القرار عدد 1299
الصادر بتاريخ 28 ماي 2015
في الملف الاجتماعي عدد 388-5-1-2014
القاعدة:
لئن كانت مدونة الشغل قد حددت السن الأدنى للتشغيل وذلك بمقتضى المادة 143 من مدونة الشغل، فإنها بالمقابل لم تحدد السن الأقصى لقبول تشغيل الأجراء
المادة 526 من مدونة الشغل والتي تسري على الأجراء المزاولين لعملهم وهم لم يبلغوا بعد سن التقاعد وذلك حفاظا وضمانا لحقوقهم الخاصة براتب المعاش
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
حيث يستفاد من مستندات الملف، ومن القرار المطعون فيه المشار إليه أعلاه، أن الطالبة تقدمت بمقال افتتاحي تعرض فيه أنها تشتغل لدى المدعى عليها من 20-01-2009 إلى 16-02-2011 بأجرة شهرية قدرها 600 درهم إلى أن تم طردها دون مبرر ملتمسة الحكم لها بمجموعة من التعويضات، وبعد الإجراءات المسطرية أصدرت المحكمة الابتدائية حكما قضى لها بتعويض عن الاخطار والفصل والطرد التعسفي والعطلة السنوية وفارق الحد الأدنى للأجير والأجرة الشهرية لشهر أكتوبر ونوفمبر ودجنبر من سنة 2010 ويناير 2011 مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل ما عدا التعويضات المرتبطة بمهلة الإخطار والفصل والضرر وتحميل المدعى عليها الصائر وبرفض باقي الطلبات، استؤنف من طرف المشغلة وعلى إثر ذلك أصدرت محكمة الاستئناف قرارا يقضي بإلغاء الحكم المستأنف وتصديا الحكم برفض الدعوى وتحميل المستأنف عليها الصائر في إطار المساعدة القضائية وهو القرار المطعون فيه بالنقض.
في شأن السبب الوحيد:
تعيب الطالبة على القرار المطعون فيه انعدام الأساس القانوني وفساد التعليل وخرق قواعد الاثبات، ذلك أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قضت بإلغاء الحكم المستأنف في جميع ما قضى به وتصديا الحكم برفض الدعوى بعلة أنه بصرف النظر عن المغادرة التلقائية من عدمها فإنه من الثابت من تصريحات المستأنف عليها أن عمرها حوالي 70 سنة، ومن تم فإنه تطبيقا لمقتضيات المادة 926 (الصحيح 526 ) من مدونة الشغل، فإنه يجب أن يحال إلى التقاعد كل أجير بلغ سن الستين سنة، غير أنه يمكن الاستمرار في الشغل بعد تجاوز هذا السن بناءا على قرار تتخذه السلطة المكلفة بالشغل وبطلب من المشغل وبموافقة الأجير مادام أن الأجيرة المستأنف عليها طالبت بحقوقها العمالية في إطار مدونة الشغل فإنه يتعين إعمال أحكام هذه المدونة التي قيدت إمكانية الاستمرار في العمل بعد تجاوز الستين سنة بالحصول على قرار من السلطة المكلفة بالشغل وبالتالي فإنه في غياب هذا القرار تبقى ممارسة المستأنف عليها للعمل بعد تجاوز الستين غير خاضعة لمقتضيات مدونة الشغل، وأنه بذلك تبقى مطالبة المستأنف عليها بحقوقها العمالية غير مرتكزة على أساس بغض النظر عن طبيعة عملها وبالتالي فإن الحكم المستأنف يكون قد صدر مجانبا للصواب ويتعين إلغاؤه والحكم من جديد برفض الدعوى، إلا أن هذا التعليل فاسد ولا يستقيم والمنطق القانوني السليم إذ أن بلوغ الأجير سن التقاعد المحدد في 60 سنة لا يلغي حقه في التعويض عن سابق الإعلام وعن الإعفاء والضرر في حالة تعرضه للفصل التعسفي لأنه من المقرر قانونا أنه لا يكفي بلوغ الأجير سن التقاعد المحدد في 60 سنة للقول بأنه أصبح في حكم المتقاعد بل يتعين على المشغل قبل إقدامه على إحالة الأجير على التقاعد أن يتأكد بأن هذا الأخير قضى فترة التأمين المحددة في الفصل 53 من ظهير 27/07/1972 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي ( أي على الأقل 3.240 يوما من التأمين ) وإلا أخر سن التقاعد بالنسبة للأجير البالغ 60 سنة إلى التاريخ الذي يستوفي فيه مدة التأمين المذكورة عملا بالفصل 2 من ظهير 6/5/1982 وهو الأمر الذي لم يتوفر في النازلة، ثم ان التعويضات الأخرى المحكوم بها لفائدة الطالبة ابتدائيا عن الأجرة والأقدمية والعطلة والفرق بين الأجر المتقاضي والحد الأدنى للأجر حقوقا مقررة قانونا ومعززة بإقرار المطلوبة وهي غير مشمولة بمقتضيات نص الفصل 926 الصحيح 526 من مدونة الشغل اعتبارا لكونها حقوقا مكتسبة وهي دين في ذمة المشغلة، مما يبقى معه القرار المطعون فيه فاسد التعليل ومنعدم الأساس القانوني وخارقا لقواعد الإثبات، مما يستوجب نقضه.
حيث ثبت صحة ما عابته الطالبة على القرار، ذلك أنه وإن كانت مدونة الشغل قد حددت السن الأدنى للتشغيل وذلك بمقتضى المادة 143 من مدونة الشغل، فإنها بالمقابل لم تحدد السن الأقصى لقبول تشغيل الأجراء والثابت أن الطالبة التحقت للعمل لدى المطلوبة وسنها يتجاوز الستين سنة فإنه لا نص قانوني يمنعها من ذلك مادام المشغل قد ارتضى تشغيلها حسب السن المشار إليه أعلاه، ذلك أن المطلوب في النقض لما قام بتشغيلها عن عمر يفوق الستين سنة، فهو على علم بأنها تتجاوز سن التقاعد المنصوص عليه في المادة 526 من مدونة الشغل والتي تسري على الأجراء المزاولين لعملهم وهم لم يبلغوا بعد سن التقاعد وذلك حفاظا وضمانا لحقوقهم الخاصة براتب المعاش، اما والحال وان الطاعنة تم التعاقد معها وسنها حوالي 66 سنة، فإن مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل لا يمكن الإعمال بها مادام أن الطالبة لم تكن أجيرة لدى المطلوب قبل بلوغها سن التقاعد، ولا يوجد بالملف ما يفيد أنها كانت تستفيد من راتب التقاعد قبل التحاقها بالعمل لديه حتى يمكن تفعيل مقتضيات المادة أعلاه، وبالتالي فإنها تبقى محقة في تقديم طلباتها بشأن إنهاء العلاقة الشغلية سواء تلك الناتجة عن تنفيذ عقد العمل أو إنهائه وعلى المحكمة أن تناقش أسباب إنهاء هذه العلاقة وكذا مدى أحقية الطالبة في التعويضات المترتبة عن إنهاء عقد الشغل.
والقرار الاستئنافي لما طبق على النازلة مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل للقول بعدم ارتكاز طلبات المدعية على أساس وقضى برفضها فيه خرق لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة الصادر سنة 1958 المصادق عليها من طرف المغرب في 03/07/1963 والتي تعتبر السن كمبرر لإنهاء العلاقة الشغلية من شأنه أن يشكل تمييزا في العمل وبالخصوص المادة 5 من الاتفاقية المشار إليها أعلاه خاصة الفقرة الأخيرة منها.
يكون فاسد التعليل ومنعدم الأساس القانوني، مما يتعين معه نقضه.
لهــذه الأسبــــــاب
قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه
قراءة التعليقات (2)
قرارات و مواضيع مفيذة مزيدا من العطاء
التعليق بقلم بقلم محمد أمين اسماعيلي
صدر عن محكمة النقض قرار عدد 1299 الصادر بتاريخ 28 ماي 2015 في الملف الاجتماعي عدد 388/5/1/2014،[1] بشأن لئن كانت مدونة الشغل قد حددت السن الأدنى للتشغيل وذلك بمقتضى المادة 143 من مدونة الشغل، فإنها بالمقابل لم تحدد السن الأقصى لقبول تشغيل الأجراء. وقد آثار هذا القرار انتباه الباحثين من خلال عدة جوانب منها:
أولا : تحديد سن تشغيل الأجراء وفقا لمدونة الشغل المغربية، اقتصر على تحديد السن الأدنى، وقد تم إغفال تحديد السن الأقصى لقبول تشغيل الأجراء.
ثانيا : تطبيق مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل يقتصر على الأجراء الذين زاولوا مهامهم قبل بلوغهم سن التقاعد عند نفس المشغل، مما يستفاد أنه لا يمكن الإعمال مقتضيات المادة أعلاه مادام أن الأجير(ة) لم يكن أجيرا لدى المشغل قبل بلوغها سن التقاعد .
ثالثا : الحماية المقررة للأجير الذي أقدم على الشغل لدى مشغل بعد بلوغه سن التقاعد تظل ناقصة ولاسيما في ما يخص أحقية الأجير من استفاد من التعويضات المقررة له في ظل مقتضيات هذه المدونة.
وللتعليق على هذا القرار القيم لابد من إعادة استعراض أهم وقائعه ومنطوقه.
ü الوقائع:
تتلخص وقائع هذا القرار، حيث أن الطالبة بصفتها أجيرة تعرض فيه للطرد دون مبرر حيث اشتغلت لدى المدعى عليها من 20-01-2009 إلى 16-02-2011 بأجرة شهرية قدرها 600 درهم، ملتمسة الحكم لها بمجموعة من التعويضات، والحال وان الأجيرة تم التعاقد معها وسنها حوالي 66 سنة.
ü المساطر:
حكمت المحكمة الابتدائية بقبول الطلب المشغلة، وقضى لها بتعويض عن الاخطار والفصل والطرد التعسفي والعطلة السنوية وفارق الحد الأدنى للأجير والأجرة الشهرية لشهر أكتوبر ونوفمبر ودجنبر من سنة 2010 ويناير 2011 مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل ما عدا التعويضات المرتبطة بمهلة الإخطار والفصل والضرر وتحميل المدعى عليها الصائر وبرفض باقي الطلبات.
فيما قضت محكمة الاستئناف قرارا يقضي بإلغاء الحكم المستأنف وتصديا الحكم برفض الدعوى وتحميل المستأنف عليها الصائر في إطار المساعدة القضائية، وهذا هو القرار المطعون فيه بالنقض من طرف المشغلة.
وقد قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه.
ü الادعاءات:
تعيب الطالبة على سبب وحيد يمثل على القرار المطعون فيه انعدام الأساس القانوني وفساد التعليل وخرق قواعد الاثبات،
ü جواب المحكمة :
حيث ثبت صحة ما عابته الطالبة على القرار، ذلك أنه وإن كانت مدونة الشغل قد حددت السن الأدنى للتشغيل وذلك بمقتضى المادة 143 من مدونة الشغل، فإنها بالمقابل لم تحدد السن الأقصى لقبول تشغيل الأجراء والثابت أن الطالبة التحقت للعمل لدى المطلوبة وسنها يتجاوز الستين سنة فإنه لا نص قانوني يمنعها من ذلك مادام المشغل قد ارتضى تشغيلها حسب السن المشار إليه أعلاه، ذلك أن المطلوب في النقض لما قام بتشغيلها عن عمر يفوق الستين سنة، فهو على علم بأنها تتجاوز سن التقاعد المنصوص عليه في المادة 526 من مدونة الشغل والتي تسري على الأجراء المزاولين لعملهم وهم لم يبلغوا بعد سن التقاعد وذلك حفاظا وضمانا لحقوقهم الخاصة براتب المعاش.
أما والحال وأن الطاعنة تم التعاقد معها وسنها حوالي 66 سنة، فإن مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل لا يمكن الإعمال بها مادام أن الطالبة لم تكن أجيرة لدى المطلوب قبل بلوغها سن التقاعد، ولا يوجد بالملف ما يفيد أنها كانت تستفيد من راتب التقاعد قبل التحاقها بالعمل لديه حتى يمكن تفعيل مقتضيات المادة أعلاه.
