وقف تنفيذ القرارات الإدارية

وقف تنفيذ القرارات الإدارية

                                                         

 وقف تنفيذ القرارات الإدارية

يرتبط قبول طلبات إيقاف التنفيذ، بحرص القضاء على احترام الشرعية وحقوق المتضررين، التي قد تتضرر ضررا فادحا لو لم يتم قبول هذا الإجراء الاستثنائي، فهو ضمانة إجرائية تحمي الحقوق والمصالح الاقتصادية والمالية،وقد اعتبره المجلس الدستوري الفرنسي ضمانة ضرورية لحقوق الدفاع.


ويأخذ من صياغة المادة المذكورة، أن طلب وقف التنفيذ يرتبط جذريا بدعوى الإلغاء، بمعنى أنه يجب أن يتفرع عن دعوى إلغاء القرار الإداري، وأن يتعلق بقرار إيجابي تتوافر فيه شروط ومقومات القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء.أخذ المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات الأخرى، بقاعدة إيقاف تنفيذ القرار الإداري، وهكذا نصت المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية على أنه يمكن للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية، بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه، إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة.

 ويرجع الاختصاص للبت في طلبات إيقاف القرارات الإدارية النوظمية بمدلول الفصل 24 أعلاه لهيأة قضاء الإلغاء كمحكمة موضوع. وتكتسي طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية بطبيعتها صبغة استعجالية، إذا ما توافرت شروط معينة شكلية وموضوعية، تقتنع المحكمة من ظاهر أوراق الملف، بالحكم بإيقاف تنفيذ القرار الإداري، تجنبا لتعذر تدارك نتائج التنفيذ إذا تم تنفيذه.

وإذا كانت المادة 24 من القانون رقم 41-90 نظمت فقط الشروط الشكلية لقبول طلب وقف تنفيذ القرار الإداري، وهي أن يتعلق بقرار تتوافر فيه مقومات القرار الإداري، وأن يكون مبنيا على دعوى في الموضوع، بإلغاء القرار الإداري وأن يقدم لدى هيأة قضاء الإلغاء، فإنه لم يبين شروط وقف التنفيذ الموضوعية، ومن هنا استقر الفقه والقضاء على تحديد شروط الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري في ضرورة توافر حالة الاستعجال من جهة، بمفهوم الضرر الذي يتعذر إصلاحه أو تقويمه بعد التنفيذ، ويصعب معه إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وتلك مسألة واقعية متروكة لتقدير المحكمة، وضرورة استناده، من جهة أخرى، على أسباب جدية تخل بمبدأ المشروعية وترجح احتمال الحكم بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه، والاحتمال القوي في أحقية الطاعن فيما يطلبه في دعوى الإلغاء. ويشترط أن تتوفر حالة الاستعجال وجدية السبب في الطلب، فإذا اختل أحدهما كان الطلب غير مبرر، والمحكمة وهي تنظر في الطلب بالقدر الذي يسمح لها بتكوين رأي بخصوص طلب وقف التنفيذ، دون أن تسبق محكمة الموضوع، وتنتهي إلى تكوين رأي مؤكد فيه، فتتحسس بذلك ظاهر مستندات وأوراق الملف بالقدر اللازم للحكم في الإجراء الوقتي لتستخلص منه حالة الاستعجال وجدية السبب المعتمد في طلب الإلغاء، باعتبار أن سلطة وقف التنفيذ منبثقة من سلطة الإلغاء وفرع منها.

والمشرع المغربي وإن كان قد أخذ بمبدأ الأثر غير الواقف للطعن، فإنه بالمقابل أعطى لكل متضرر من القرار الإداري، إمكانية المطالبة بإيقاف تنفيذه.

وقد اعتبرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ 10 /01/2007  «أن مناط عنصر الاستعجال في طلب إيقاف تنفيذ قرار إداري، هو الضرر الذي يمكن أن يلحق بالمركز القانوني للطاعن والذي لا يمكن تداركه في المستقبل لو تم تنفيذ القرار في مواجهته».

