قرار بالعزل مبني على اختلاس أموال – صدور حكم بالبراءة – عدم الطعن في قرار العزل بالإلغاء – تعويض – نعم

قرار بالعزل مبني على اختلاس أموال – صدور حكم بالبراءة – عدم الطعن في قرار العزل بالإلغاء – تعويض – نعم

images (26)

قرار رقم 73

بتاريخ 1998/01/22.

الملف الإداري رقم 97/1/5/608.

القاعدة:

إذا كان قرار العزل رغم عدم مشروعيته قد أصبح قرارا نهائيا غير قابل للطعن بحكم أن المستأنف لم يتقدم بدعوى لطلب إلغاءه داخل الآجال المحددة قانونا بعد أن بلغ بمضمونه  وأطلع على فحواه بصورة قانونية فإن ذلك لا ينزع عن القرار المذكور صبغة عدم المشروعية ولا ينفي عن تصرف الإدارة الإخلال بمقتضيات قانونية أخرى مما يترك المجال مفتوحا أمام الموظف المعزول في أن يتقدم بدعوى أمام القضاء الشامل لطلب التعويض عن الأضرار التي نتجت له بسبب خطأ الإدارة وعدم تقيدها بالقانون.

باسم جلالة الملك

إن المجلس الأعلى…

 وبعد المداولة طبقا للقانون.

في الشكل

حيث إن الاستئناف قدم داخل الأجل القانوني وجاء وفق الشروط المتطلبة قانونا لقبوله شكلا.

في الجوهر

حيث يؤخذ من الوثائق  ومن بينها الحكم المستأنف الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 29/9/1994 في الملف عدد 10/94 أن السيد العرابي قويدر قدم دعوى عرض فيها أنه كان موظفا بالمكتب الوطني للبريد والمواصلات السلكية  واللاسلكية مرتبا في السلم 13 ويقوم بعمله بكفاءة  ونزاهة أزيد من 24 سنة حسب النقط الممنوحة له إلى تاريخ 20/12/1988 حين تم توقيفه  وإحالته على المجلس التأديبي  وصدر قرار بعزله ابتداء من 26/1/1989 بدعوى أنه شارك في اختلاس ودائع صندوق التوفير بمكتب جرادة كما أحيل من أجل ذلك على محكمة العدل الخاصة  وظل في حالة اعتقال إلى تاريخ 24/4/1991 حين صدر قرار ببراءته  وقبل ذلك كان السيد وزير المالية قد أصدر قرارا بإعفائه من كل مسؤولية عن المبالغ المختلسة لعدم ثبوت أي خطأ أ وإهمال من جانبه أدى إلى اختلاسها ويطلب الحكم له بتعويض عن طرده بدون سبب  ومبلغه 462000.00 درهم بالإضافة إلى مبلغ 105.370,00 درهما مقابل أجوره من تاريخ توقيفه إلى تاريخ إبلاغه قرار العزل مرفقا طلبه بالوثائق التي يستند إليها  وبعد جواب المكتب المدعى عليه بأنه اتخذ قراره في إطار السلطة التقديرية التي يتمتع بها قضت المحكمة برفض الطلب بعلة أن التقصير إذا لم يكن يشكل جريمة في نظر المحكمة الجنائية… فإنه في نظر المجلس التأديبي إهمال  وتقصير وختمت المحكمة تعليلها بأن الإدارة لم ترتكب أي خطأ تسأل عنه حتى تؤدي التعويض وهو الحكم المستأنف من طرف المدعى حسب مقاله الذي بلغت نسخة منه إلى الطرف المستأنف عليه  ولم يجب عنه.

فيما يتعلق بأسباب الاستئناف.

حيث يعيب المستأنف الحكم بانعدام التعليل ذلك أنه أدلى بنسخة من القرار القاضي ببراءته من التهمة التي كانت سبب عزله كما أدلى بقرار صادر عن وزير المالية بإعفائه من كل مسؤولية عن المبالغ المختلسة التي كانت سببا في تحريك الملف الجنائي  والملف التأديبي  وتتجلى أهمية قرار وزير المالية في أنه صدر بناء على اقتراح من مدير المكتب الوطني المدعى عليه وهو لم ينازع في هذه الوثيقة أمام المحكمة الإدارية  وهي حجة كافية على أن قرار العزل لم يكن له أي سبب ومع ذلك لم تناقش المحكمة ما أدلى به أمامها.

