الطعن رقم 747 صادر بتاريخ 31-12-2019
هيئة المحكمة:
برئاسة السيد القاضي/جمعه إبراهيم محمد راشد – رئيس الدائرة
وعضوية السادة القضاة: الحسن بن العربي فايدي و الطيب عبدالغفور عبدالوهاب
القواعد:
لما كان من المقرر في أحكام الشريعة الاسلامية الغراء عملاً بقوله سبحانه وتعالى عز من قائل جل وعلا في محكم التنزيل (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) صدقَ اللهُ العظيمْ،
كما أن من المقرر في قضاء المحكمة الاتحادية العليا وعملاً بنص المادة 117 وما بعدها من قانون الأحوال الشخصية أن لكل من الزوجين طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف بينهما ولا يسقط حق أي منهما في ذلك، ما لم يثبت تصالحهما. وتتولى لجنة التوجيه الأسري وفقًا لهذا القانون الإصلاح بين الزوجين، فإن عجزت عنه عرض القاضي الصلح عليهما، فإن تعذر وثبت الضرر حكم بالتطليق، وإذا لم يثبت الضرر ترفض الدعوى، وإن استمر الشقاق بين الزوجين، وتعذر على لجنة التوجيه الأسري والقاضي بالإصلاح بينهما، عين القاضي بحكم حكمين من أهليهما إن أمكن، وإلا فيمن يتوسم فيه الخبرة والقدرة على الإصلاح، وعلى المحكمة تحليف كل من الحكمين اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانة. وعلى الحكمين تقصي أسباب الشقاق وبذل الجهد للإصلاح بين الزوجين، ولا يؤثر في سير عمل الحكمين، امتناع أحد الزوجين عن حضور جلسة التحكيم متى تم إعلانه بالجلسة المحددة، أو الجلسات اللاحقة، إن حصل انقطاع بينهما.
وإذا عجز الحكمان عن الإصلاح وكانت الإساءة كلها من جانب الزوج، والزوجة هي طالبة التفريق، أو كان كل منهما طالبًا، قرر الحكمان التفريق بطلقة بائنة دون مساس بشيء من حقوق الزوجية المترتبة على الزواج والطلاق.
إذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة قررا التفريق نظير بدل مناسب يقدرانه تدفعه الزوجة.
إذا كانت الإساءة مشتركة قررا التفريق دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة وإن جهل الحال فلم يعرف المسيء منهما، فإن كان الزوج هو الطالب اقترح الحكمان رفض دعواه، وإن كانت الزوجة هي الطالبة أو كان كل منهما طالبًا التفريق قرر الحكمان التفريق بينهما دون بدل. ويقدم الحكمان إلى القاضي قرارهما مسببًا متضمنًا مدى إساءة كل من الزوجين أو أحدهما إلى الآخر. ويحكم القاضي بمقتضى حكم الحكمين إن اتفقا فإن اختلفا عين القاضي غيرهما، أو ضم إليهما حكماً يرجح أحد الرأيين، وعلى القاضي تعديل حكم الحكمين فيما خالف أحكام هذا القانون، كما أن المقرر – في قضـاء هذه المحكمة – أن تقرير الحكمين – إذ كان موافقاً للقانون – بشأن التفريق – ينفذ و لو لم يرض به الزوجان عملا بالمادة 121 من قانون الأحـوال الشخصية ؛ و قال خليل بن إسحـاق يرحمه الله في مختصره ونفذ طلاقهما وإن لم يرض الزوجان و الحاكم- وقال القاضي أبو بكر محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي يرحمه الله في التحفة:وإن ثبوتُ ضررٍ تعذرا لزوجة ورفعها تكررافالحكمان بعد يُبعثانِ بيتهَما بُمقتضى القرآنإن وُجِدا عدلين من أهلهِم والبعثُ من غيرهما إن عُدما”وما به قد حَكَما يُمْضىَ ولا إعذارَ للزوْجين فيما فعلاكمـا أن المقرر فقهاً– أن الحكمين مؤتمنان على مهمتهما ومصدقان في أقوالهما التي ضمناها تقريرهما لأن طريقهما طريق الحكم لا الإشهاد ولا الوكالة ولا النيابة وأن قرارهما ملزم للقاضي ولو لم يوافق رأيه كما أنه ملزم للزوجين رضياه أو كرهاه لأن الله سبحانه وتعالى سماهما في محكم التنزيل حكمين والحكم لا يحتاج فيما يُوقعه من الطلاق إلى إذن الزوج أو القاضي بشرط عدم مخالفة الحكمين لأحكام الشريعة الإسلامية أو القانون في قرارهما، لما كان ذلك