ü المشكل القانوني:
ما مدى أحقية الأجير الذي تجاوز سن التقاعد القانوني من مزاولة الشغل؟
ما حماية المقررة للأجير الذي بلغ سن التقاعد؟
ومن أجل التعليق على القرار سنتبنى تصميما نرتكز على المحورين التاليين:
§ المحور الأول: السن القانوني للتشغيل
§ المحور الثاني: أثار بلوغ سن التقاعد في ظل مدونة الشغل
المحور الأول: السن القانوني للتشغيل
ينفرد عقد الشغل عن باقي العقود المسماة ببعض الخصوصيات بين أطرافه ولاسيما في إطار العلاقة التي تربط بين المشغل والأجير، الأمر الذي كان لابد من تدخل التشريع بواسطة مقتضيات قانونية تطمح كلها إلى إقامة التوازن بين هذه العلاقة سواء أثناء سريان علاقة الشغل أو بعد انتهائها، ومن ضمن تجلياتها هو تحديد السن القانوني للتشغيل تعزيزا للحماية المقررة لبعض الفئات التي كان يتم استغلالها في ممارسة أعمال لا تنسجم مع طبيعتهم واستجابة لنداءات المنتظم الدولي والمجتمع المدني والمنظمات النقابية.
وفي هذا الإطار سنتطرق إلى معرفة السن الأدنى والسن الأقصى الذي يتم فيه قبول الأجير للشغل.
النقطة الأولى: السن الأدنى لتشغيل الأجير
يعتبر شيوع تشغيل الأحداث من المواضيع التي شغلت باب المهتمين في المجال الاجتماعي، واستأثرت باهتمام المجتمع الدولي أيضا من خلال مجموعة من الاتفاقيات والتوصيات التي تؤطر عمل الأحداث، ونظر لخطورة ظاهرة تشغيل الأطفال عملت المجموعة الدولية إلى تبني الاتفاقية الدولية المتعلقة بالطفل لسنة1989 والتي دخلت حيز التطبيق مند سنة 1990.
واستجابات لهذه المطالب بما في ذلك مطالب الفقه المغربي ومطالب الهيئات المهتمة بحقوق الطفل تم رفع وتحديد سن الأدنى للتشغيل في المغرب إلى حدود 15 سنة، وذلك انسجاما مع الاتفاقية الدولية رقم 138 الصادرة سنة 1973،[2] ويعود الأمر لاعتبارات تبني العديد من التشريعات المقارنة سنا أعلى من 12 سنة، بحيث تقرر مثلا في كل من فرنسا الجزائر تونس 16 سنة كحد أدنى للتشغيل والسنيغال 14 سنة.[3]
وتبعا لذلك كرس المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل هذا التوجه نحو تحديد السن الأدنى للشغل في 15 سنة وذلك طبقا لمقتضيات المادة 143 من القانون أعلاه التي نصت على " لا يمكن تشغيل الأحداث، ولا قبولهم في المقاولات، أو لدى المشغلين، قبل بلوغهم سن خمس عشرة سنة كاملة." فيما حددت مقتضيات المادة 151 من نفس القانون على جزاءات مخالفة المادة 143 والمتمثلة في "يعاقب بغرامة من 25.000 إلى 30.000 درهم على مخالفة المادة 143، وفي حالة العود، تضاعف الغرامة والحكم بحبس تتراوح مدته بين 6 أيام و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين."[4]
وطبقا للمادة 143 من مدوة الشغل اتجه المشرع نحو تحديد الحد الأدنى لقبول الحدث في العمل في 15 مع إمكانية رفع السن إلى 18 سنة في بعض الحالات المضمنة في المادة 145 وما يليها من مدونة الشغل والمتعلقة أساسا بالتمثيل أو التشخيص في العروض العمومية إلا وفق إجراءات معينة[5] والتي حددها المرسوم في 29 دجنبر 2004 بتحديد لائحة المقاولات التي يمنع فيها تشغيل الأحداث دون 18 .
