قاضي الإلغاء – سلطاته – الانحراف في استعمال السلطة – الحق في الترقية –
الحكم الإداري رقم 1
الصادر في 10 رمضان 1389-21 نونبر 1969
القاعدة
إن حق مراقبة المشروعية المخول لقاضي الإلغاء يتسع نطاقه أو يضيق حسب طبيعة المقررات المطلوب إلغاؤها و أن تقدير كفاءة الموظف يدخل ضمن الاختصاص التقديري العام للرئيس الإداري و لا يمكن الطعن فيه من ناحية المشروعية الداخلية – بمناسبة طلب إلغاء رفض الترقية – إلا بالانحراف في استعمال السلطة أو بالخطأ القانوني أو المادي .
إن كان رأي الإدارة مشوبا بالخطأ في تفسير القانون إلا أنه يتعلق بحدود اختصاص المجلس الأعلى و لا يؤثر في مشروعية المقرر المطعون فيه طالما أن الإدارة لم تقتصر على تبريره بمجرد السلطة التقديرية .
إن الترقية إلى رتبة ما لا تقع إلا بطريق الاختيار الذي تعتبر فيه على الخصوص النقط المحصل عليها و الاقتراحات التي يبديها و يدعمها بالأسباب رؤساء المصالح و إن توفر المعني بالأمر على الشروط المنصوص عليها في القانون ليمكن اقتراحه للترقية لا يجعلها حتمية و إلزامية على الإدارة و لا حقا مكتسبا للموظف .
لا توجد صلة حتمية بين النقط السنوية و بين الاقتراحات الرامية إلى ولوج درجة عليا عن طريق الاختيار لأن النقط تعد أرقام الدلالة على إنتاج الموظف في أعمال خاصة برتبته و لا تعبر وحدها على أهلية المعني بالأمر للقيام بمهام الرتبة العليا.
إن الفصل 12 من الدستور مستمد من المبدأ العام الناص على أن المواطنين لدى القانون سواء و لا يقتصر تطبيقه على ولوج الوظائف بل يقتضي أيضا أن للموظفين من نفس الرتبة الحق في معاملة سوية فيما يخص قواعد الترقية .
إن الوسيلة المستدل بها من أن الإدارة لم ترق الطالب للتمكن من الاحتفاظ بمنصب شاغر تخصصه لترقية موظف آخر – بطريق تعاقدي – لم تتوفر فيه الشروط المتوفرة في الطالب كان يجب الاستظهار بها في إطار دعوى بالإلغاء ضد التسميات بطريق التعاقد التي يطعن فيها الآن بطريق التبعية.
باسم جلالة الملك
بناء على طلب الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة المرفوع بتاريخ 13 غشت 1966 من طرف بلحسين الإدريسي احمد بواسطة نائبه الأستاذ مرسيل صباص ضد المقرر الصادر في 4 مايو 1966 عن معالي وزير الشؤون الإدارية .
و بناء على مذكرة الجواب المدلى بها بتاريخ 27 مارس 1957 تحت إمضاء معالي وزير الشؤون الإدارية المطلوب ضده الإلغاء و الرامية إلى الحكم برفض الطلب .
و بناء على الأوراق الأخرى المدلى بها في الملف .
و بناء على الظهير المؤسس للمجلس الأعلى المؤرخ بثاني ربيع الأول عام 1377 موافق 27 شتنبر 1957 .
و بناء على الأمر بالتخلي و الإبلاغ الصادر في 24 شتنبر 1969 .
و بناء على الإعلام بتعيين القضية في الجلسة العلنية المنعقدة في 31 أكتوبر 1969 .
و بعد الاستماع بهذه الجلسة إلى المستشار السيد محمد بن يخلف في تقريره و إلى ملاحظات المحامي العام السيد مولاي عبد الواحد العلوي
و بعد المداولة طبقا للقانون .