وجاء أيضا في حكم للمحكمة الإدارية العليا المصرية الصادر بتاريخ 18 أبريل 1964 « أن سلطة وقف التنفيذ مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردها إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار على أساس وزنه بميزان القانون، وزنا مناطه مبدأ الشرعية، فلا يقضى بوقف تنفيذ قرار إداري، إلا إذا تبين له على حسب الظاهر من الأوراق، ومع عدم المساس بأصل طالب الإلغاء .

إن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين الأول قيام الاستعجال بأن يرتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها، والثاني يتصل بمبدأ المشروعية، بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائما على أسباب جدية». 

والملاحظ أن بعض الاتجاهات القضائية في المحاكم الإدارية تبنت تفسيرا جامدا لمقتضيات المادة 24 من قانون 90-41، واشترطت أن يقدم طلب إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية، بصفة مستقلة متى كان النزاع المثار بشأن القرار المراد إيقاف تنفيذه معروضا أمام الجهة نفسها».

وقد جاء في فرنسا إلزام إرفاق طلب وقف التنفيذ بمقال الإلغاء ضد القرار نفسه بمقتضى مرسوم 28 يناير 1969، وهو ليس من النظام العام، بحيث إذا لم يقدم المدعي مقال دعوى الإلغاء بصفة مستقلة، فإن القاضي يطلب منه استيفاء هذا الشرط الشكلي. 

ويجب أن يرفع طلب وقف التنفيذ قبل تمام التنفيذ،  فإذا كان التنفيذ تم فتنعدم المصلحة، إذ لا يبقى ثمة فائدة عملية من وقف التنفيذ.

أما القرارات التي نفذت ولكنها تستمر إحداث آثارها القانونية، فيمكن أن تكون محلا لوقف التنفيذ إذا كان هناك مصلحة في ذلك.

على خلاف ذلك اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها الصادر بتاريخ 29 يونيو 2005  أن « الإيقاف يعني إيقاف أضرار في أي وقت وقبل الفصل في الدعوى الموضوعية، وأن الهدف من الإيقاف هو « غل يد الإدارة و الاستمرار في تنفيذ القرار أو نتائجه إلى حين إفراغ الخصومة من مضمونها.

وبالنظر إلى الطبيعة الاستعجالية للأمر بوقف التنفيذ تجعله حكما قضائيا مشمولا بالتنفيذ المؤقت».

كما جاء في حكم للمحكمة الإدارية بأكادير صادر بتاريخ 29 يونيو 2005 « وحيث إنه وبالنظر إلى طبيعة الطلب ولجديته، وإلى حالة الاستعجال، يتعين شمول الحكم بالنفاذ المعجل» .

وهكذا جاء في المادة 13 من القانون رقم 03-80 المحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية « يجب على محكمة الاستئناف أن تبت في طلب الاستئناف المتعلق بوقف تنفيذ قرار إداري داخل أجل ستين يوما من توصل كتابة ضبط محكمة الاستئناف بالملف.

ليس لاستئناف الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ قرار إداري أثر «واقف» بمعنى أن الطعن بالاستئناف، لا يترتب عنه وقف تنفيذ الحكم سواء كان الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل أو لا.

وأوضحت المحكمة الإدارية العليا المصرية في قرارها الصادر بتاريخ 10دجنبر1969 معنى الاستعجال بقولها « يتعين على القضاء الإداري ألا يوقف تنفيذ قرار إداري إلا عند قيام ركن الاستعجال، بمعنى أنه يترتب على تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء نتائج يتعذر تداركها، كأن يكون من شأن تنفيذ القرار حرمان الطالب من فرصة أداء الامتحان لو كان معه حق فيه، مما يتعذر معه تدارك النتيجة التي تترتب على ذلك، وثم لو صدر القرار بهدم منزل أثري، أو بمنع مريض من السفر للعلاج، في مثل هذه الحالات يكون ركن الاستعجال قائما، فإذا نفذ القرار استنفد كل أغراضه.

كما بينت محكمة القضاء الإداري المقصود بنتائج التنفيذ التي يتعذر تداركها، إذ قضت بأنها النتائج التي يستحيل أو يمتنع معها إعادة إصلاحها عينا، بإعادة ما كان إلى ما كان عليه، من النوع والجنس نفسيهما، كما هو مثلا في حالة سحب أو إلغاء الترخيص».