وإذا كان المشرع قد حدد 15 سنة كحدي أدنى للتشغيل لا يمكن النزول عنه تحت طائلة الجزاء المذكور ، فقد أقر ببعض الاستثناءات التي يمكن رفع من ذلك الحد، كما هو عليه الحال التشغيل كمشخص في العروض العمومية أو الحالة الشغل الذي يتطلب أداء ألعاب خطيرة أو القيام بحركات بهلوانية أو التوائية أو الأشغال التي تشكل خطرا على حياة الطفل أو صحته أو أخلاقه.[6]
وموازاة مع ذلك فقد حدد القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط التشغيل والشغل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين[7] الذي دخل حيز الوجود، في ظل تجاوز الوضعية التي كانت تعرفها بعض العاملات و العمال المنزليين الذين يتم تشغيلهم دون السن القانوني، والذين غالبا ما يستثنون من تطبيق أحكام مدونة الشغل كعمال المنازل وعمال البستنة والحراسة وشؤون البيت.
بحيث حددت مقتضيات المادة 6 من القانون 12-19 الحد الأدنى لسن تشغيل الأشخاص بصفتهم عاملات أو عمال منزليين في 18 سنة، غير أنه يمكن خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة بصفتهم عاملات أو عمالا منزليين شريطة أن يكونوا حاصلين من أولياء أمورهم على إذن مكتوب مصادق على صحة إمضائه قصد توقيع عقد الشغل المتعلق بهم.[8]
النقطة الثانية: السن الأقصى لتشغيل الأجير
بمراجعة مقتضيات مدونة الشغل المغربية وما يرتبط بها من نصوص تنظيمية لا نجد نصا قانونيا يحدد السن الأقصى ولوج التشغيل، إنما تتضمن بعض مقتضيات مدونة الشغل ما يتعلق بانتهاء مدة العمل أو الشغل بحيث نصت المادة 526 من مدونة الشغل " يجب أن يحال إلى التقاعد كل أجير بلغ سن الستين. غير أنه يمكن الاستمرار في الشغل، بعد تجاوز هذه السن، بناء على قرار تتخذه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بطلب من المشغل وبموافقة الأجير.
يحدد سن التقاعد في خمس وخمسين سنة، فيما يخص أجراء المناجم الذين يثبتون أنهم اشتغلوا في باطن الأرض طيلة خمس سنوات على الأقل.
تؤخر الإحالة إلى التقاعد، إلى تاريخ اكتمال مدة التأمين، بالنسبة إلى الأجراء الذين لم يكونوا عند بلوغهم سن الستين أو الخمس والخمسين قد قضوا فترة التأمين المحددة بموجب الفصل 53 من الظهير الشريف رقم 184-72-1 الصادر في 15 من جمادى الآخرة 1392 (27 يوليو 1972) المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي."
فإذا كان التقاعد هو توقف الأجير عن مزاولة العمل لبلوغه السن القانونية مع تقاضيه مبلغا شهريا لمعاشه، فهل له الحق في ممارسة الشغل عند نفس المشغل إما في استمرار في العقد أو بإعادة صياغة عقد الشغل من جديد، أو عبر التعاقد مع مشغل آخر؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تقضي منا معالجة مقتضيات المتعلقة بتقاعد الأجير لأنها تحدد لنا السن القانوني الذي يجب على الأجير أن يحال فيه على التقاعد تحت طائلة غرامة مالية من 2.000 إلى 5.000.[9] وذلك من خلال فرضيتن من أجل الخروج باستنتاج مقنع.
الفرضية الأولى: الإحالة إلى التقاعد إلى تاريخ اكتمال مدة التأمين، بالنسبة إلى الأجراء الذين لم يكونوا عند بلوغهم سن الستين أو الخمس والخمسين، يستوفون فيه مدة التأمين المذكورة إذا كان القانون المحدد بضرورة الاشتغال لمدة 3240 يوم عمل.[10]
كما يملك المشغل وفق التعديل الجديد الذي نص عليه القانون رقم 17.02 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي على إمكانية إحالة الأجير على التقاعد قبل السن الستين، ذلك ابتداء من سن الخمسة والخمسين وما فوق، وما يسمى بالتقاعد المبكر متى تبث توفر الأجير على 3240 يوما على الأقل من التأمين، حتى يتسنى استفادة المتقاعد المبكر من معاشه.
