغة التنفيذية طالما أنها غير مخالفة للنظام العام المغربي”.

وإذا كنا نوافق من حيث المبدأ على ما تضمنه المنشورالمشار إليه أعلاه الصادر عن وزارة الداخلية بشأن الطلاق الاتفاقي المودع لدى الموثق طبقا للقانون الفرنسي، اعتبارا لما قد يحققه من نجاعة في معالجة هذا النوع من القضايا، فإننا نرى أن الوقت قد حان – في خضم الدعوات التي تصدح بضرورة مراجعة بعض مواد المدونة- للتفكير في الاستعاضة عن بعض المناشير عبر التدخل تشريعيا،من خلال سن قواعد قانونية واضحة وملزمة دفعا لكل شبهة قد تفسر بمثابة نوع من المساس أو التدخل في استقلال السلطة القضائية.

انتهى بحمد الله


[2]– القرار عدد 90 الصادر بتاريخ 24/01/2001 في الملف الشرعي عدد:212/2/1/2000. انظر القرار على موقع:

http://www.juris.courdecassation.ma/

[3]– انظر بهذا الخصوص: عبدالرحمن الحجاجي، ”شروط تذييل الأحكام الأجنبية ـ انحلال العلاقة الزوجية نموذجا”، على موقع:

http://club-droit-marocain.blogspot.com/2017/02/blog-post_18.html

[4]– وما دمنا بصدد الحديث عن مسألة النظام العام، تجدر الإشارة إلى أنه على خلاف ما تبنته مدونة الأسرة في مادتها 128 وقانون المسطرة المدنية في الفصول سالفة الذكر بشأن مصطلح النظام العام، يلاحظ أن المصطلح الذي أخذت به اتفاقية التعاون القضائي المتبادل هو الأمن العمومي وفقا لما نص الفصل 25 سالف الذكر، علما أن صيغة الاتفاقية باللغة الإيطالية قد اعتمدت المصطلح الشائع في القانون الدولي الخاص لما استعملت عبارة: (L’ordine pubblico).

[5] – Arrêt Thinet et Dumez, Cour de cassation chambre civile 1 Audience publique du 24 janvier 1984, N° de pourvoi: 82-16767.

[6]– L’Instruction Générale Relative à l’Etat Civil

[7]– قرار عدد 510 الصادر بتاريخ 02/11/2010 في الملف الشرعي عدد 10/2/1/2009، مجلة قضاء محكمة النقض عدد:75، ص.90، الإصدار الرقمي.

رجل قانون:

قراءة التعليقات (1)

مواضيع متعلقة