وبخصوص طلب وقف تنفيذ قرار برفض الترخيص، اعتبرت المحكمة الإدارية العليا المصرية بموجب قرارها الصادر بتاريخ 22 ماي 1964 « أن المشرع إذ خول القضاء الإداري صلاحية وقف تنفيذ القرارات الإدارية المطعون فيها بالإلغاء، إنما استهدف تلافي النتائج الخطيرة التي قد تترتب على تنفيذها، مع الحرص في الوقت نفسه على مبدأ افتراض سلامة القرارات الإدارية وقابليتها للتنفيذ .. وحيث إن البادي أنه ليس من شأن تنفيذ القرار برفض الترخيص أن يترتب عنه نتائج يتعذر تداركها، ومن ثم فإن طلب وقف التنفيذ يكون فاقدا أحد ركنيه اللذين ينبغي أن يقوم عليهما، ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في رفضه لهذا الطلب، دون حاجة إلى استظهار جدية أو عدم جدية الأسباب التي تستند عليها الدعوى».

كما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 27 دجنبر 2006 « حيث إن المقتضى القانوني المانع من الطعن، لا يمكن أن ينسحب أثره على دعوى الطعن بالإلغاء، الذي يمكن القضاء الإداري من بسط رقابته على مشروعية القرارات الإدارية، وفحص مدى مطابقتها للقانون «.

ويكون الحكم القاضي بإيقاف تنفيذ القرار الإداري قابلا للتنفيذ بمجرد صدوره بقوة القانون، استنادا لمقتضيات المادة 13 من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية والتي تنص على أنه»ليس لاستئناف الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ قرار إداري أثر واقف..».

وينص الفصل 464-7 الفقرة الثانية من مدونة التجارة الفرنسية أن الطعن ليس له أثر موقف، ويمكن للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بباريس أن يأمر بإيقاف تنفيذ الإجراءات التحفظية، التي يمكن أن تترتب عنها نتائج أو أضرار لا يمكن تداركها.

لكن سكوت بعض القوانين المتعلقة بهيآت النوظمة إزاء قبول طلبات إيقاف التنفيذ، يحتم الرجوع للقواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية أو المساطر الخاصة.

وهكذا اعتبرت محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 5 يوليوز 1972 «إن استمرار هذه الحالة سوف تترتب عنه أضرار خطيرة يصعب تداركها، وحيث إن الوضعية التي أضحت عليها الشركة من جراء تنفيذ القرار الوزيري المطعون فيه تكتسي صبغة الاستعجال، وتدخل ضمن الحالات الاستثنائية «.

وقد قبل مجلس الدولة الفرنسي إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية المطعون فيها بالإلغاء بشروط معينة:

– أن يكون القرار قد أدخل تعديلا من حيث الواقع مقارنة مع ما سبق؛

– أن يكون الضرر غير قابل للإصلاح أو صعب إصلاحه؛

– الوسائل المثارة يجب أن تكون جدية .

كما جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 17 نونبر 2008» حيث يهدف الطلب إلى إيقاف تنفيذ القرار الصادر عن المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري تحت رقم 08-43 بتاريخ 12-11-2008 القاضي بقبول طلب نشر حق الرد المقدم من شركة المساء ميديا.

وحيث لئن كان الأصل أن القرارات الإدارية تصبح قاعدة في مواجهة المخاطبين بها المحدد صدورها، واستيفاء الشكليات التي تحددها القوانين والمراسيم، دونما حاجة إلى استعانة الإدارة بسلطة أخرى، بالنظر إلى امتيازات السلطة العامة أو الأولوية المعترف بهما لها، انطلاقا من قرينة مشروعية الامتيازات يتيح للمخاطب بالقرار الإداري حق المطالبة بإيقاف تنفيذه عن طريق تعليق مواجهة بآثاره مؤقتا إلى حين البت في طلب إلغائه.

وحيث إنه انسجاما مع خلق توازن مع مصدر القرار الإداري والمخاطب به، فقد نصت المادة 24 من القانون المحدث بموجبه محاكم إدارية إلى إمكانية استصدار حكم بإيقاف تنفيذه بشكل استثنائي باعتبار هذه الإمكانية استثناء عن الأصل العام المتحدث عنه سابقا.