فيما يخص الفرع الأول من الوسيلة
حيث إن بلحسين الإدريسي احمد ، يطلب بسبب الشطط في استعمال السلطة ، إلغاء المقرر الضمني الصادر عن وزير الشؤون الإدارية ، الأمين العام للحكومة و القاضي برفض طلبه المقدم في 27 دجنبر 1965 و الرامي إلى ترقيته إلى رتبة نائب مدير بالإدارات المركزية من الدرجة الثانية ، و ذلك رغم توفره على الشروط القانونية المنصوص عليها في الفصل 21 من القرار الوزيري المؤرخ في 18 مارس 1939 المكون للقانون الأساسي لموظفي الإدارات المركزية كما وقع تعديله بمرسوم 30 يوليوز 1958 و الذي جاء فيه ” أنه لا يمكن أن يرقى إلى رتبة نائب مدير من الدرجة الثانية إلا رؤساء المكاتب من الدرجة الثانية ، الذين يتوفرون على 14 سنة على الأقل من العمل في الإطار العالي للإدارات المركزية أو في مصالح مماثلة ، أو على أربع سنين من الوظيف في رتبتهم ” و ينعي الطالب على المقرر المطعون فيه كونه مشوبا بخطأ في فهم القانون لانبنائه على أن الترقية المطلوبة تعد من امتيازات السلطة العامة المنوطة برئيس الحكومة و أنها بحكم طبيعتها غير خاضعة لمراقبة المجلس الأعلى و هو يبت في القضايا الإدارية، في حين أنه بصفته مقررا إداريا يكون خاضعا لهذه المراقبة و أن اختصاص المجلس المذكور في نطاق دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة ، يشمل حتى المقررات الداخلة ضمن السلطة التقديرية للإدارة .
و حيث إنه يؤخذ من الفصلين 1 و 14 من الظهير المؤسس للمجلس الأعلى أن دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة هي الطريق الأصيل لكل من يريد المطالبة بإلغاء مقرر إداري ما لم ينص القانون على غير ذلك ، و أن المشرع لم يضف على المقرر المطعون فيه الصادر عن وزير الشؤون الإدارية في نطاق السلطة التقديرية ، حصانة مطلقة تغلق سبيل دعوى الإلغاء في وجه المعنيين بالأمر و تمنع القضاء من التعرض له إطلاقا ، غير أنه لا يمكن الطعن في هذا النوع من المقررات الصادرة عن سلطة إدارية إلا بالأسباب التي تتلاءم و طبيعة السلطة التقديرية ، و أن حق مراقبة المشروعية المخول لقاضي الإلغاء يتسع نطاقه أو يضيق حسب طبيعة المقررات المطلوب إلغاؤها و أن هذه الرقابة تنصب بالخصوص على ما استدل به المدعى من خطأ في تفسير القانون و انحراف في استعمال السلطة .
و حيث إنه إن كان رأي الإدارة في هذا الصدد ، مشوبا بالخطأ في تفسير القانون ، إلا أنه يتعلق بحدود اختصاص المجلس الأعلى ليس إلا و لا يؤثر في مشروعية المقرر المطعون فيه طالما أم الإدارة لم تقتصر، كما فعلت في أول الأمر ، على تبرير تصرفها بمجرد السلطة التقديرية ، بل بينت أثناء التحقيق ، أنها بنت رفضها لترقية المدعى على عدم كفايته المهنية ، كما سيبين فيما بعد ، مما يجعل الفرع الأول من الوسيلة غير مرتكز على أساس .
و فيما يتعلق بالفرع الثاني من الوسيلة :
حيث يعيب الطالب ثانيا على المقرر المطعون فيه الانحراف في استعمال السلطة و خرق الفصل 21 من القرار الوزيري المؤرخ في 18 مارس 1939 كما وقع تعديله بمرسوم 30 يوليوز 1958 و ذلك أن الطالب لم يرق رغم استيفائه للشروط المنصوص عليها في هذا الفصل للحصول على الترقية المطلوبة، و توفره على المؤهلات اللازمة و شهادات عليا و حصوله على نقط جيدة أفصح بها رئيسه عن استحسانه لقيمته المهنية ، و أن حق البت في هذه الترقية لا يرجع للسلطة التقديرية بل يدخل ضمن الاختصاص المقيد بتوفر الشروط القانونية المشار إليها أعلاه .
لكن حيث إنه إن كان لسلطة الإدارة بشأن المقرر السالف الذكر جانب مقيد فيما يخص توفر الشروط المتطلبة في الفصل 21 ، إلا أن هذا لا يمحي جانبها التقديري عند الاختيار بين المتوفرين على هذه الشروط .