وكان من المقرر في قوله سبحانه تبارك وتعالى عز من قائل (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ *سورة النساء* وقد دلت الأية الكريمة * على حق التعدد وأنه في حد ذاته ليس ضرراً أوشقاقاً يستدعى طلب التطليق، ومعناها أن الرجل يشرع له أن يختار ويتزوج إثنتين أو ثلاث أو أربع بالوجه الشرعي، لأن في ذلك إعفافاً للرجال وإعفافاً للنساء أيضاً، وفي ذلك أيضًا طلب الذرية، ولا ينبغي للمرأة المؤمنة أن تأبى ذلك ولا أن تكرهه، فاستقرت أحكام الشريعة الإسلامية الغراء على أن الرجل من الأمة له أن يجمع أربعًا فأقل، وإذا خاف الرجل ألا يعدل اكتفى بواحدة وإذا تزوج اثنتين أو ثلاثاً أو أربع فالواجب عليه العدل في القسمة والنفقة وما يستطيع من العشرة، فكأنه- سبحانه وتعالى- لما وسع عليهم بأن أباح لهم الزواج بالمثنى والثلاث والرباع من النساء، أنبأهم بأنه قد يلزم من هذه التوسعة خوف الميل وعدم العدل. فمن الواجب عليهم حينئذ أن يحترزوا بالتقليل من عدد النساء فيقتصروا على الزوجة الواحدة، وعليه فإن مفهوم الآية الكريمة دل على إباحة الزيادة على الواحدة إذا أمن الجور بين الزوجات المتعددات، لما كان ذلك وكان ومن المقرر في أحكام الشريعة الاسلامية الغراء والقانون على السواء أن الدعوى القضائية هي وسيلة للمطالبة بحماية حق أو مركز شرعي أو قانوني وقع الاعتداء عليه، ففي هذه الحالة يكون على المدعي الإثبات بكافة طرق الإثبات المعلومة والمتوافقة مع الشريعة والقانون وإقامة الدليل أمام القضاء على وجود الحق أو صحة الواقعة المتنازع فيها بقصد الوصول إلى نتائج قانونية معينة وذلك بإقامة الدليل على الواقعة مصدر الحق وذلك لأن الحق يتجرد من قوته إذا لم يقم دليلٌ على إثباته لذا يتعيّن إقامة الدليل على كل واقعة ماديّةٍ أو قانونيّةٍ يُدّعى بها متى تُوزّع فيها أو أنكرها المدعى عليه لأن الإثبات بمثابة شريان الحياة للحق فالحق الذي يعجز صاحبه عن إثبات مصدره هو والعدم سواء ولذلك قيل: (إن الدليل هو قوّة الحق) (ويستوي حقٌ معدوم وحقٌ لا دليلَ عليه)(إن ما لا دليل عليه هو والعدم سواء) وقد جاء قول النبي صلى الله عليه وأله وصحبه وسلّم مؤكّداً على هذا المبدأ في حديثه الشريف: (( لو يعطى الناس بدعواهم لادَعى ناسٌ دماءَ اُناسٍ وأموالهم ولكنَّ البيّنةَ على المدّعي، أي الدليل)) ومن ميزة الشريعة الإسلامية الغراء أنها بقدر ما حرصت على حفظ رابطة الزوجية قائمة بين الزوجين باعتبارها مظهر من مظاهر رقي الشريعة الاسلامية الغراء بالأسرة وعلى ما أمر الخالق سبحانه وتعالى لتكون لبنة طيبة في المجتمع ووفق إطار المادة الخامسة عشر من الدستور والتي نصت على أن الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين الإسلامي والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها ويصونها ويحميها من الانحراف، إلا أنه جعل الطلاق في المرحلة الأخيرة كحل صعب وقاس وأخير لقطع عرى رابطة الزوجية بين الزوجين ووفق الضوابط الشرعية، وإذ لم يفطن الحكم المطعون فيه إلى ذلك بقضائه بالتطليق وبأخذه بتقرير الحكمين الخاطئ المخالف لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء والقانون والذي قرر التفريق دون سند ومع عدم ثبوت الضرر أودوام العشرة بالمعروف بينهما بمفهومه الشرعي سوى ادعاء المطعون ضدها زواج الطاعن سبباً لطلب التطليق مع إقرارها أمام الحكمين بأن الطاعن يعاملها معاملة حسنة وطيبة فإنه يكون قد أخطأ في فهم الواقع وتقدير الأدلة مع ما شابه من القصور في التسبيب وأسس قضاءه على أسباب لا تكفى لحمله والذي جره إلى مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والقانون مما يوجب نقضه بشأن التطليق وتوابعه مع التصدي.