وحيث إن تواتر الاجتهاد القضائي على تعليق الاستجابة إلى طلبات إيقاف التنفيذ على توفر عنصرين، هما الجدية في القرار والاستعجال الذي ينطوي عليه الطلب.

وحيث إنه في ما يخص عنصر الجدية، فإن قيامه يقتضي أن تكون الوسائل المثارة في دعوى الإلغاء على قدر من الجدية، قد تؤول حسب قراءتها الظاهرية إلى إلغاء القرار وجعل مشروعيته محل شك، وهو الأمر الغير المتوافر في نازلة الحال، مما يتعين معه رفض الطلب دونما الخوض في عنصر الاستعجال».

جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 21-11- 2008، «حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإيقاف تنفيذ القرار الصادر عن المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري بتاريخ 19-11-2008 القاضي بأمر الطاعنة بالبت الفوري بالصوت والصورة للبيان في بداية النشرتين الإخبارتين المسائيتين باللغتين العربية والفرنسية.

وحيث تواتر الاجتهاد القضائي على تعليق الاستجابة إلى طلبات إيقاف التنفيذ على توفر عنصرين هما الجدية في القرار والاستعجال الذي ينطوي عليه الطلب.

وحيث إنه في ما يخص عنصر الجدية، فإن قيامه يقتضي أن تكون الوسائل المثارة في دعوى الإلغاء على قدر من الجدية، قد تؤول حسب قراءتها الظاهرية إلى إلغاء القرار أو جعل مشروعيته محل شك جدي.

وحيث بالرجوع إلى أوراق الملف، سيما القرار المطلوب إيقاف تنفيذه، يتبين أنه قام على أن الطاعنة تأخرت في تنفيذ القرار نفسه المطلوب إيقافه، ولم تطبقه تطبيقا سليما.

وحيث علاوة على توافر عنصر الاستعجال فإن إقرار الجهة المصدرة للقرار بسبقية تنفيذه من قبل الطاعنة، إلا أن تنفيذه كان متأخرا ومعيبا يجعل عنصر الجدية في طلب الإيقاف متوافرا، إلى حين البت في دعوى الموضوع، للتأكد من مد انطواء تنفيذ القرار المذكور على أي عيب مما يتعين معه إيقاف تنفيذ القرار».

وبعد صدور القانون القاضي بنقل الاختصاص في نظر الطعون المرفوعة ضد مجلس المنافسة لمحكمة الاستئناف بباريس، اعتبر المجلس الدستوري، أن عدم منح محكمة الاستئناف بباريس اختصاص الحكم بوقف التنفيذ، بالنسبة للقرار المتنازع حوله، هو أمر يتعارض مع الدستور، وقد جاء فيه «بالنظر إلى الطبيعة غير القضائية لمجلس المنافسة، وإلى مدى خطورة الجزاءات المالية التي يمكن أن يحكم بها، فإن حق المتقاضي الذي يتقدم بدعوى ضد قرارات هذا الجهاز في طلب الحصول على إرجاء تنفيذ القرار المطعون فيه، يمثل ضمانة أساسية بالنسبة لحقوق الدفاع، لأن المجلس الدستوري عاين أن ضمانة إيقاف التنفيذ التي كان يتمتع بها المتقاضون أمام مجلس الدولة، أصبحت مهددة بتحويل الاختصاص لمحكمة الاستئناف بباريس، وهو ما يشكل مخالفة دستورية لمبدأ المساواة وضمانات التقاضي المنصوص عليها في الدستور الفرنسي.

وقد جعل هذا الموقف القضائي من التدخل التشريعي ضرورة حتمية فبادر المشرع الفرنسي إلى إعادة النظر في قانون المنافسة الصادر في 06 يوليوز 1987، لذلك أصبح الاختصاص ينعقد للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بباريس بمنح الأمر بوقف أو إرجاء تنفيذ المقرر المطعون فيه، في الحالة التي يكون فيها من شأن الجزاء الإداري، أن يتسبب في نتائج ضارة، لا يمكن تداركها، أو في الحالة التي تظهر فيها وقائع جديدة ذات خطورة استثنائية .

فالطعن ضد قرارات مجلس المنافسة كقاعدة عامة، ليس له أثر موقف للتنفيذ، لكن يمكن للمتضرر تقديم طلب وقف التنفيذ إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بباريس.

