تلقي التعرضات وشروط تقديمها والتشطيب عليها
تلقي التعرضات وشروط تقديمها والتشطيب عليها
بقلم ذ/ أحمد دحمان – رئيس غرفة بمحكمة النقض
تمهيد
لقد سن المشرع المغربي نظام التحفيظ العقاري بموجب ظهير 9 رمضان 1331الموافق 12 غشت 1913 ،الذي نص الفصل الأول منه على أنه ” يقصد من التحفيظ جعل العقار المحفظ خاضعا لهذا الظهير من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد “. وتحفيظ العقارات سواء كانت فلاحية أو بنايات أو أراضي عارية ينتهي بتأسيس رسم عقاري يتضمن الوضعية المادية للعقار من حيث موقعه ومساحته وحدوده ، وكذا وضعيته القانونية ، ببيان مالكه ونطاق ملكيته والحقوق العينية المترتبة عليه لفائدة الأغيار في حالة وجودها ، كما أن تحفيظ العقار يجعله خاضعا لوضع أكثر استقرارا وثقة تترتب عليه نتائج هامة من أبرزها تعبئة العقار ليستخدم كوعاء لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويشجع على معرفة أفضل للهياكل العقارية ويسهل عملية اتخاذ القرار على مستوى تدبير وتنظيم العقار وتهيئته الترابية ، ويضمن حق الملكية واستقراره، ويتيح إمكانية تحويله إلى وديعة مالية عن طريق الرهن الرسمي مقابل قروض بنكية 1 .
غير أن إخضاع العقار لنظام التحفيظ يتطلب اتباع مسطرة خاصة قبل تأسيس الرسم العقاري ، تقوم على النشر الواسع والإعلان والتحديد ، وذلك حتى لا يتضرر الأغيار من قاعدة التطهير التي تنتهي إليها إجراءات المسطرة ، بحيث يسمح لكل من ينازع في ملكية العقار المراد تحفيظه أو في مدى هذا الحق أو في حدود العقار ، وكذا لكل من يدعي حقا عينيا على العقار المراد تحفيظه ، أو من ينازع في حق وقع الإعلان عنه طبقا لفصل 84 من القانون أن يتعرض على مسطرة التحفيظ ، وسأحاول في هذه المداخلة التطرق إلى الموضوع في فرعين نخصص الفرع الأول لتقديم التعرضات والثاني لقرارات السيد المحافظ على الأملاك العقارية بشأنها مع ابراز المستجدات التي جاء بها القانون رقم 07-14 وعمل محكمة النقض في الموضوع .
الفرع الأول : تقديم التعرضات .
إن التعرض وسيلة لمنازعة طالب التحفيظ في مشروعه الرامي إلى تحفيظ العقار ، ولا يمكن ترسيم العقار إلا بعد إنهاء التعرض سواء برفعه من طرف طالب التحفيظ أو بقبوله إياه أو بالبت فيه قضائيا بشكل نهائي .
وبما أن التعرض كوسيلة للمنازعة ويترتب عليه وقف إجراءات التحفيظ فإن القانون أخضعه لعدة شروط وآجال يتعين احترامها ، كما أن شكلياته وآجاله تختلف بينما إذا كان التعرض في مواجهة مسطرة تحفيظ عادية ، وبين التعرض في إطار المساطر الخاصة،وعليه سنتناول هذا الفرع في مبحثين : الأول سنتعرض فيه للتعرض وفق المساطر العادية والثاني للتعرض في إطار المساطر الخاصة .
المبحث الأول : التعرض في نطاق المساطر العادية .
سنبحث في هذا المبحث في الفروع التالية :
– الفرع الأول :الأشخاص الذين يحق لهم تقديم التعرض .
– الفرع الثاني :كيفية تقديم التعرض ومؤيداته .
– الفرع الثالث :الجهة التي يقدم لها التعرض .
– الفرع الرابع :أجل التعرض .
الفرع الأول : الأشخاص الذين يحق لهم التعرض .
لقد نص الفصل 24 من القانون رقم 07-14 على مايلي :
“يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خلال أجل شهرين تبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إذا لم يكن قام بذلك من قبل وذلك :
1- في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار .
2- في حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه .
3- في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون . ”
إن الفصل 24 المذكور والذي أعيدت صياغته وأضيفت له الفقرة الأخيرة أعطى حق التعرض لكل من :
أولا : الشخص الذي ينازع طالب التحفيظ في حق الملكية سواء كانت هذه المنازعة كلية بموجبها يدعي المتعرض ملكيته لكافة العقار محل المطلب – التعرض الكلي– أو منازعة جزئية ينحصر نطاقها في جزء معين من العقار – التعرض الجزئي – وقد أوجب الفصل 20 من القانون رقم 07-14 على المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب وضع الأنصاب لتحديد المحيط الذي عينه طالب التحفيظ أو لضبط القطع المشمولة به والتي تكون محل تعرضات من طرف الغير وأن يضع تصميما موجزا يسمى التصميم المؤقت للتحديد .
وقد نص الفصل 25 على أنه إذا كان التعرض جزئيا ولم يتم تحديده بكيفية صحيحة أثناء إجراء عملية التحديد فإن هذه العملية تباشر على نفقة المتعرض ، وإذا تعذر تحديد الجزء محل النزاع ، فإن المحافظ على الأملاك العقارية يحيل ملف المطلب على المحكمة المختصة ( المحكمة الابتدائية الواقع بدائرتها العقار محل المطلب )الفقرة الأخيرة من الفصل 32 – ويمكن للقاضي المقرر الذي أحيل عليه الملف لأن ينجز هذا التحديد طبقا لمقتضيات الفصل 34 من هذا القانون .
وإذا كانت الفقرة الأخيرة من الفصل 25 من القانون رقم 07-14 قد جعلت تحديد الجزء المتعرض عليه من طرف القاضي المقرر في حالة إحالة الملف من المحافظة دون تحديد أمرا اختياريا حسب صياغتها ، فإننا نرى أن عملية التحديد هذه تكون إلزامية في بعض الحالات ،خاصة إذا لم يكن التعرض من أجل المطالبة بحقوق مشاعة وذلك بالنظر لما نص عليه الفصل 37 من نفس القانون الذي جاء في الفقرة الثالثة منه :
” تبين المحكمة في حكمها حدود ومساحة الأجزاء المحكوم بها لفائدة المتعرضين ، وفي حالة الشياع نصيب كل واحد منهم “.
وعليه فإن المحكمة لا يكون بوسعها تحديد نطاق التعرض إذا لم يكن مبينا مساحة وحدودا ، بالتالي فإن على القاضي المقرر بعد إحالة الملف عليه أن يستدعي الأطراف وأن يقوم بالانتقال إلى عين المكان بعد إصدار أمر تمهيدي بذلك ، ليجري البحث ويطبق الرسوم بمساعدة مهندس مساح بعد الاتفاق مع المحافظ على الأملاك العقارية من أجل تعيينه لينجز هذا الأخير بحضور القاضي المقرر والأطراف في حالة حضورهم أو ثبوت توصلهم تحديد الجزء موضوع التعرض وأن يضع العلامات الدالة على نطاقه وموقعه .
ثانيا : الشخص الذي ينازع طالب التحفيظ في مدى حق ملكيته كالشريك على الشياع إذا تجاوز طالب التحفيظ حصته في العقار المشترك .
ثالثا : الجار الذي ينازع طالب التحفيظ في حدود العقار ويدعي أن المطلب تجاوز إلى جزء من عقاره ، وقد أثبت الواقع العملي أن هذا النوع من التعرضات يشكل نسبة مهمة من المنازعات التي تقدم ضد مطالب التحفيظ ، وأن حلها يصعب أحيانا لكون المساحات المبينة في حجج الأطراف تكون على وجه التقريب ، أو تكون بوحدات قياس عرفية ( كزريعة كذا قمح أو شعير أو مساحة فردية من الماء وغيرها تعابير القياس ) ،وعليه فإنه يستحسن في حالة التعرضات المقامة من الجوار أن تقوم المحكمة ببحث بعين المكان للتأكد من الحيازة والوقوف على العناصر الدالة عليها في حالة وجودها والاستماع إلى الشهود خاصة من جيران الملك للتأكد من حدود عقار كل طرف .
رابعا : المتعرض الذي يدعي ملكيته لحق من الحقوق العينية العقارية القابلة للتسجيل كحق الارتفاق وحق الانتفاع والزينة وغيرها من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 9 من القانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية .
خامسا : المتعرض على حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من القانون 07-14 , ذلك أنه بموجب الفصل المذكور إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه ،من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات . وعند التحفيظ يقيد الحق المذكور بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك , ويلاحظ أن قانون التحفيظ العقاري السابق كان يقصر التعرض على الأشخاص الذين ينازعون طالب التحفيظ في حق الملكية أو نطاقها أو في حدود العقار المطلوب تحفيظه ، أو ممن يدعون حقوقا عينية عقارية قابلة للتسجيل ، بينما القانون الجديد أضاف بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل 24 صنفا جديدا من المتعرضين واللذين لا ينازعون في مطلب التحفيظ ،وإنما ينازعون أصحاب الحقوق المعلن عنها طبقا للفصل 84 .
إن الفقرة الأخيرة من الفصل 24 من القانون 07-14 خلقت إشكالا قانونيا من شأنه التأثير أحيانا على مطلب التحفيظ ، وذلك في حالة كون التعرض موجه ضد أصحاب الحقوق المعلن عنها طبقا للفصل 84 فقط دون وجود أي تعرض على المطلب . بحيث أن اجراءات المطلب توقف في انتظار البت في التعرض المقدم ضد صاحب الحق العيني المنشأ أو المغير أو المقر به والذي يكسب صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف به حسب ما يقضي بذلك الفصل 83 من نفس القانون .
الفرع الثاني :كيفية تقديم التعرض ومؤيداته .
يقدم التعرض عن طريق تصريح كتابي أو شفوي إما للمحافظ على الأملاك العقارية ، وإما إلى المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب أثناء إجراءات التحديد ، والتصريح الكتابي المحرر من طرف المتعرض يجب أن يتضمن هويته كاملة من اسمه ونسبه وحالته العائلية وحرفته وأن يشير إلى عنوانه الذي تبلغ له فيه إجراءات المسطرة وأن يبين فيه المتعرض اسم الملك ورقم مطلب التحفيظ ومدى الحق موضوع التعرض وأن يقدم الوثائق المثبتة لهويته والحجج المؤيدة لتعرضه . أما إذا قدم التصريح بالتعرض شفويا فإن متلقيه يضمن البيانات اللازمة بشأن صاحبه مع بيان الوثائق المدلى بها من طرفه ويقدمه للمتعرض للتوقيع عليه ، ويسلم له نظيرا يبقى بحوزته .
وإذا كان القانون قد نص على تقديم التعرض كتابة أو شفويا للمحافظ أو للمهندس المساح ، فهل يمكن إرسال التصريحات بالتعرض عن طريق البريد أو وسائل التبليغ الأخرى؟ .
نرى أنه إذا تعذر على المتعرض الحضور إلى المحافظة العقارية أو أمام المهندس المساح لتقديم التعرض ، فيمكنه تحرير التصريح بالتعرض وأن يصادق فيه على توقيعه أمام السلطات المحلية وأن يرفقه بالوثائق المثبتة لهويته والحجج المؤيدة للتعرض وأن يرسله إلى المحافظة العقارية المفتوح أمامها المطلب على أن تتوصل به داخل ألأجل لتقييده بسجل التعرضات .
وقد كان القانون القديم يسمح بتقديم التعرضات أمام المحكمة وبمكاتب السلطة المحلية (القائد أو الباشا) وبمركز قاضي التوثيق على أن تتولى الجهة التي قدم لها التعرض إرسالها إلى المحافظة العقارية .
أما القانون رقم 07-14 فقد حدد في فصله الخامس والعشرين الجهة التي يقدم التعرض أمامها وحصرها في المحافظ العقاري والمهندس المساح الطبوغرافي المنتدب أثناء إجراءات التحديد ، ونرى أن هذا التعديل في محله ، لأن التعرض يجب أن يقدم أمام الجهة المختصة لتبقى مسؤولة عليه ولتفادي ضياعه أمام جهات إدارية أخرى ، كما أن الدولة وفي إطار تقريب الإدارة من المواطنين عملت على إحداث العديد من المحافظات وفي كل أقاليم المملكة ولم يبق أيمبرر لتقديم التعرض لجهة إدارية غير المحافظة المعنية.