المحكمــــة
حيث إن وقائع الدعوى تتلخص في أن المدعية المطعون ضدها رفعت دعواها الابتدائية ضد الطاعن ملتمسة الحكم لها بالتطليق للضرر لزواجه من امرأة أخرى مع حضانة الأولاد …و…و….و…. وبإلزام الطاعن بمؤخر المهر والنفقات وتوابعها لها وللأولاد وبتهيئة سكن حضانة للمدعية الحاضنة ودفع المبلغ المحدد للخادمة وذلك على سند من القول في أنها زوجة الطاعن وقد ألحق بها ضرراً بزواجها من أخرى مما حداها لولوج باب القضاء.كما تقدم الطاعن بدعوى متقابلة لإسقاط حضانة الزوجة وضم البنات …و…و….. إليه.عرضت المحكمة الصلح على الزوجين فوافق عليه الطاعن ورفضته المطعون ضدها وتعذر على المحكمة إقناعها بالصلح.ثم ندبت المحكمة الإبتدائية حكمين أودعا تقريرهما الذي قررا فيه أن الصلح تعذر بسبب الخطأ المشترك وإصرار الزوجة على الطلاق
وبجلسة 19-05-2019 حكمت المحكمة الابتدائية بالتفريق بين الزوجين مع جزء من مؤخر المهر وحضانة الأولاد …و…و…و…. وبإلزام الطاعن بمؤخر المهر والنفقات وتوابعها لها وللأولاد وبتهيئة سكن حضانة للمدعية الحاضنة و دفع المبلغ المحدد للخادمة، وبرفض الدعوى المتقابلة.
طعن الطرفان في هذا الحكم بالاستئناف، وبجلسة 07-10-2019 حكمت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بتعديل مقدار النفقات بين الطرفين مع مضي الحكم بالتطليق وتوابعه.
طعن الطاعن في هذا الحكم بالنقض، وإذ عرض الطعن في غرفة المشورة فرأت الهيئة أن الطعن جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره مع إعلان الطرفين لها .