وبما أن هذه الفرضية لا تطرح إشكالا بخصوص إتمام الأجير للشغل مادام أنه يثبت توفره على 3240 يوما على الأقل من التأمين، حتى بعد بلوغه سن 60 سنة أو الخمس والخمسين. بطلب منه وبترخيص من مشغله الذي يجب عليه أن يؤدي منحة، لهذا الفرض ودفعة واحدة، إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وذلك طبقا لاتفاق خاص يبرم بين المشغل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذي يتم بناء على قرار تتخذه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بطلب من المشغل وبموافقة الأجير.[11]
الفرضية الثانية: الحالة التي يتم فيها تأخير إحالة الأجير على التقاعد رغم بلوغه السن القانوني. حيث تنبه المشرع لهذه الحالة والتي تحتاج فيها المقاولة ومن أجل استمراريتها على براءة الأجير، إذ تحدد استمراريتها على شخصية الأجير بذاته، والتي قد تنعكس على مردوديتها، بحيث يبقى على المشغل سلوك مسطرة إلزامية والتي تتأسس على موافقة الأجير في استمرار في الشغل بعد سن التقاعد وعلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بهذا الشأن، على أنه في مختلف الأحوال يجب على المشغل أن يشغل أجيرا محل كل أجير أحيل إلى التقاعد، عملا بالمادة 526 أعلاه.[12]
الفرضية الثالثة: الحالة التي يتم تشغيل الأجير ابتداء من سن 55 سنة وما فوق بعقد جديد أمام نفس المشغل أو عند مشغل أخر، بالاطلاع على مختلف مقتضيات مدونة الشغل قد لا نجد نص اهتم بهذه الفرضية، ما يفتح المجال أمام قابلية تشغيل الأجراء ما بعد سن التقاعد ما لم يكن هناك مبرر يمنع ممارستهم للأشغال والتي قد لا تتلاءم مع وضعه الصحي والبدني، وفي إطار هذا الفراغ التشريعي الذي قد يفتح الإشكالية أمام القضاء في مدى قابلية تطبيق مقتضيات قانون الشغل على هذه الفئة من عدمها أو في مدى استفادة الأجراء ما بعد سن التقاعد من مقتضيات هذا القانوني، هذا ما سنتعرض إليه من خلال الآثار المترتبة عن بلوغ سن التقاعد
المحور الثاني: أثار بلوغ سن التقاعد بين قابلية تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وعدمها
إذا كان بلوغ سن التقاعد يأتي نتيجة وصول الأجير لسن أصبح فيه عاجزا عن تقديم خدماته ومهامه وفق المعيار الذي تعود عليه إبان شبابه، وإن كان الحق في الصحة من أبرز الحقوق الأساسية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالإنسان، فمن حق الأجير ضمان صحته وصيانة هذا الحق في هذا الجانب،[13] ذلك أن المشغل ملزم بتجهيز هذه الأماكن بكل الوسائل الضرورية التي ترمي إلى خلق بيئة سليمة لعمل الأجراء، وبالتالي وقايتهم من الحوادث التي قد تشكل خطرا على صحتهم البدنية،[14] والتي تضمن لهم الاشتغال في بيئة سليمة تراعي صحته وسلامته.[15]
النقطة الأولى: استفادة الأجير من مقتضيات مدونة الشغل بعد بلوغ سن التقاعد
إن الفرضية التي تمكن الأجير من الاستفادة من مقتضيات مدونة الشغل، هي الفرضية التي يستمر فيه الأجير في الشغل إلى تاريخ اكتمال مدة التأمين، بالنسبة إلى الأجراء الذين لم يكونوا عند بلوغهم سن الستين أو الخمس والخمسين والمحدد بضرورة الاشتغال لمدة 3240 يوم عمل.[16]
كما نضيف إلى ذلك فرضية يمكن للأجير الاستمرار في الشغل، بعد تجاوز هذه السن المذكور أعلاه بناء على قرار تتخذه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بطلب من المشغل وبموافقة الأجير، وهي الحالة التي تصبح فيها وضعية العلاقة التي تربط بين الأجير والمشغل علاقة تبعية قائمة على الاعتبار الشخصي للأجير.
وتبعا في ذلك، فإن استمرار الأجير في الشغل دون اتباع مسطرة المنصوص عليها في إطار مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل، تحرم الأجير من استفاد من المعاش، إذ يجب على الأجير ( المستفيد ) من التعويضات الصادرة عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن يطالب بها داخل أجل خمس سنوات ما لم تحل دون ذلك قوة قاهرة.
كما يعاقب بغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم كل من خالف أحكام هذا الباب المتعلق بسن التقاعد.
النقطة الثانية: عدم قابلية تطبيق مقتضيات مدونة الشغل بعد بلوغ سن التقاعد
قد يلجأ بعض الأجراء بعد بلوغه السن التقاعد المحدد من خلال مدونة الشغل، إما بعقد جديد لدى نفس المشغل أو بإبرام عقد بين مشغل أخر، وإذا كان لا مانع من ذلك مادام أن مقتضيات مدونة الشغل ومختلف النصوص التنظيمية لها لم تحدد السن الأقصى لقبول الأجراء، مادامت طبيعة الشغل تختلف بحسب مدى قدرة الأجير على العمل وقناعة المشغل بالأداء الذي يمارسه الأجير أو خدمات التي تحقق رغبة المشغل في التعاقد معه بمقتضى عقد شغل.
وإذا افترضنا قيام هذه الفرضية، والمتمثلة في قيام الأجير بالتعاقد من جديد أمام نفس المشغل أو أمام مشغل جديد سنفرغ مضمون المادة 526 من مدونة الشغل من مضمونه والغرض الذي بنيت والمتمثل في وضع حد للعلاقة الشغل التي تربط بين الأجير والمشغل على خصوصا إذا تعلق الأمر بعقد غير محدد المدة، على أساس أن عقد الشغل هو من العقود الزمنية أو المتتابعة إذ لا يعقل إبرام عقد شغل لمدى الحياة[17]هذا من جهة.
ومن ناحية أخرى، إن التجاء المشغل إلى ابرام عقد الشغل من جديد أو الاستمرار في العقد دون احترام مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل والتي تحيل إلى المادة 53 مكرر من القانون رقم 17.02 المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم1.72.184 بتاريخ 15 من جمادى الآخرة 1392( 27 يوليو 1972 ) المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي، ولاسيما إذا لم يطالب بها داخل أجل خمس سنوات ما لم تحل دون ذلك قوة قاهرة،[18] من شأن ذلك حرمان الأجير من استفادة من راتب المعاش.
هذا بالإضافة، إلى أن إبرام عقد الشغل مع أجير ما فوق سن التقاعد المحدد بموجب المادة المشار إليها أعلاه من مدونة الشغل، ومقتضيات المادة 53 من القانون رقم 17.02 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي مع مشغل جديد، لا يستقيم مع مقتضيات التي جاءت بها مدونة الشغل في العديد من المحاطات والمتمثل في طبيعة الأشغال وطبيعة احتساب الأجر وكدا ساعات العمل المخصص لهذه الفئة من الأجراء، أضف إلى ذلك إجراءات حفة الصحة والسلامة.
والقول أن هذه الفئة لا تخضع لمقتضيات مدونة الشغل قد يستقيم مع الوضع الحالي ويبقى محققا، على الاعتبار أن ديباجة المدونة حينما تطرقت إلى عدم التمييز بين الأجراء أغفلت ذكر السن مع يفتح المجال أمام المشغل في إعمال سلطته التقديرية، حيث جاء في صياغة ديباجة مدونة الشغل وفق الشكل التالي:
" تطبق مقتضيات هذا القانون في كل أرجاء التراب الوطني وبدون تمييز بين الأجراء يقوم على أساس السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي.
وتعتبر الحقوق التي يقرها حدا أدنى لا يمكن التنازل عنه."
أضف إلى ذلك المادة 9 من مدونة الشغل من خلال القسم الثالث المتعلق بأحكام العامة
المادة 9
" يمنع كل مس بالحريات والحقوق المتعلقة بالممارسة النقابية داخل المقاولة وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل كما يمنع كل مس بحرية العمل بالنسبة للمشغل وللأجراء المنتمين للمقاولة.
كما يمنع كل تمييز بين الأجراء من حيث السلالة، أو اللون، أو الجنس، أو الإعاقة، أو الحالة الزوجية، أو العقيدة، أو الرأي السياسي، أو الانتماء النقابي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي، يكون من شأنه خرق أو تحريف مبدإ تكافؤ الفرص، أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل أو تعاطي مهنة، لاسيما فيما يتعلق بالاستخدام، وإدارة الشغل وتوزيعه، والتكوين المهني، والأجر، والترقية، والاستفادة من الامتيازات الاجتماعية، والتدابير التأديبية، والفصل من الشغل.
يترتب عن ذلك بصفة خاصة ما يلي:
1 – حق المرأة في إبرام عقد الشغل؛
2 – منع كل إجراء تمييزي يقوم على الانتماء، أو النشاط النقابي للأجراء؛
3 – حق المرأة، متزوجة كانت أو غير متزوجة، في الانضمام إلى نقابة مهنية، والمشاركة في إدارتها وتسييرها."
وبالرجوع إلى القرار موضوع التعليق، والذي ارتكزت فيه محكمة النقض القرار الاستئنافي لما طبق على النازلة مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل للقول بعدم ارتكاز طلبات المدعية على أساس وقضى برفضها فيه خرق لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة الصادر سنة 1958 المصادق عليها من طرف المغرب في 03/07/1963 والتي تعتبر السن كمبرر لإنهاء العلاقة الشغلية من شأنه أن يشكل تمييزا في العمل وبالخصوص المادة 5 من الاتفاقية المشار إليها أعلاه خاصة الفقرة الأخيرة منها.[19]
يكون فيه النقض في الحكم قد جانب الصواب، وذلك بتطبيق مقتضيات الاتفاقية المادة 5 من اتفاقية التمييز (في مجال الاستخدام والمهنة) الاتفاقية (رقم 111) الخاصة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة والتي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 25 يونيو 1958، في دورته الثانية والأربعين.[20]
يمكن القول أن هذا القرار سيشكل خطوة بارزة في مسار وضع حد للتمييز بين الأجراء من حيث السن، ولاسيما إذا علمنا أن عديد من المشغلين يستغلون هذه الهفوة التشريعية في مجال ابرام عقود شغل مع أجراء استوفوا سن التقاعد، مستغلين بذلك براءاتهم في مجال الشغل وخبراتهم دون أن يكون لهم غرض من استفاد هذا الصنف من امتيازات التي يمنحها قانون الشغل في إطار إقامة التوازن بين هذه العلاقة التعاقدية.
وإلى جانب ذلك إلى مدى اقرار تطبيق مقتضيات الاتفاقيات المصادق عليها في الجانب المتعلق بالشغل، بحيث جاء في الفقرة الأخيرة من ديباجة المدونة، بحيث تراعى في إطار المسطرة المتعلقة بتسوية نزاعات الشغل الفردية أو الجماعية الأمور التالية حسب ترتيبها:
I.- مقتضيات هذا القانون والاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة المصادق عليها؛
II.- الاتفاقيات الجماعية؛
III.- عقد الشغل؛
IV.- القرارات التحكيمية والاجتهادات القضائية؛
V.- العرف والعادة في حالة عدم تعارضها مع أحكام القانون والمبادئ المشار إليها أعلاه؛
VI.- القواعد العامة للقانون؛
VII.- مبادئ وقواعد الإنصاف.
من هناك يمكن القول بأحقية تمتيع الأجراء بالحقوق الواردة في هذه الاتفاقية المشار إليها أعلاه ومختلف الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب في مجال الشغل والتشغيل حتى و لو لم يتم التنصيص عليها في المدونة، ما دام أن المشرع اعتبر الاتفاقيات المصادق عليها في حكم نصوص المدونة.