و حيث إن الفصل 21 المستدل به يتعلق بالشروط التي يجب أن يتوفر عليها المرشحون الذين يمكن اقتراح أسمائهم للترقية وبما أن الترقي إلى رتبة ما لا يقع – بمقتضى الفصلين 30 و 34 من القانون الأساسي للوظيفية العمومية – إلا بطريق الاختيار الذي تعتبر فيه على الخصوص، النقط المحصل عليها و الاقتراحات التي يبديها و يدعمها بالأسباب رؤساء المصالح ، فإن الترقية المطلوبة لم تكن حتمية و إلزامية على الإدارة و لا حقا مكتسبا للموظف ، بمجرد استيفائه للشروط المذكورة.
و حيث إنه يؤخذ من الرسالة الصادر في 19 أكتوبر 1968 عن وزير الداخلية و من ورقتي النقط الخاصتين بسنتي 1964 و 1965 أن المعني بالأمر لم يرشح لرتبة نائب مدير و أنه إن كان ذكيا و مثقفا إلا أنه يجب عليه أن يعرب على حيوية و عزيمة و نشاط أكثر ليكون مؤهلا لتقلد وظائف عليا .
و حيث إن الطالب يطعن في هذا التقدير لكفاءته بكونه متناقضا مع عناصر أخرى بالملف و هي النقط الحسنة التي حصل عليها ( 19 على 20 سنة 1964 و 18 على 20 سنة 1965 ) و المهمة التي كلفه بها وزير الشؤون الإدارية سنة 1966 حيث عهد إليه بتسيير أعمال لجنة فرعية مكلفة بتفتيش إداري و تقني و مالي لمجموعات الضيعات التي يديرها مركز مؤسسات الاستغلال الفلاحية ، و الاقتراح الصادر عن وزير الداخلية الذي رشح فيه الطالب لنيل عقد وظيفي لنائب مدير .
و حيث إن تقدير كفاءة الموظف يدخل ضمن الاختصاص التقديري العام للرئيس الإداري و لا يمكن الطعن فيه من ناحية المشروعية الداخلية – بمناسبة طلب إلغاء رفض الترقية – إلا بالانحراف في استعمال السلطة أو بالخطأ القانوني أو المادي كما سلف بيانه .
و حيث إنه لا توجد صلة حتمية بين النقط السنوية و بين الاقتراحات الرامية إلى ولوج درجة عليا عن طريق الاختيار لأن النقط تعد أرقام الدلالة على إنتاج الموظف في أعمال خاصة برتبته و ليس لها تأثير حتمي على اقتراح الرئيس لترقية مرؤوسيه من هذه الرتبة إلى رتبة أعلى لكونها لا تعبر وحدها على أهلية المعنيين بالأمر للقيام بمهام الرتبة العليا ، و أن مهمة التفتيش المذكورة مهمة محدودة و مؤقتة و صادرة عن سلطة غير السلطة المختصة بإبداء الاقتراح قصد الترقية ، و أن اقتراح عقد وظيفي ليس من شأنه أن يحل محل الاقتراح للترقية إلى رتبة ما الذي يجب أن يصدر عن رئيس الإدارة طبقا للقواعد المقررة قانونيا، و من تم يكون تقدير كفاءة الطالب خاليا من الانحراف أو من الخطأ المادي أو الخطأ في تفسير القانون خلافا لما ادعاه الطالب و أنه يستتبع من كل ما ذكر أن الفرع الثاني من الوسيلة غير مرتكز أيضا على أساس .
و فيما يخص الفرع الثالث من الوسيلة :
حيث يعيب الطالب على المقرر المطعون فيه خرقه للفصل 12 من الدستور الذي ينص على أنه ” يمكن لجميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف و المناصب العمومية و هم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها ” و ذلك لكون الإدارة في جوابها على التظلم التمهيدي بالرفض صرحت أن ترقية الموظفين المتوفرين على الشروط المنصوص عليها في الفصل 21 السالف الذكر لنيل رتبة نائب مدير يرجع أمرها لتقدير رئيس الحكومة وحده،الشيء الذي يتنافى و مبدأ المساواة ، خصوصا و أن مقرر الرفض المطلوب إلغاؤه ينطوي على تمييز يضر بالطالب إذ أن بعض الموظفين المنشورة أسماؤهم بالجريدة الرسمية المؤرخة في 10 دجنبر 1966 نالوا هذه الترقية التي حرم منها هو ، رغم كونهم أقل كفاءة منه .