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والقانون ومخالفة الثابت بالأوراق وفساد الاستدلال حين قضى بالأخذ بتقرير الحكمين الباطل والذي قرر بالتفريق دون سبب شرعي وبدون ثبوت الضرر سوى زواج الطاعن الشرعي من امرأة ثانية وهو دفاع جوهري لم تحققه محكمة الموضوع مما شاب الحكم بالقصور في التسبيب و الإخلال بحق الدفاع مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله و ذلك أن من المقرر في أحكام الشريعة الاسلامية الغراء عملاً بقوله سبحانه وتعالى عز من قائل جل وعلا في محكم التنزيل ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) صدقَ اللهُ العظيمْ، كما أن من المقرر في قضاء المحكمة الاتحادية العليا وعملاً بنص المادة 117 وما بعدها من قانون الأحوال الشخصية أن لكل من الزوجين طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف بينهما ولا يسقط حق أي منهما في ذلك، ما لم يثبت تصالحهما. وتتولى لجنة التوجيه الأسري وفقًا لهذا القانون الإصلاح بين الزوجين، فإن عجزت عنه عرض القاضي الصلح عليهما، فإن تعذر وثبت الضرر حكم بالتطليق، وإذا لم يثبت الضرر ترفض الدعوى، وإن استمر الشقاق بين الزوجين، وتعذر على لجنة التوجيه الأسري والقاضي بالإصلاح بينهما، عين القاضي بحكم حكمين من أهليهما إن أمكن، وإلا فيمن يتوسم فيه الخبرة والقدرة على الإصلاح، وعلي المحكمة تحليف كل من الحكمين اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانة. وعلى الحكمين تقصي أسباب الشقاق وبذل الجهد للإصلاح بين الزوجين، ولا يؤثر في سير عمل الحكمين، امتناع أحد الزوجين عن حضور جلسة التحكيم متى تم إعلانه بالجلسة المحددة، أو الجلسات اللاحقة، إن حصل انقطاع بينهما. وإذا عجز الحكمان عن الإصلاح 1- فإن كانت الإساءة كلها من جانب الزوج، والزوجة هي طالبة التفريق، أو كان كل منهما طالبًا، قرر الحكمان التفريق بطلقة بائنة دون مساس بشيء من حقوق الزوجية المترتبة على الزواج والطلاق. وإذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة قررا التفريق نظير بدل مناسب يقدرانه تدفعه الزوجة و إذا كانت الإساءة مشتركة قررا التفريق دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة وإن جهل الحال فلم يعرف المسيء منهما، فإن كان الزوج هو الطالب اقترح الحكمان رفض دعواه، وإن كانت الزوجة هي الطالبة أو كان كل منهما طالبًا التفريق قرر الحكمان التفريق بينهما دون بدل. ويقدم الحكمان إلى القاضي قرارهما مسببًا متضمنًا مدى إساءة كل من الزوجين أو أحدهما إلى الآخر. ويحكم القاضي بمقتضى حكم الحكمين إن اتفقا فإن اختلفا عين القاضي غيرهما، أو ضم إليهما حكماً يرجح أحد الرأيين، وعلى القاضي تعديل حكم الحكمين فيما خالف أحكام هذا القانون.
كما أن المقرر – في قضـاء هذه المحكمة – أن تقرير الحكمين – إذ كان موافقاً للقانون – بشأن التفريق – ينفذ و لو لم يرض به الزوجان عملا بالمادة 121 من قانون الأحـوال الشخصية ؛ وقال خليل بن إسحـاق يرحمه الله في مختصره ونفذ طلاقهما وإن لم يرض الزوجان و الحاكم- وقال القاضي أبو بكر محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي يرحمه الله في التحفة:
وإن ثبوتُ ضررٍ تعذر لزوجة ورفعها تكررا
فالحكمان بعد يُبعثان بيتهَما بُمقتضى القرآن إن وُجِدا
عدلين من أهلهِما والبعثُ من غيرهما إن عُدما
وما به قد حَكَم ا يُمْضىَ ولا إعذارَ للزوْجين فيما فعلا
كمـا أن المقرر فقهاً– أن الحكمين مؤتمنان على مهمتهما ومصدقان في أقوالهما التي ضمناها تقريرهما لأن طريقهما طريق الحكم لا الإشهاد ولا الوكالة ولا النيابة وأن قرارهما ملزم للقاضي ولو لم يوافق رأيه كما أنه ملزم للزوجين رضياه أو كرهاه لأن الله سبحانه وتعالى سماهما في محكم التنزيل حكمين والحكم لا يحتاج فيما يُوقعه من الطلاق إلى إذن الزوج أو القاضي بشرط عدم مخالفة الحكمين لأحكام الشريعة الإسلامية أو القانون في قرارهما.