والملاحظ من خلال استقراء موقف الاجتهاد القضائي الإداري المغربي والمقارن، أن هناك نوعا من الحذر والتحفظ في إقرار وقف التنفيذ، وهو أمر منطقي للغاية، «لأن التساهل في تقرير هذا الإجراء، قد يشكل تهديدا لفعالية قرارات مجلس المنافسة، كما أنه لا يتم اللجوء إليه إلا لماما «.

وهكذا جاء في أمر قاضي المستعجلات بإدارية وجدة « لكن حيث إن مقتضيات المادة 24 من قانون 24.90 تعطي للمحكمة الإدارية قضاء موضوعا بواسطة هيأة قضاء الإلغاء، للأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ القرار الإداري لحالة الاستعجال وجدية السبب، مما يبقى معه الطلب الرامي إلى إيقاف تنفيذ القرار الإداري المذكور المقدم إلى رئيس المحكمة الإدارية بوصفه قاضيا للمستعجلات مرفوعا إلى جهة قضائية مختصة».

ويكون الحكم القاضي بإيقاف تنفيذ القرار الإداري قابلا للتنفيذ، بمجرد صدوره بقوة القانون، استنادا للمادة 13 من قانون المسطرة المدنية، وهو لا يقيد قاضي الموضوع عند الفصل في دعوى الإلغاء، بمعنى أنه لا يترتب عنه وبالضرورة إلغاء القرار الإداري المحكوم بوقف تنفيذه.

لكن هل تشمل مسطرة إيقاف تنفيذ قرارات الهيآت الناظمة، بالإضافة إلى القرارات الإيجابية حتى القرارات السلبية ؟.

لقد استقر مجلس الدولة الفرنسي على عدم جواز إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية على اعتبار «أن القاضي الإداري غير مؤهل ليرسل أوامر للإدارة، ومن ثم لا تستطيع المحاكم الإدارية وكذلك مجلس الدولة كمبدأ عام، أن يأمر بوقف تنفيذ قرار إداري إلا إذا كان قرارا تنفيذيا «. 

وأن مجلس الدولة الفرنسي خلص من خلال هذا القرار إلى بعض المبادئ التي يمكن إجمالها في ما يلي:

أولا: من حيث المبدأ، فإن القاضي الإداري لا يستطيع أن يأمر بوقف تنفيذ القرارات الإدارية، إلا إذا تعلق الأمر بقرار تنفيذي décision exécutoire وذلك تبعا لعدم استطاعته توجيه أوامر للإدارة.

ثانيا: لا يحكم بوقف تنفيذ قرار إداري بالرفض، إلا في حال ما إذا ترتب عن تنفيذ هذا القرار تعديل في المركز القانوني أو الواقعي السابق لإصدار وجوده،  وأن تكون الوضعية المراد حمايتها شرعية.

لكن القضاء المصري كان له موقف مخالف، إذ اعتبر أن جميع القرارات الإدارية تقبل إيقاف التنفيذ، لا فرق بين القرارات الإيجابية والقرارات السلبية. وهكذا جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا صادر بتاريخ 15 يونيو 1985 « لما كان الامتناع يشكل قرارا سلبيا يصلح أن يكون محلا للطعن بالإلغاء، فإن الدعوى المقامة بطلب الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار تكون مقبولة «.

إذا كانت بعض المحاكم الإدارية بالمغرب استطاعت أن تؤسس موقفها بشكل واضح من خلال استجابتها لطلب إيقاف تنفيذ القرار السلبي، كما هو الشأن بالنسبة إلى الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير تحت عدد 11 بتاريخ 19 مارس 1998 ، الذي استجابت بمقتضاه للطلب الرامي إلى إيقاف تنفيذ قرار الرفض الضمني لطلب إعادة تسجيل الطاعن بالسنة الأولى من دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية الشريعة بأكادير.

فإن موقف محكمة النقض، سار خلافا لهذا الاتجاه «حيث إن القرارات السلبية الصادرة عن الإدارة لا تعتبر قرارات تنفيذية بالمعنى الاصطلاحي الذي تكتسيه القرارات الإيجابية للإدارة، والتي يكون الخاضع لها مهددا بالتنفيذ في كل وقت وحين، ومن مصلحته أن يلجأ إلى طلب إيقاف التنفيذ، لأن ممارسة التنفيذ من قبل الإدارة يجعل طلب إيقاف التنفيذ بدون موضوع كما استقر عليه الاجتهاد القضائي الإداري.

