قرار عدد: 1517،
بتاريخ: 14/10/2009،
ملف تجاري عدد: 1187/3/1/2007
القاعدة
لما تمسكت الطاعنة في مقالها الإستئنافي بأن العمليات التجارية بين الطرفين كانت تتم في إطار حساب جاري وأن المطلوب لم يدل بما يثبت حصره والذي من تاريخه ينطلق بدء سريان التقادم، ولم ترد المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه على ذلك رغم ما قد يكون له من تأثير على نتيجة القضية فإن قرارها يكون متسما بالقصور في التعليل المنزل منزلة انعدامه وعرضا بالتالي للنقض والإبطال.
باسم جلالة الملك
و بعد المداولة طبقا للقانون
حيث يستفاد من وثائق الملف ومن محتويات القرار المطعون فيه عدد 3536/2006 الصادر عن محكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 26/06/2006 في الملف عدد 609/06/14 أن الطالبة شركة التأمين النهضة تقدمت بتاريخ 06/10/2004 بمقال إلى المحكمة التجارية بالدار البيضاء، عرضت فيه أنها أبرمت اتفاقا مع المطلوب مكتب تأمينات فاسير في شخص ممثله القانوني السيد فؤاد محمد على أن يبرم عقود التأمين لحسابها، وقد أبرم فعلا عقودا وصلت قيمتها إلى مبلغ 142.384,06 درهما إلا أنه لم يمكنها منه رغم المساعي المبذولة معه، ملتمسة الحكم على المدعى عليه بأداء تعويض مؤقت قدره ستة آلاف درهم (6000 درهم) وإجراء خبرة حسابية لتحديد مستحقاتها، فقضت المحكمة التجارية بسقوط الدعوى للتقادم. فاستأنفته المدعية وأيدته محكمة الإستئناف التجارية بموجب قرارها المطعون فيه بالنقض.
في شأن الفرع الأول من الوسيلة الأولى :
حيث تعيب الطاعنة القرار المتعلقة بالتقادم ذلك أنه أيد الحكم الإبتدائي فيما قضى به من سقوط الدعوى للتقادم مع أنه لا مجال للحديث عن التقادم بمختلف أشكاله ىخاصة وأن العمليات كانت تتم في إطار حساب جاري تتداخل فيه عمليات الطرفين والذي ظل مفتوحا ومنتجا لآثاره القانونية، والمطلوب في النقض لم يدل بما يفيد أن الطالبة أغلقته أو قامت بتسوية وضعيته الحسابية، وأن أمد التقادم لا يسري إلا من تاريخ إغلاق الحساب، والمطلوب ملزم بإثبات عكس إدعاءات الطاعنة، فالقرار المطعون فيه تعرض للتقادم واعتبره من غير أن يعطي اهتماما للحساب الجاري وهو النظام الذي كانت تتم في إطاره المعانلات التجارية، وان الدين الذي ترتب في ذمة المطلوب في النقض ليس دينا عاديا وإنما يتعلق بمبالغ مالية استخلصها المطلوب في النقض من زبنائه المؤمن لهم على أساس أن للطالبة التي سلمته شهادات التأمين مقابل عمولة يستخلصها لنفسه إلا أنه احتفظ بهذه المبالغ المودعة بين يديه من طرف المؤمن لهم فخرق بذلك القواعد المتعلقة بالتقادم وتعرض للنقض.
حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أيدت الحكم المستأنف القاضي برفض الدعوى بعلة “أن الثابت من أوراق الملف أن الطاعنة تخضع للتصفية الإدارية منذ سنة 1994 وبالتالي فإن المعاملات التجارية التي كانت تربطها بالمتعاملين معها في الوساطة في التأمين قد توقفت منذ السنة المذكورة وأنه لا يوجد بالملف ما يفيد أن المستأنفة ومنذ أن أصبحت تحت نظام التصفية الإدارية قامت بالإجراءات التي من شأنها قطع التقادم ” والحال أن الطاعنة تمسكت في مقالها الإستئنافي بأن العمليات التجارية بين الطرفين كانت تتم في إطار حساب جاري والمطلوب لم يدل بما يثبت حصره والذي من تاريخه ينطلق بدء سريان التقادم، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لم ترد عما تمسكت به الطاعنة بهذا الخصوص رغم ما قد يكون لذلك من تأثير على نتيجة القضية فاتسم قرارها بالقصور في التعليل المنزل منزلة انعدامه وتعرض للنقض.
واعتبارا لحسن سير العدالة ومصلحة الطرفين قرر المجلس الأعلى إحالة القضية على نفس المحكمة.
لهذه الأسبـاب
قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه وإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى طبقا للقنون وبتحميل المطلوب في النقض المصاريف.
قراءة التعليقات (1)
الحساب الجاري أو الحساب بالاطلاع حسب المصطلح الوارد في مدونة التجارة في المادة 493 هو عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة، والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة أحد الأطراف.
وقد أسبغ عليه المشرع خاصية لا يمكن أن توجد في غيره إذ نص في الماد 498 من نفس المدونة على أن الديون المسجلة في الحساب تقد صفاتها المميزة وذاتيتها الخاصة وتعتبر مؤداة، وآنذاك لا يمكنها أن تكون موضوع أداء أو مقاصة أو متابعة أو إحدى طرق التنفيذ أو التقادم بصورة مستقلة. كما تنقضي الضمانات الشخصية أو العينية المرتبطة بالديون المحولة في الحساب، إلا إذا حولت باتفاق صريح على رصيد الحساب.
والسؤال المطروح هل يمكن تصور وجود حساب جاري خارج العلاقة الثنائية بين البنك وزبونه.
عن هذا السؤال كان تعليقي على قرار المجلس الأعلى أعلاه والذي لم يفصح عن رأيه صراحة وإنما رمى الكرة في مرمى المحكمة لتعبر عن رأيها في الدفع الذي تقدمت به شركة التأمين من أنه لا مجال للتمسك بالتقادم ما دامت العلاقة التجارية أفرغت في قالب حساب جاري بين الطرفين وبالتالي لا يمكن أن يسري التقادم إلا من تاريخ حصره.
والواضح من هذا الدفع أن شركة التأمين تستعير المقتضيات القانونية التي تنظم الحساب الجاري البنكي وتحاول إسقاطها على العلاقة التجارية القائمة مع مدينها مع أنها ليست بنكا.
وفي نظري لا يمكن للأطراف أن يتفقوا على تنظيم معاملاتهم التجارية وإفراغها في قالب حساب جاري والاستفادة من امتيازات هذا النظام لأن المشرع حينما عرفه واستحدثه جعل أحد أطرافه بنكا، ولو ان صيغة النص جاءت بصيغة العموم كأن يقول المشرع مثلا إذا اتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة، والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة أحد الأطراف فإن ذلك يسمى الحساب بالاطلاع، فإنه آنذاك سنفهم على أن آلية الحساب الجاري أو الحساب بالاطلاع آلية محاسبية متاحة لجميع التجا وغير مقصورة على الأبناك وزبنائهم.
زد على ذلك أن الحساب الجاري لا ينشأ إلا باتفاق الطرفين على مضمون هذا الحساب وكيفية تصريف التقييدات فيه ويوقعه طرفا العقد، ويمكن أن تؤدي التقييدات المتبادلة بين الطرفين على أن يكون البنك أحيانا مدينا وأحيانا دائنا، فهل هذا يتصور في العلاقة بين شركة التأمين ووكيلها إذ أن العلاقة لا يمكن أن تكون إلا دائنة لفائدة شركة التأمين أو رصيدا منعدما لفائدتها إذا كان الوكيل يؤدي مستحقات الشركة بانتظام.
وهب مثلا أن شركة التأمين في نازلة الحال هي من اختارت استعارة هذا النظام البنكي ووظفته في علاقتها بمدينها وكيلها في التأمين هل يعتبر هذا كافيا للقول أن التقادم لا يسري إلا من تاريخ قفله مع العلم أن المحاسبة التجارية بين شركات التأمين ووكلائها تتم في شكل مختلف تماما يأخذ بالاعتبار عدد العقود المكتتبة والعمولات المقتطعة وما بقي يؤدى لشركة التأمين.
لذا في نظري يتعين على محكمة الإحالة قبل الرد على دفوع شركة التأمين ولتخرج من المأزق القانوني الذي وضعتها فيه شركة التأمين أن تجري بحثا بين الطرفين بخصوص وجود اتفاق بينهما على تنظيم معاملاتهما في شكل حساب جاري وتحديد هل وقع في تاريخ هذا الحساب أن كان الطرفان مرة دائنا ومرة مدينا لتستبعد تمسك شركة التأمين بالحساب الجاري عوض أن تخرج صراحة بما قلته اعلاه بأن الحساب الجاري لا يمكن تصوره خارج إطار العلاقة التي تجمع بين بنك وزبونه فيفاجئها قرار محكمة النقض فيما بعد أن الحساب الجاري آلية متاحة للجميع مع أنني أستبعد أن تقع هذه المحكمة العليا في هذا الخطأ الفادح.
والله أعلم