لما كان ذلك وكان من المقرر في قوله سبحانه تبارك وتعالى عز من قائل ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ *سورة النساء* وقد دلت الأية الكريمة * على حق التعدد وأنه في حد ذاته ليس ضرراً أوشقاقاً يستدعي طلب التطليق، ومعناها أن الرجل يشرع له أن يختار ويتزوج إثنتين أو ثلاث أو أربع بالوجه الشرعي، لأن في ذلك إعفافاً للرجال وإعفافاً للنساء أيضاً، وفي ذلك أيضًا طلب الذرية، ولا ينبغي للمرأة المؤمنة أن تأبى ذلك ولا أن تكرهه، فاستقرت أحكام الشريعة الإسلامية الغراء على أن الرجل من الأمة له أن يجمع أربعًا فأقل، وإذا خاف الرجل ألا يعدل اكتفى بواحدة وإذا تزوج اثنتين أو ثلاثاً أو أربع فالواجب عليه العدل في القسمة والنفقة وما يستطيع من العشرة، فكأنه- سبحانه وتعالى- لما وسع عليهم بأن أباح لهم الزواج بالمثنى والثلاث والرباع من النساء، أنبأهم بأنه قد يلزم من هذه التوسعة خوف الميل وعدم العدل. فمن الواجب عليهم حينئذ أن يحترزوا بالتقليل من عدد النساء فيقتصروا على الزوجة الواحدة، وعليه فإن مفهوم الآية الكريمة دل على إباحة الزيادة على الواحدة إذا أمن الجور بين الزوجات المتعددات.
لما كان ذلك وكان ومن المقرر في أحكام الشريعة الاسلامية الغراء والقانون على السواء أن الدعوى القضائية هي وسيلة للمطالبة بحماية حق أو مركز شرعي أو قانوني وقع الاعتداء عليه، ففي هذه الحالة يكون على المدعي الإثبات بكافة طرق الإثبات المعلومة والمتوافقة مع الشريعة والقانون وإقامة الدليل أمام القضاء على وجود الحق أو صحة الواقعة المتنازع فيها بقصد الوصول إلى نتائج قانونية معينة وذلك بإقامة الدليل على الواقعة مصدر الحق وذلك لأن الحق يتجرد من قوته إذا لم يقم دليلٌ على إثباته لذا يتعيّن إقامة الدليل على كل واقعة ماديّةٍ أو قانونيّةٍ يُدّعى بها متى تُوزّع فيها أو أنكرها المدعى عليه لأن الإثبات بمثابة شريان الحياة للحق فالحق الذي يعجز صاحبه عن إثبات مصدره هو والعدم سواء ولذلك قيل: (إن الدليل هو قوّة الحق) (ويستوي حقٌ معدوم وحقٌ لا دليلَ عليه) (إن ما لا دليل عليه هو والعدم سواء) وقد جاء قول النبي صلى الله عليه وأله وصحبه وسلّم مؤكّداً على هذا المبدأ في حديثه الشريف: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادَعى ناسٌ دماءَ اُناسٍ وأموالهم ولكنَّ البيّنةَ على المدّعي، أي الدليل))ومن ميزة الشريعة الإسلامية الغراء أنها بقدر ما حرصت على حفظ رابطة الزوجية قائمة بين الزوجين باعتبارها مظهر من مظاهر رقي الشريعة الاسلامية الغراء بالأسرة وعلى ما أمر الخالق سبحانه وتعالى لتكون لبنة طيبة في المجتمع ووفق إطار المادة الخامسة عشر من الدستور والتي نصت على أن الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين الإسلامي والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها ويصونها ويحميها من الانحراف، إلا أنه جعل الطلاق في المرحلة الأخيرة كحل صعب وقاس وأخير لقطع عرى رابطة الزوجية بين الزوجين ووفق الضوابط الشرعية، وإذ لم يفطن الحكم المطعون فيه إلى ذلك بقضائه بالتطليق وبأخذه بتقرير الحكمين الخاطئ المخالف لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء والقانون والذي قرر التفريق دون سند ومع عدم ثبوت الضرر أودوام العشرة بالمعروف بينهما بمفهومه الشرعي سوى ادعاء المطعون ضدها زواج الطاعن سبباً لطلب التطليق مع إقرارها أمام الحكمين بأن الطاعن يعاملها معاملة حسنة وطيبة فإنه يكون قد أخطأ في فهم الواقع وتقدير الأدلة مع ما شابه من القصور في التسبيب وأسس قضاءه على أسباب لا تكفى لحمله والذي جره إلى مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والقانون مما يوجب نقضه بشأن التطليق وتوابعه مع التصدي.
وحيث إن من المقرر بنص المادة الثالثة عشر من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005 أنه إذا نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه كله أو بعضه وجب عليها أن تتصدى للموضوع.