لكن حيث إن الفصل 12 من الدستور مستمد من المبدأ العام الناص على أن المواطنين ، لدى القانون ، سواء و لا يقتصر تطبيقه على ولوج الوظائف بل يقتضي أيضا أن للموظفين من نفس الرتبة الحق في معاملة سوية فيما يخص قواعد الترقية .
و حيث إن المدعى اقتصر في هذا الصدد ، في وسائل طعنه ، على الادعاء بأنه حرم من الترقية رغم كونه أجدر من الذين نالوها في حين أنه لا يمكن مناقشة الكفاءة الشخصية للمدعى لدى المجلس الأعلى ، و في حين أنه لم يستظهر بالخصوص بعدم تحضير الإدارة للائحة الترقي و عدم استشارتها للجنة الترقي ، المنصوص عليهما في القانون الأساسي للوظيفية العمومية ، قصد إجراء المفاضلة بينه و بين أقرانه و ضمان تكافئ الفرص للجميع ، الشيء الذي يحول دون رقابة الكيفية التي تم بها تقدير الإدارة .
و حيث إن قول الإدارة بأن حق الترقية إلى رتبة نائب مدير يرجع لتقدير رئيس الحكومة دون غيره لا يكون مخالفة لمبدأ المساواة إذ ينص الفصل 30 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية على أن ” الترقي إلى رتبة لا يقع إلا بطريق الاختيار ” ، و أن مناط هذه السلطة الاختيارية هي الجدارة حسبما تقدرها الإدارة بعد استيفاءها جميع الإجراءات و الضمانات المتطلبة قانونيا ، مما يجعل هذا الفرع من الوسيلة ، حسب صيغته ، غير مرتكز على أساس .
و فيما يتعلق بالفرع الرابع من الوسيلة :
حيث يعيب المدعى أخيرا على الإدارة الانحراف في استعمال السلطة و ذلك أن بعض الموظفين الذين لا يتوفرون على الشروط الأساسية المنصوص عليها في الفصل 21 من القرار الوزيري المؤرخ في 18 مارس 1939 لولوج رتبة نائب مدير ، قد تمكنوا من الحصول على عقود وظيفية لنواب مديرين ، في حين أن المدعى الذي يتوفر على الشروط المشار إليها أقصي من هذه الترقية لتوفير منصب شاغر لعون تعاقدي غير مستوف لنفس الشروط .
لكن حيث إن المدعي لم يثبت أنه لم يرق إلى رتبة نائب مدير لتتمكن الإدارة المختصة من الاحتفاظ بمنصب شاغر تخصصه لترقية موظف آخر – بطريق تعاقدي – لم يتوفر على الشروط القانونية التي تتوفر فيه هو، و أنه كان على المدعى أن يستدل بهذا الانحراف المزعوم و يثبته في إطار دعوى بالإلغاء موجهة حسب المسطرة و داخل الآجال القانونية ، ضد التسميات بطريق التعاقد التي يطعن الآن فيها بطريق التبعية و يثبت أن هذه التسميات تكون عائقا في سبيل ترقيته و أن له مصلحة في طلب إلغائها .
و حيث إنه يستخلص من البحث أن الإدارة رفضت ترقية المدعى لعلة أنه لم يقترح من طرف رئيسه وزير الداخلية الذي صرح أن عليه أن يبرهن على نشاط و حيوية أكثر في عمله ليكون أهلا لتقلد مناصب عليا ، و أن هذه العلة المتعلقة بالمصلحة العامة تبرر قانونيا المقرر المطعون فيه، و أن الإدارة لم تدع أن المناصب المخولة بالتعاقد لم تكن تعتبر شاغرة عندما درست الترشيحات للترقية المطلوبة، مما يكون معه الفرع الرابع أيضا من الوسيلة غير مرتكزعلى أساس.
لهذه الأسباب
قضى المجلس الأعلى برفض طلب الإلغاء المقدم من بلحسين الإدريسي.
و به صدر الحكم بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه في قاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى بالمشور و كانت الهيئة الحاكمة متركبة من معالي الرئيس الأول السيد احمد أبا حنيني و رئيس الغرفة الأستاذ مكسيم أزولاي و المستشارين السادة محمد بن يخلف –مقرر – و إدريس بنونة و سالمون بنسباط ، و بمحضر المحامي العام مولاي عبد الواحد العلوي و بمساعدة كاتب الضبط مولاي احمد