 وحيث إنه من مجموع ما عرض  ونوقش يتبين صدق ما يتمسك به المستأنف لأنه زيادة على قرار البراءة الذي أدلى به أضاف نسخة قرار تحت رقم 3/37 صدر بتاريخ 7/10/1987 من وزير المالية مما جاء فيه أنه يتعلق بالاختلاس المرتكب في الأموال المودعة بصندوق التوفير الوطني بمكتب جرادة وأن السيد العرابي قويدر لم يثبت في حقه أي خطأ أو إهمال في الاختلاس المذكور  ويضيف القرار أنه بناء على اقتراح السيد مدير المكتب الوطني للبريد  والمواصلات السلكية واللاسلكية يعفي المعني بالأمر من كل مسؤولية عن المبلغ المحدد في القرار المشار إليه.

 وحيث إن قرار العزل حسب صورته المدلى بها لا يتضمن أي سبب لهذه العقوبة.

 وحيث إن المكتب الوطني المذكور لم ينازع خلال المرحلة الابتدائية في المستندات التي أدلى بها المدعى المستأنف لإثبات براءته جنائيا  وعدم مسؤوليته إداريا وفي المرحلة الاستئنافية لم يجب المكتب عن مقال الاستئناف رغم تبليغه إليه  ورغم إنذاره حسب شواهد التسليم بالملف مما يعتبر منه تسليما بالوقائع الواردة في طلب المدعى المستأنف.

 وحيث إنما أدلى به من طرف المستأنف  وأشير إليه أعلاه من وثائق  ومستندات تنتفي معه أية مسؤولية له عما نسب إليه من اختلاس  وهو ما أكدته محكمة العدل الخاصة في قرارها المذكور الذي قضى ببراءته عن التهمة المنسوبة إليه.

 وحيث إنه كان من المفروض على الإدارة تبعا لمقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وخصوصا الفقرة الأخيرة من الفصل 73 أن تنتظر صدور الحكم في المتابعة الجنائية التي أجريت على الطاعن قبل تسوية وضعيته بصورة نهائية  وهو ما يعني أن قرار التوقيف الذي لجأ إليه المكتب الوطني للبريد في حق المعني بالأمر كان يجب أن يظل قائما إلى حين صيرورة الحكم الصادر عن المحكمة التي رفعت إليها القضية نهائيا.

 وحيث إنه من الثابت من أوراق الملف  وخصوصا من مقارنة تاريخ عزل الطاعن من عمله  وتاريخ صدور الحكم القاضي ببراءته أن الإدارة لم تحترم مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 73 من ظهير 24/2/1993 المذكور  وأقدمت على عرض قضية المعني بالأمر على المجلس التأديبي  وتبعا لذلك صدر قرار عزله.

وحيث إن الإدارة لن تدل بما يثبت أنها تنسب إلى الطاعن مخالفات أخرى ارتكزت على وقائع جديدة لا علاقة لها بالواقع المنسوبة إليه والتي توبع من أجلها  وإنما تقتصر في دفاعها على أن ما ارتكبه الطاعن يشكل مخالفات مهنية يخولها معاقبته دون انتظار مصير المتابعة الجنائية  والحالة أن نفس الوقائع كانت معروضة على محكمة العدل الخاصة مما لم يعد معه أي حق للإدارة في اتخاذ مقرر تأديبي في حق موظفها عملا بمقتضيات الفصل 73 المشار إليه.

 وحيث إنه إذا كان قرار العزل رغم عدم مشروعيته قد أصبح قرارا نهائيا غير قابل للطعن بحكم أن المستأنف لم يتقدم بدعوى لطلب إلغاءه داخل الآجال المحددة قانونا بعد أن بلغ بمضمونه  وأطلع على فحواه بصورة قانونية فإن ذلك لا ينزع عن القرار المذكور صبغة عدم المشروعية ولا ينفي عن تصرف الإدارة الإخلال بمقتضيات قانونية أخرى مما يترك المجال مفتوحا أمام الموظف المعزول في أن يتقدم بدعوى أمام القضاء الشامل لطلب التعويض عن الأضرار التي نتجت له بسبب خطأ الإدارة وعدم تقيدها بالقانون.

 وحيث إن الخطأ المرتكب من طرف الإدارة التي كان يعمل بها الطاعن يصنف ضمن الأخطاء المرفقية التي لا يمكن نسبتها إلى موظف محدد بعينه.

 وحيث إن الدعوى الحالية المعروضة على المجلس تجد سندها في مقتضيات الفصل 8 من قانون إنشاء المحاكم الإدارية الذي يعطي الاختصاص لهذه المحاكم للبت كذلك في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال أشخاص القانون العام إلى جانب نشاطاتها مما يؤكد وجود تكامل  وتنسيق كامل بين مقتضيات الفصلين 79 من قانون الالتزامات  والعقود  والفصل 8 من قانون 90/41  وحيث إن الضرر المطلوب  والتعويض عنه يتمثل في التصرف اللامشروع الذي أقدمت عليه الإدارة بعزل الطاعن عن عمله دون انتظار مصير المتابعة الجنائية التي كانت جارية بحقه  وهو التصرف الذي حرم الطاعن المذكور من منصبه بصورة نهائية دون أن تتمكن الإدارة من نسبة أي خطأ أو مخالفة لموظفها بل أكثر من ذلك فإن محكمة العدل الخاصة برأت ساحته من كل التهم المنسوبة إليه  والتي وقائعها سند مداولات المجلس التأديبي الذي اقترح عقوبة العزل على غرار قرار وزير المالية الذي أعفاه بدوره من كل مسؤولية في اختلاس الأموال العمومية.

 وحيث إن الإدارة لا يحق لها أن تتمسك بسلامة قرار العزل وبحصانته لعدم الطعن فيه داخل الآجال المقررة قانونا برد دعوى التعويض مادام قد ثبت من أوراق الملف ومستنداته بما في ذلك قرار وزير المالية المذكور أن الطاعن لا يمكن أن ينسب إليه أي خطأ أوإهمال أو تقصير.

 وحيث إنه إذا كان الموظف الموقوف في إطار الفصل 73 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية يمكن أن يحرم من مرتبه طيلة مدة التوقيف كما ه والوضع في النازلة فإن الطاعن بحكم أن توقيفه كان مبررا في بداية الأمر مما ينسب إليه من مخالفات  ونظرا لمتابعته جنائيا فإن هذا التوقيف لم يعد له مبررا بعد صدور قرار براءته مما يعني أن الطاعن محق على الأقل في استرداد رواتبه ما بين المدة الفاصلة بين قرار التوقيف  وقرار العزل الذي ثبتت عدم مشروعيته  وحول المعنى بالأمر طلب التعويض عن الضرر الناتج عنه.

 وحيث إنه بخصوص التعويض عن الضرر الناتج عن قرار العزل الذي لم يكن مشروعا  والذي فات أجل الطعن فيه بالإلغاء فإن الأمر موكول إلى السلطة التقديرية للقضاء لتحديد التعويض المناسب عن الضرر المذكور.

 وحيث قدر المجلس الأعلى من ظروف النازلة وملابساتها أن وضعية الطاعن والمهام التي كانت مسندة إليه وهو يعمل في خدمة المكتب الوطني للبريد  ومن الرواتب التي كان يتقاضاها عن عمله أن التعويض المناسب لتغطية الضرر الناتج يقدر في مبلغ 200 ألف (مائتي ألف درهم) يؤديها المكتب الوطني للبريد إضافة إلى صرف الرواتب التي كان يستحقها الطاعن منذ توقيفه إلى غاية صدور قرار عزله.

لهذه الأسباب

قضى المجلس الأعلى بإلغاء الحكم المستأنف  وتصديا بأداء المكتب الوطني للبريد للمستأنف رواتبه ومستحقاته ما بين تاريخ توقيفه إلى تاريخ صدورعزله بتاريخ 26/1/89  وبأدائه له كذلك مبلغ مائتي ألف درهم كتعويض عن الأضرار الحاصلة له من جراء فصله عن عمله بصورة غير مشروعة مع الصوائر على النسبة.

 وبإسناد تنفيذ هذا الحكم إلى المحكمة الإدارية بالرباط.

 وبه صدر الحكم وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى بالرباط  وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة الإدارية السيد محمد المنتصر الداودي  والمستشارين السادة: مصطفى مدرع – ومحمد بورمضان –  والسعدية بلمير –  وأحمد دينية  وبمحضر المحامي العام السيد عبد اللطيف بركاش  وبمساعدة كاتب الضبط السيد محمد المنجرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *