الشهادة العدلية بمذكرة الحفظ
وقيمتها امام المحافظة العقارية
لاريب (كما تقول ديباجة القانون 03.16 بشأن خطة العدالة، المأمور بتنفيذه بالظهير الشريف رقم 56.06.1 الصادر في 15 محرم 1427 الموافق 14 فبراير 2006)، في أن خطة العدالة تعتبر محورا أساسيا في المنظومة القضائية، باعتبارها من المهن القانونية والقضائية التي تمارس في إطار مساعدة القضاء، بهدف توثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على الأموال والأنساب، بما يساعد القضاء من الفصل في الخصومات> وأنه من أجل ذلك حظيت خطة العدالة بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي؛ ثم اهتم بها المشرع فقنن أحكامها في عدة قوانين آخرها القانون 03.16 المأمور بتنفيذه بالظهير الشريف رقم 56.06.1 الصادرة في 15 محرم 1427 الموافق 14 فبراير 2006، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5400 الصادرة في 2 مارس 06، الصحيفة 575/566 ؛ وهذا العرض يستهدف تأصيل »الخطاب« ومحاولة تحديد المرحلة التي يصبح فيها الإشهاد العدلي وثيقة رسمية..2 ومن المعلوم أن الشهادة التي يتلقاها ويحررها العدول تتصنف الى صنفين:
الصنف الأول: شهادة أصلية تتضمن ما تلقاه العدلان مباشرة وأملياه من عندهما، مثل الشهادة العلمية بالإراثة أو بشيء آخر، والإشهاد ببيع أو بتوكيل أو برهن أو بزواج أو بغير ذلك من المعاملات؛
والصنف الثاني: شهادة استرعائية، يتلقى العدول بموجبها تصريحات وإشهادات من الغير، ويدخل ضمن هذا الصنف شهادة اللفيف. والتلقيات.
وهنا يلاحظ ان الصنف الأول من الشهادات، وهو الشهادة الأصلية هي من صميم مهمة العدول، باعتبارهم شهودا موثوقا بهم ومؤهلون لذلك قانونا؛ أما الصنف الثاني وهو الشهادة الاسترعائية، فهو ليس من الوظيفة الأساسية للعدول، وإنما يتولونه، حسب الرأي الفقهي السائد نيابة عن القاضي، الذي هو المختص لتلقي شهادات الشهود، وتقييمها، وهو ما تنبئ عنه الصيغة الفقهية المتعارف عليها لخطاب القاضي على الشهادات اللفيفية التي هي »الحمد لله، أدوا (أي أدى الشهود شهادتهم« لدى من قدم لذلك (أي أمام العدلين المتلقيين) لموجبه (وهو تعذر أو صعوبة الاستماع الى الشهود المعنيين من قبل القاضي مباشرة) فثبت (أي الأداء)، وأعلم به (أي أن القاضي الذي أناب عنه العدول في سماع الشهادة، أعلم بها غيره، من القضاة وممن يعنيه الأمر من السلطات، بقصد الاعتدال بالشهادة المتلقاة من قبل العدلين)«؛ مع ملاحظة أن مرسوم الوزير الأول رقم 08/378 بشأن تطبيق أحكام القانون 03.16 جعل، في مادته 38، صيغة الخطاب كما يلي »الحمد لله أعلم بأدائها ومراقبتها«.
والمعروف فقها، المستقر عليه العمل قضاء، أن خطاب القاضي على شهادة العدلين الأصلية، أو على تلقيهما من اللفيف، هو ـ أي الخطاب ـ الذي يعطيها القوة المعترف لها بها، لدرجة أن الفقهاء أجمعوا على أن »الخطاب هو روح الشهادة العدلية«،
وقد عبرت الفقرة الأخيرة من المادة 33 من القانون 03.16 عن المعنى سالف الذكر بقولها »لاتكون الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب، وتعتبر حينئذ وثيقة رسمية«.
غير أن قيمة الخطاب هذه ينبغي أن تقتصر على الشهادات الاسترعائية بمعناها المتقدم، دون الشهادات الأصلية، كما سياتي التعرض لتأصيله وتبريره، وذلك أنه إذا علمنا ان إعداد الشهادة العدلية يمر بتسع خطوات:
أولها: طلب الشهادة من العدلين من قبل من يهمهم الأمر.
ثانيها: تلقي العدلين لتلك الشهادة، أو أدائهما شهادتهم العلمية، بعد استئذان القاضي في ذلك؛ وفق ما تنص عليه المادة 27 من القانون المذكور.
ثالثها: إدراج موجز ومضمن الشهادة، المتلقاة أو المؤداة، في مذكرة أحد العدلين إن تم التلقي في مجلس واحد، أو في مذكرة واحد منهما إن تم التلقي في زمنين مختلفين؛ وفق ما تنص عليه المادة 28 من القانون سالف الذكر، مع ملاحظة أن القانون 03.16 لم يوجب بصفة صريحة توقيع العدلين على مذكورة الحفظ؛ وإنما أشار ـ عرضا ـ في المادة 12 منه الواردة في الفرع الثاني من الباب الأول من القانون المذكور، المتعلق بالحديث عن اختصاصات العدول وواجباتهم الى أنه »يتقاضى العدل مباشرة من طالبي الشهادات الأجور المحددة حسب نوعيتها، بمجرد تلقيها وتوقيع الأطراف على ملخصها بمذكرة الحفظ«.
– رابعها: توقيع الأطراف المعنية، الى جانب العدلين، أو العدل المتلقي في حالة التلقي الانفرادي (إن تم لموجبه)، طبقا للمادة 12 من القانون المنظم لخطة العدالة، سالف الذكر.
– خامسها: تحرير الشهادة المتلقاة أو المؤداة في وثيقة سالمة من أي بشر أو إصلاح أو إقحام أو تشطيب أو إضراب، وفق ما تنص عليه الفقرة 1 من المادة 33 من القانون المشار إليه.
– سادسها: تذييل الوثيقة المحررة بتوقيع العدلين واسميهما، وتاريخ تحريرها وفق ما تنص عليه الفقرة 2 من المادة 33 سالفة الذكر.
– سابعها: أداء العدلين للشهادة أمام القاضي المكلف بشؤون التوثيق (ويتم هذا الأداء عادة بتسليم القاضي نسخة من الشهادة المحررة، وقد يصحب ذلك أداء شفاهي يوضح فيه العدلان للقاضي فحوى الشهادة وظروفها)، وفق ما تنص عليه المادة 34 من القانون سالف الذكر؛
– تاسعها: خطاب القاضي على الوثيقة، وفق ما تنص عليه الفقرتان 1 و 3 من المادة 35 من القانون المشار إليه، والمادة 38 من المرسوم التطبيقي المشار إليه.
– عاشرها: تضمين الشهادة في سجل التضمين المعد لها، بحسب نوعها.
وبعد هذه المراحل العشرة، تكتمل الشهادة العدلية، وتصبح مودعة في السجل المعد لها، حسب نوعها، وتظل رهن إشارة كل من له مصلحة في أخذ نسخ منها، تكون لها نفس قوة أصلها، وفق ما تنظمه المادتان 36 و 37 من القانون المنظم لخطة العدالة، والنصوص المكملة او المتممة.
6 هذا، وإن مفهوم عبارة »وتعتبر حينئذ وثيقة رسمية« الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة 33 من القانون 03.16 المنظم لخطة العدالة، التي تنص على أن »لا تكون الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب، وتعتبر حينئذ وثيقة رسمية«. يطرح سؤالا حول طبيعة الوثيقة العدلية، وحول قوتها الثبوتية قبل الخطاب عليها.
كما أن الخطوات والمراحل التي يتم فيها إعداد الوثيقة العدلية، كما هي مبينة في المادة 27 وما يليها من القانون المذكور، بشأن مراحل إعداد الوثيقة العدلية، تطرح سؤالا فقهيا وقانونيا وإدارية وقضائيا حول المرحلة التي تصبح فيها لاشهادة العدلية مكتملة ملزمة لأطرافها متمتعة بقوتها، وهل يتم لها ذلك بمجرد تلقيها وتدوين موجزها في مذكرة الحفظ وتوقيع العدلين والأطراف المعنية على تلك المذكرة، أوبعد تحريرها في صيغتها الكاملة وتوقيع العدلين عليها، أو بعد أداء واجب التسجيل الذي قد تتطلبه، أوبعد خطاب القاضي عليها، أو بعد تضيمنها.
وهذا السؤال، حول معرفة المرحلة التي »تولد« فيها الوثيقة العدلية، تترتب عليه اثار قانونية هامة، سواء من حيث القيمة الثبوتية للوثيقة، أو من حيث الجزاء الذي يترتب على العبث بها، أو عن التكييف الذي ينبغي أن يعطي للمتابعات التي قد تثار في مواجهة متلقيها، أو شهودها، أو محررها، أو مستعملها.
ان الجواب عن السؤال السالف الذكر يقتضي تعريف »الوثيقة الرسمية«. وبيان المرحلة التي تصبح فيها الوثيقة العدلية مشمولة بهذا التعريف، وتتصف انطلاقا منها بصفة الورقة الرسمية.
أ . 1. لقد عرف الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود الوثيقة الرسمية بقوله:
»الوثيقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.
وتكون رسمية أيضا:
1 الأوراق المخاب عليها من القضاء في محاكمهم.
2 الاحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية،…«.
أ 2. وعرفها القانون المدني المصري بأنها »هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يده أوما تلقاه من ذوي الشأن، طبقا للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه«.
ب ـ وعرفها الأستاذ أحمد نشأت بأنها »كل ورقة صادرة من موظف عام او شخص مكلف بخدمة عمومية مختص بتحريرها من حيث نوعها ومن حيث مكان التحير حسب القواعد المقررة قانونا يثبت فيها ما تلقاه من ذوي الشأن أو ما تم على يديه« (رسالة الإثبات، دار الفكر العربي، ط 7، ج 1 ص 182).
7 في ضوء ما سلف يمكن القول أنه يجب التمييز، بشأن الوثائق التي يحررها العدول ، بين الوثائق التي يتولون فيها الشهادة كعدول شهود، وبين الوثائق التي ينقلون فيها شهادة غيره، نائبين في ذلك عن القاضي؛ وينبغي ان يدرج ضمن القسم الأول: جميع العقود ، ورسوم الزواج، والشهادات التي يشهدها العدول من عندهم؛ وأن يشمل القسم الثاني ما يلقاه العدل من غيره، ويعم ذلك التلقيات والشهادات اللفيفية،. والشهادات المثلية، التي تتأل من عدل وستة من اللفيف.
ولعل من المفيد هنا الإشارة الى أن السبب التاريخي والفقهي لتطلب الخطاب، وتأصيل هذه المسألة، يبرز التمييز السابق:
ذلك أن المفروض في الشهادة ان يتقاها القاضي في مجلس القضاء، غير أنه لما كانت الوقائع والأحداث التي يحتاج الناس الى توثيقها وإثباتها قد تقع صدفة، وفي امكنة وأزمنة، لايتأتى للقاضي حضورها، فقد أبيح للعدلين، استثناء، أن يستمعوا الى اللفيف، نيابة عن القاضي، ثم يرفعوا اليه مضمن ما سمعوه ويؤدوه امامه، من جهة.
ثم إن المعروف فقها وتوثيقا ان القاضي يتمتع بسلطة واسعة في التحريج والتعديل، أي أنه يقبل شهادة من يريد من الناس، ويرد شهادة من يشاء وإذا قبل شهادة الشاهد (العدل) أضفى عليها صبغة الرسمية، بحطابه عليها.
ولهذا فإن أصل الخطاب بالنسبة للشهادات اللفيفية إنما يرجع الى أن العدول إنما تلقوا الشهادة المخاطب عليها بصفتهم نائبين عن القاضي، لابصفتهم أصولا، من جهة، ثم ان القاضي ـ ونظرا لأن خطة العدالة لم تكن منظمة ـ كان »يعدل« من يشاء و »تجرح« من يريد، وينصب للقيام بمهمة العدالة والإشهاد من يراه أهلا لذلك، ولو بمناسبة واقعة معينة؛ ومن هنا كان خطابه، في هذه الحالة، يتضمن في ذات الوقت »تزكية« (وربما تسمية) العدل ولذلك كان الخطاب وقتئذ هو »روح الشهادة«
وأما الشهادات الرسمية من بيوع ورهون وزواج، وما شابه ذلك فإن العدلين يتلقيانها بصفتهما مؤهلين لذلك بموجب نص القانون، وليس بناء على توكيل، صريح أو مفترض ، من القاضي، من جهة؛ ثم العدل يستمد صفة »العدالة« من قرار تعيينه، لا من تزكية القاضي له بمقتضى »خطابه« على شهادته، مما لا داعي مع لتوقف تمام شهادته على الخطاب عليها من قبل القاضي.
و،هذه القاعدة، التي يبررها الفقه والنطق، وروح العصر، تمليها ضرورات عملية لابد من مراعاتها، ويبررها رفع التضارب عن »المفاهيم« القانونية لبعض الأوضاع التي تنتج عن تعليق إعطاء الصبغة الرسمية للشهادات العدلية الأصلية على الخطاب عليها من قبل القاضي، وذلك؛
ـ أنه إن اعتبر الخطاب هو الذي يعطي للوثيقة العدلية صبغتها الرسمية تعين القول ببطلان المتابعات التي تثار ضد بعض العدول من أجل جناية تزوير محررات رسمية، طالما أن ما ينسب الى المتابع منهم عادة ما ينبني علي وقائع مضمنة في مذكرات حفظهم، وليس بناء على تغييرات أدخلوها على الوثيقة أدخلوها على الوثيقة العدلية بعد تحريرها والخطاب عليها.
ـ أنه لايعقل أن تعتبر الشهادة العدلية مجرد ورقة عرفية، والحال أن الحياة العملية تقتضي العمل بها، في بعض المجالات بمجرد تلقيها، وقبل تحريرها والخطاب علها، كما هي الحال في رسوم الزواج التي جرت العادة والعمل على أن لا تتلقى إلا يوم الزفاف والدخول ، مما يفتح المجال ـ إن كان الخطاب هو الذي يضفي الرسمية على الوثائق العدلية ـ للقول بأن الأمر يتعلق بزواج عرفي، مع أن هذا لم يقل به قائل، ونفس الشيء عن الإشهاد بالرجعة.
ـ أن بعض المعاملات، لاسيما في مجال العقار المحفظ، تحتاج الى سرعة، تلافيا لضياع حقوق المتعاقدين، عملا بما هو معلوم ومقرر بنص الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري من أن كل ما لم يقيد على الرسم العقاري من المعاملات الإرادية المنشئة للحقوق العينية أو الناقلة أو المعدلة لها، يعتبر غير موجود الى أن يقيد على الرسم العقاري، وانطلاقا من تاريخ التقييد؛ وذلك لأنه إن توقفت الوثيقة العدلية على اجتياز كل المراحل العشرة السابق ذكرها لتصير رسمية، تعذر تقييدها، ولو احتياطيا، على الرسم العقاري، مما قد يفضي الى ضياع حقوق أحد المتعاقدين، ونشوء منازعات عدلية، والمساس باستقرار المعاملات.
وهنا يجدر التنبيه الي أن ضيغة الفقرة الأولى من الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود، التي تنص على أن »الوثيقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العمومين الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون« الذي يحدده القانون«. تسمح بإضفاء صبغة الوثيقة الرسمي على الوثيقة العدلية، ولا يشوش على هذا الاستنباط ما ورد في ضيغة المقطع 1 من الفقرة الثانية من الفصل المذكور، الذي جاء فيه »وتكون رسمية أيضا: 1، الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم«؛ وذلك لان مضمون الفقرة الأولى سالفة الذكر إنما هي قسيمة ومقابلة لمضمون المقطع 1 من الفقرة الثانية، وليست مرتبطة بها؛ بمعنى أن رسمية الوثيقة لاتتوقف، في المبدإ العام، إلا على توفر عناصرها المستخلصة من التعريف القانوني الوارد في الفقرة الأولى من الفصل 418 والفقهي المتعارف عليه لدى عامة الفقهاء، وتلك العناصر هي: أن يتعلق الأمر بوثيقة مكتوبة، وأن تكون الوثيقة المذكورة متلقاة من قبل موظف عمومي له صلاحية التوثيق، وأن يكون ذلك الموظف مختصا مكانيا لذلك التلقي، وأن يحررها في الشكل المقرر قانون. هذا بطبيعة الحال مع الأخذ بعين الاعتبار أن قانون الالتزامات والعقود نص عام وليس نصا خاصا.
9 وهكذا يبدو جليا أنه آن الأوان لفهم روح الفقه، والتطلع الى وضع أفضل، والي حماية الناس من البطء الذي يتطلبه إعداد الوثيقة العدلية، إن ظل الأمر على العموم المشار إليه، وذلك بالقول بأن الشهادات العدلية الأصلية تعتبر منذ تلقيها وإدراج ملخصها بمذكرة الحفظ والتوقيع عليها شهادات رسمية، تنتج كافة آثار الورقة الرسمية، من يوم تلقيها وتدوينها بمذكرة الحفظ، يؤيد ذلك:
أ. أن القانون 03.16 المنظم لخطة العدالة أضفى في مادته الأولى على العدل صفة »مساعد القضاء«، وأكد في المادة 7 أن تعيينه يتم بقرار من وزيرالعدل، وأوجب عليه في المادة 10 أن يؤدي اليمين القانونية قبل الشروع في مباشرة مهامه، وأوجب عليه في المادة 20 أن يتوقف عن ممارسة تلك المهام الا إذا قبلت استقالته، وجعله بمقتضى المادة 21 مسؤولا عن حفظ الشهادات التي يتلقاها، وقارنه في المادة 22 بالوظائف التي تتنافى مع مهنته، ومتعه في المادة 26 بالحماية التي يخولها الفصلان 263 و 267 من القانون الجنائي لرجال القضاء والموظفين العموميين ورجال القوة العمومية؛ وهذه الصفات التي أضفاها القانون 03.16 على العدل، تجعله يتمتع بصفة الموظف المخولة له مهمة تلقي الاشهادات، مما يقتضي أن تخول له الاستقلالية للقيام بمهمته هذه، تحت مسؤوليته، أسوة بما عليه الأمر في كثير من القطاعات الأخرى، مثل قطاع التوثيق العصري، وقطاع المحاسبة، سيما وأن قانون خطة العدالة يوجب التلقي الثنائي، خلاف القطاعات الأخرى، مما يشكل ضمانة كافية.
ب وأن المشرع نفسه أقر برسمية الوثيقة العدلية عندما أوجب على العدلين، في المادة 28 من المرسوم التطبيقي رقم 378 تقديمها بمجرد تلقيها، إلى قابض التسجيل الاستخلاص الواجب المترتب عنها؛ وذلك لأن قابض التسجيل يحتفظ لديه نسخة من الوثيقة »المسجلة«. ويحق له أن يسلم نسخا منها ثابتة التاريخ للأطرف، كما هو معلوم، وهذه خاصية تجعل من الوثيقة العدلية المسجلة وثيقة رسمية ثابتة التاريخ (علما بأن القانون 03.16 منع على القاضي، في المادة 35 منه، أن يخاطب على الوثيقة العدلية قبل أداء واجبات التسجيل عنها، هو منع زكاة بما تضمنته المادة 38 من المرسوم التطبيقي 378 من لزوم توجيه الوثائق العدلية بعد الخطاب عليها الى قابض التسجيل«.
ج. وأن المرسوم التطبيقي 378 أجاز، في المادة 35 استخراج نسخ من الشهادات العدلية غير المخاطب عليها وإحياءها، وهو ما يدل على الاعتراف بقيمتها.
ذ. وأن التأشير من قبل القاضي على مذكرة الحفظ. وفق المادة 17 من المرسوم التطبيقي 378، يضفي على المذكرة المذكورة صبغة الوثيقة الرسمية، الأمر الذي ينطبق على كل محتوياتها، من الشادات.
من هذا المنطلق وبناء على هذه المبررات، وحماية للأفراد والأشخاص المتعاقدة، يكون من المناسب تعديل القانون 03.16 واعتبار الوثائق العدلية الأصلية شهادات رسمية، دون أن تتوقف على الخطاب، ومن غير مساس بحق قاضي التوثيق في مراقبتها ومراقبة أعمال وتصرفات العدول.
. والى أ ن يتحقق هذا المسعى، لا أقل من أن يعطي للشهادات الأصلية المتلقاة والمدونة بمذكرات الحفظ والمذيلة بتوقيع العدلين صبغة الوثيقة المثبتة للحق، وأن يفسح المجال امام أطراف الوثائق المذكورة، وأما العدول الذين يتلقونها لاستعمالها في حفظ حقوقهم، سيما إيقاع قيود احتياطية على العقارات المحفظة، في نطاق صدر الفقرة الثانية من الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري، التي تخول لمن له سند متين للحق أن يطلب مباشرة من المحافظة على الأملاك العقارية وضع قيد احتياطي لمدة عشرة أيام حفاظا على حقوقه، ريثما يتأتى له استكمال شروط التقييد النهائي للحق موضوع السند المقيد احتياطيا.
وانطلاقا من التبرير والتحليل السابقين فإن الشهادة العدلية الأصلية التي يتلقاها العدلان مباشرة ويضمنانها بمذكرة الحفظ. ينبغي أن تعطى له قوة الحجة الرسمية ولو قبل الخطاب عليها، نظرا لتوفرها على كافة أركان وعناصر الشهادة الرسمية، المتفق عليها فقها، حفاظا على حقوق الأطراف؛ ولاضير على المحافظين على الأملاك العقارية ان اعتمدوها، في تدوين قيود احتياطية على العقارات محل التعامل، في نطاق السلطة المخول للمحافظ بموجب الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري، لإيقاع بند احتياطي بناء على سند؛ لايمنعهم من ذلك ما يوجبه عليهم الفصل 72 من الظهير المذكور، من التحقيق تحت مسؤوليته من هوية الأطراف ومن صحة الوثائق المدلى بها شكلا وجوهرا.
الأستاذ: محمد القدوري
المحامي بهيئة الرباط