وحيث إنه بالمقابل فإن إيقاف تنفيذ ما يعرف بالقرار السلبي للإدارة الناتج عن عدم الجواب على طلب قدم إليها، يعني أن القاضي الإداري قد تجاوز مرحلة إيقاف التنفيذ المطلوب، واستبق الأحداث، فحل محل الإدارة في العمل على استصدار المقرر المطلوب قبل البت في مشروعيته، ومراقبة موقف الإدارة من الطلب.

وحيث إنه مما لا شك فيه، أن القرار الإداري السلبي يتضمن في حقيقة الأمر امتناع الإدارة من القيام بعمل الشيء، الذي يفيد أن المعني بالأمر الذي استصدر المقرر السلبي المذكور بقي في الوضعية السابقة على صدور المقرر المذكور، فيكون هذا المقرر قد أنتج آثاره أي نفذ بالفعل، ما يحمل على القول بأن طلب إيقاف التنفيذ لم يعد له موضوع، وبأننا أمام قرار إيجابي تم تنفيذه من قبل الإدارة قبل طلب إيقاف تنفيذه، فلم يعد بوسع المعني بالأمر أن يطعن في مشروعية مقرر الرفض الضمني، لمراقبة مدى مشروعية المقرر الإداري السلبي الصادر عن الإدارة، والذي اتخذت من خلاله موقفا محددا من طلب الطاعن عندما فسر سكوتها بالرفض الضمني لطلبه «.

هذا الاتجاه كان له تأثير واضح على اتجاه المحاكم الإدارية، فقد جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط في حكمها الصادر بتاريخ 1 أكتوبر 1999 «إن القرار المطعون فيه المطلوب إيقاف تنفيذه يعتبر من القرارات السلبية، وأنه من المتفق عليه فقها وقضاء أن القرارات الإدارية السلبية غير قابلة لإيقاف تنفيذها.

كما جاء في حكم آخر بتاريخ 27 أكتوبر 2005 « وحيث إن القرارات السلبية الصادرة عن الإدارة، وإن كانت قرارات قابلة للطعن بالإلغاء على غرار القرارات الإيجابية فإنها لا تعتبر قرارات تنفيذية بالمعنى الاصطلاحي، الذي تكتسيه القرارات الإيجابية للإدارة والتي يكون الخاضع لها مهددا بالتنفيذ في كل وقت وحين، ومن مصلحته أن يلجأ إلى طلب إيقاف التنفيذ، بل على العكس من ذلك، فإن القرارات السلبية تنفذ بدون مظاهر خارجية، ولا يتجاوز تنفيذها لحظة صدورها، فتنتج فورا وفي الوقت نفسه كل الآثار المستهدفة منها «.

وتطرح إشكالية مدى جواز إيقاف تنفيذ القرارات المؤقتة بتوقيف الموظف وغيرها من الإجراءات التحفظية؟

وجوابا عليها اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط بموجب حكمها المبدئي الصادر بتاريخ 29-5-2013 « وحيث إن الصفة المؤقتة لقرار توقيف الطاعن عن العمل في انتظار عرضه على المجلس التأديبي لا تمنع من الطعن فيه لعيب من عيوب دعوى الإلغاء لاستجماعه شروط القرار الّإداري القابل للطعن  ولاسيما من حيث الصفة التنفيذية للقرار أي أنه مؤثر في مركزه القانوني، لأن نهائية القرار لا تعتبر شرطا للطعن فيه.

وحيث إن تواتر الاجتهاد القضائي على تعليق الاستجابة إلى طلبات إيقاف التنفيذ على توفر عنصرين هما الجدية في القرار والاستعجال الذي ينطوي عليه الطلب .

وحيث إن توافر عنصر الجدية  بمفهوم شروط تطبيق  الفصل 73 من النظام  الأساسي العام للوظيفة العمومية، وتقدير الهفوة الخطيرة، ورقابة القضاء عليها، التزاما بمبدأ المشروعية الدستوري، وسيادة القانون بما يعنيه من حكامة المرفق العمومي، وحماية موظفيه، والاستعجال الناتج عن الضرر المترتب عن القرار، يجعل طلب إيقاف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤسسا وحليفه  الاستجابة  «.

ومن المهم الإشارة إلى أن القرارات الإدارية المنعدمة لا يجوز وقف تنفيذها، لأن العيب الذي لصق بها قد بلغ حدا من الجسامة، فالقرار لا يكون باطلا فحسب بل يكون منعدما، ولا تستقر آثاره بعد فوات ميعاد الطعن أو السحب، فيعتير كأن لم يوجد أصلا ولا ينبني عليه مركز قانوني مهما طال الوقت، ويجوز التعرض لما ينسب إليه من آثار سواء بدعوى أصلية بإعلان بطلانه أو بصفة تبعية أثناء توجيه طلبات، تتعارض مع قيام هذا العمل، فلا يعتصم هذا العمل ولا تستقر نتائجه بانقضاء الزمن.

آثار وقف تنفيذ القرارات الإدارية

ليس من صلاحية محكمة وقف التنفيذ أن تتعرض لما يدخل في موضوع النزاع، وهذا جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 30 شتنبر 2004 «وحيث إنه في ما يخص الدفع المستمد من عدم قابلية القرار لوقف التنفيذ باعتباره مجرد إجراء دخلي، فإنه يجدر التذكير على أن للقول بقابلية العمل الإداري لوقف التنفيذ، يقتضي القول بقابليته للإلغاء، وأن هذه المسألة الأخيرة ترجع إلى اختصاص قاضي الإلغاء، وليس إلى قاضي وقف التنفيذ الذي تنحصر صلاحيته في التأكد من وجود شروط وقف التنفيذ من عدمها».

إذا كان الحكم بوقف التنفيذ، يحوز حجية مؤقتة تنتهي بصدور حكم في موضوع طلب الإلغاء، فهو لا يقيد المحكمة عند فصلها في الطلب، فلها أن تقضي بقبول طلب الإلغاء أو رفضه، لكن التساؤل المطروح، هل الحكم بوقف التنفيذ يكتسي حجية فيما فصل فيه من دفوع ومسائل فرعية، كالاختصاص والدفع بعدم قبول الدعوى، وكان الفصل فيها لازما للبت في وقف التنفيذ.

أجابت المحكمة الإدارية العليا المصرية عن هذا الإشكال، في قرارها الصادر بتاريخ 12 أبريل 1958 « إن الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ، هو حكم قطعي وله مقومات الأحكام وخصائصها، وينبني على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام في خصوص موضوع الطلب ذاته، ولو أنه مؤقت بطبيعته، طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما قضت به هذه المحكمة من مسائل فرعية، قبل البت في موضوع الطلب، كالدفع بعدم الاختصاص النوعي أو الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، لأن القرار المطعون فيه ليس نهائيا، إذ أن قضاء المحكمة في هذا كله ليس قطعيا فحسب، بل هو نهائي أيضا وليس مؤقتا، فيقيدها عند نظر طلب إلغائه، فما كان يجوز لمحكمة القضاء الإداري والحالة هاته بعد أن قضت بحكمها برفض الدفعين بعدم الاختصاص النوعي وبعدم قبول الدعوى، أن تعود عند نظر طلب الإلغاء فتفصل في الدفعين من جديد لأن حكمها الأول كان قضاء نهائيا، وحاز حجية الأحكام ثم قوة الشيء المحكوم به «.

كما اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط بموجب حكمها الصادر بتاريخ 25-4-2013  «وحيث إن محكمة قضاء إيقاف التنفيذ لا تملك القطع في الاختصاص النوعي، وإنما لها أن تتلمس ما يراه من وثائق الدعوى  ودفوعات الأطراف من خلال التعرض له ضمنيا إيجابا أو سلبا باعتباره قضاء استعجالي موضوعي، لا يمكنه إلزام محكمة الموضوع برأيه القانوني، ودون البت فيه بحكم مستقل، لتنافي ذلك مع خاصية الاستعجال وعدم إهدار الحماية المؤقتة بدفوع قد تجافي البت في الأجل المعقول، ومبدأ حسن النية في التقاضي «.

وتقبل الأحكام الإدارية الصادرة في مجال إيقاف التنفيذ الطعن، بجميع طرق الطعن عدا الطعن بإعادة النظر، فقد جاء في قرار لمحكمة النفض صادر بتاريخ 2 يناير 1986، « وحيث إن القرار المطعون فيه بإعادة النظر لم يفصل في موضوع النزاع الأصلي الرامي إلى إلغاء مقرر إداري، وإنما صدر في موضوع متفرع عنه هو إيقاف تنفيذ هذا المقرر، ولذلك لا يمكن أن يكون محل الطعن فيه بإعادة النظر، الأمر الذي يترتب عنه أن الطلب غير مقبول..»

وهكذا جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 5 نونبر 1955 «إن رقابة القضاء الإداري للقرارات الإدارية سواء في مجال وقف تنفيذها أو في مجال إلغائها هي رقابة قانونية تسلطها في الحالتين على هذه القرارات لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها للقانون نصا وروحا، فينبغي أن لا تلغي قرارا إداريا إلا إذا شابه عيب من هذا القبيل، وألا توقف قرارا إلا إذا كان حسب الظاهر من الأوراق يتسم بمثل هذا العيب، وقامت إلى جانب ذلك حالة الاستعجال، بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، فالرقابة في الحالتين تجد حدها الطبيعي عند مشروعية أو عدم مشروعية القرار طبقا للقانون، والفارق بينهما منحصر في أثر الحكم، هذا يوقف تنفيذ القرار مؤقتا لحين الفصل في طلب الإلغاء، وذاك يعدمه إذا قضى بإلغائه، فليس لمحكمة القضاء الإداري في صدد وقف تنفيذ القرار الإداري رقابة تختلف في حدودها عن تلك الرقابة القانونية تقصر عنها سلطة المحكمة الإدارية العليا، بل النشاطان متماثلان في الطبيعة وإن اختلفا في الرتبة، إذ مردهما في النهاية، إلى مبدأ المشروعية تلك تسلطه على القرارات الإدارية سواء في مجال وقف تنفيذها أو إلغائها، وهذه تسلطه عليها في الحالتين ثم على الأحكام «.

كما جاء في حكم للمحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 5-11-1955»إن الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري، وإن كان حكما «مؤقتا»بمعنى أنه لا يقيد المحكمة عند نظر أصل طلب الإلغاء، إلا أنه حكم قطعي، وله مقومات الأحكام وخصائصها، ويحوز قوة الشيء المقضي به في الخصوص الذي صدر فيه، طالما لم تتغير الظروف، وبهذه المثابة يجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، استقلالا شأنه في ذلك شأن أي حكم انتهائي، والقول بلزوم انتظار الحكم في دعوى الإلغاء، هو لا لزوم بما لا يلزم، فضلا عما ينطوي عليه من مجافاة لطبائع الأشياء في أمر المفروض فيه أنه مستعجل بطبيعته تتعرض فيه مصالح ذوي الشأن للخطر، ويخشى عليه من فوات الوقت «.

وهكذا يكون الحكم الصادر بوقف التنفيذ مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون، ويعتبر من الأحكام القطعية والمؤقتة، وهو بذلك لا يقيد قاضي الموضوع عند الفصل في دعوى الإلغاء بمعنى أنه لا يقضي بصفة تلقائية بإلغاء القرار الإداري المحكوم بوقف تنفيذه.

ومن المهم الإشارة في نطاق بحث صلاحية محكمة النقض، في إيقاف القرارت المطعون فيها بالنقض إلى مقتضى هام يتعلق بمنطوق الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه «لا يوقف الطعن أمام محكمة النقض التنفيذ إلا في الأحوال الآتية:

1 – في الأحوال الشخصية.

2 – في الزور الفرعي.

3 – التحفيظ العقاري.

 يمكن علاوة على ذلك للمجلس بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية، أن يأمر بإيـقاف تنفـيذ القـرارات والأحكام الصادرة في القضايا الإدارية ومقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء». وعلى ضوء ذلك يستخلص على أنه لا يمكن إيقاف تنفيذ القرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض لصيرورتها نهائية بصفة غير قابلة للرجوع.

بقلم الأستاذ محمد الهيني

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *