1)الوعي الإيكولوجي بالحق والواجب الإنسانيين في حماية وتطوير البيئة:
لقد تولد عن تطور المدن والتحولات العالمية الحضرية والطموح إلى تنمية إنسانية مستديمة وعي إيكولوجي أو بيئي يلفت الانتباه إلى تلوث الهواء عبر حركة السير داخل الحواضر ومشاكل الوادي الحار وجودة المياه والسكن العشوائي أو ما يسمى في علم الاجتماع الحضري بقرونة الحواضر والمجاعة والجفاف والتصحر والأمطار الحمضية وغيرها من المشاكل التي ولدت اهتماما دوليا واستدعى إدراج الأمم المتحدة في عملها لبرامج بيئية كان مبتداها من خلال أعمال منظمة البحر الدولية واليونسكو ليتطور هذا الوعي الإيكولوجي إلى محطات دولية أبرزها مناظرة ستوكهولم التي تمخض عنها بتاريخ 16 جوان 1972 بمبادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان ستوكهولم هذا الإعلان الذي يقر في مبدئه الأول حق الإنسان في العيش في بيئة سليمة يتولى بحكم الواجب حمايتها وتطويرها وحسب تعبير ERIC-LIMARE في بحثه حول حق الإعلام في المادة البيئية (فلإنسان دائن ومدين في نفس الوقت البيئة سليمة)(1).
مناظرة استوكهولم وضعت تصميم عملي فعال لحماية البيئة ويقر مبدأ 21 من إعلان استوكهولم على أنه (طبقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي فالدول لها الحق السيادة في استغلال خيراتها وفق سياساتها البيئية ومن واجبها أن تؤمن عدم الإضرار ببيئة الدول).
وحسب ERIC-LIMARE فالمناظرة تناولت التقييم البيئي وكذا التسيير البيئي ومختلف تدابير الدعم أما التدابير والتقييم البيئي يشمل التحليل والبحث والحراسة وتبادل المعلومات في المادة البيئية (2).
وهذا الوعي الإيكولوجي الدولي دامت لم الاستمرارية ذلك أن قمة ريو لسنة 1992 حول التنمية المستديمة ركزت بدورها على التحولات المناخية وظاهرة التلوث البحري كمشاكل بيئية كبرى تواجه الدول إلى جانب المشاكل المتعلقة بالمدن الكبرى من تطهير وجودة المياه ومشاكل السكن والهدف بطبيعة الحال هو البحث عن توازن طبيعي وبيئي كمصلحة أساسية لكل دولة دولة وهذا ما حدا بألمانيا إلى رفع الحق في البيئة السليمة إلى مستوى مبدأ أساسي مسطر في القانون الأساسي الألماني الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1994/11/15 بحيث تنص المادة 20 منه على ما يلي (أن الدولة تتحمل بالإضافة إلى مسؤولياتها عن الأجيال القادمة تحمي كذلك المرتكزات الطبيعية للحياة بواسطة التشريع وفق النظام الدستوري والسلطة التنفيذية والقضائية ضمن الشروط ضمن الأولويات الأساسية وهو ما يعني أن الوعي الإيكولوجي أصبحت له أبعاد وغازي حقوقية وتحسيسية بدور الإنسان ف تنمية وسطه البيئي وخلق المستقبل الإيكولوجي لقريته ومدينته ودولته وقارته ومجتمعه الدولي.
2) التدابير التشريعية في المادة البيئية دوليا وأوروبيا وإفريقيا:
إلى جانب برنامج الأمم المتحدة حول البيئة المتمخض عن المناظرة استوكهولم والذي تلته التوصية الدولية عدد 2997 كما أن اللجنة الدولية للحقوق التابعة للأمم المتحدة تحضر حاليا نص الاتفاقية الدولية لمسؤولية الدول عن الأضرار البيئية والتي على أساسها ستبنى المعاهدات الأوروبية وهناك الاتفاقية التي وقعت عليها حاليا 7 دول وهي موضوعة للتوقيع منذ 16 نونبر 1998 وهي التي تدخل ضمن اختصاص المحاكم الجنائية الدولية أو التي اعترف المجلس الأوروبي نصين لاتفاقيتين هامتين الأولى تخص المسؤولية المدنية عن الأضرار الناجمة عن الأنشطة الخطيرة الماسة بالبيئة (Lugane 1993) واتفاقية استراسبورغ 1998 الخاصة بالحماية الجنائية للبيئة وهناك أيضا معاهدة ماستريخت التي تطور وتقوي اختصاصات المجموعة الأوروبية في المادة البيئية وتركز أساسا على التنمية المستديمة المرتبطة بسياسات البيئة وعموما أوروبا تطمح إلى تضمين الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الحق في العيش في بيئة سليمة لينضاف هذا الحق لباقي الحقوق الأساسية المرتبطة بالشخص أما على المستوى الإفريقي فيقول الباحث الإيكولوجي Monice kengne (أن الإنتاج القانوني الإفريقي في المادة البيئية ضعيف جدا ومرد ذلك راجع لعدم اهتمام المنظمات الإفريقية بهذا المجال وأن العديد من المشاكل التي صدرت بها توصيات مثل الجفاف والتصحر والمجاعة ذهبت أدراج الرياح مضيفا على أن بلده الكامرون تشهد تعاون عدة بنيات لوضع القوانين البيئية سواء نابعة عن السلطة التشريعية أو التنفيذية) (3) .
3) القاضي الإيكولوجي بين الواقع والطموح:
من خلال ما سبق ذكره حول الوعي الإيكولوجي والحماية التشريعية دون نسيان القوانين الداخلية الخاصة بالبيئة في كل من أوربا وأمريكا وكندا حيث أن معظم التدخلات التشريعية للقوانين الداخلية للدول تؤكد منهجيا على أن عدم احترام المحيط يترجم أتوماتيكيا لمخالفة إيكولوجية مجرم عليها قانونا وتطرح بشأنها المسؤولية الجنائية للمنحرف الإيكولوجي حسب تعبير الباحث الفرنسي Patrick-Mistretta (4) خاصة وأن الفقرة الأولى من الفصل 410 من القانون الجنائي الفرنسي تدخل ضمن المصالح الأساسية للأمة (توازن الوسط الطبيعي والبيئي) وهو ما يعني أن تحديد المسؤولية سواء جنائية أو مدنية أو إدارية هو عمل قضائي محض بصفته الجهة المختصة لفصل المنازعات وفق مصادر القانون المعتمدة والتي من بينها أساسا الاجتهاد القضائي بل حسب تعبير المحامي الباريزي الدكتور (C. HUGLO) فالقاضي هو الذي خلق القانون البيئي (5) وحسب نفس الأستاذ فإحصائيات المنازعة المعروضة على القضاء فهي تتوزع وفق النسب التالية:
النزاعات المتعلقة بالمسؤولة المدنية لبيئية تتراوح ما بين 2 – 3%.
النزاعات المتعلقة بالمسؤولة الإدارية البيئية في مجال التهيئة الحضرية حوالي 20%.
وأخيرا النزاعات المتعلقة بالقانون العام البيئي.
وأهم ملاحظة يجب تسطيرها هو قلة النزاعات المدنية (6) وبخصوص فعالية القضاء الفرنسي في مجال زجر مخالفات الانحرافات الإيكولوجية يرى الباحث الجامعي Patrick-Mistretta أن الفائدة من أطروحته الجامعية (المسؤولية الجنائية للمنحرفين الإيكولوجيين) هو إثبات عدم كفاية السلاح الجنائي وحده طالما أن هناك خصاصا في الوعي الإيكولوجي لدى بعض القضاة الذين يرفضون دائما الإقرار بالمسؤولية الجنائية للمنحرفين الإيكولوجيين ولضمان هذا التحسيس من اللازم حسب نفس الباحث إعمال ثمة إصلاحات للحد من الانحراف الإيكولوجي مثل الأمطار الحمضية وتأثيرات البلاستيك وارتفاع طبقة الأوزون واجتثات الغابات وانقراض الحيوانات دون نسيان كوارث تسربات المعامل كحادثة Bpropol بالهند التي أودت سنة 1984 بحياة 4000 شخص ومن جملة الإصلاحات التي يقترحها الباحث المذكور ضرورة خلق جنح جديدة تجرم المساس بالبيئة وتضمينها مباشرة بالقانون الجنائي مؤكدا على أن الهدف الرئيسي من الأطروحة يبقى هو تعميق تطوير العقليات وزجر كل مخالفات قواعد حماية البيئة ولم يتوان الباحث في الدعوة لتجاهل القانون البيئي الفرنسي الحالي والدعوة مجددا لسياسة بيئة جديدة تلزم المواطنين بالشعور بأن كل ما يمس البيئة هو تهديد خطير للكائن البشري (7). وهناك نقطتين أساسيتين يتباحث بشأنهما القضاة الإيكولوجيين لإرساء ثوابت مسطرة الدعوى الإيكولوجية النقطة الأولى تتعلق بالضرر الإيكولوجي، فحسب المحامي HUGLO يرى أن المساطر أمام القضاء الفرنسي تقضي في المادة البيئة بمبدأ (لا دعوى بدون ضرر شخصي) (8) في حين يرى المحامي فيرتينو وولكير أن القضاء الكندي سنة 1996 قضى قضية (Laidlow) من طرف القاضي السيد Mercier على لأنه في القانون البيئي غياب الضرر الحقيقي ليس بمعيار نهائي لأن الضرر الكموني كاف لتبرير الجنحة) (9) كما يجب لفت الانتباه إلى يقظة وزارة البيئة ووزارة العدل الكنديين بحيث يتتبعان أولا بأول مآل الدعاوي الإيكولوجية ويحاط بها الرأي العام علما في نطاق حق الإعلام الإيجابي الذي تأخذ فيه الوزارة المبادرة تلقائيا لإخبار الرأي العام.
تبقى الإشارة بصدد الضرر البيئي على ملاحظة الأستاذ HUGLO القائلة بأن الضرر الإيكولوجي هو ضرر عام (10) وهو ما يسمح وفق اجتهادنا الإداري الوطني بإدراجها ضمن اختصاص قضاء الإلغاء الإداري وهو أمر من شأنه أن يجنبنا مناقشات الصفة المباشرة التي تشكل مدار مناقشات القضاء الأوروبي مع حفظ حق الأطراف بالطبع للجوء للطريق الموازي لطلب التعويضات وتكشف اجتهادات قضائنا الإداري مرة أخرى عن قوة صلابتها أمام القضاء العالمي المقارن.
النقطة الثانية في مجال الدعوى الإيكولوجية تتعلق بالصفة بحيث قضت محكمة ستراسبورغ بعدم قبول دعوى عائلات (Bas-Rhim) ورفضت استئنافية باريز دعوى جماعة Longyumeau ضد مطار أورلي الدولي معللة ذلك بكون الجماعة ليست لها صفة تحريك الدعوى باسم سكانها ويستنتج هنا أن القضاء يعتبر الصفة حق شخصي مباشر وإن كانت هناك ثمة استثناءات مثل سماع دعوى الفيدرالية الفرنسية لشركات حماية الطبيعة كطرف مدني كما أن محكمة Roveer سمعت في قضية الصيادين دعوى الصيادين في نطاق ما يسمى بالدعوى الجماعية أو الدعوى المتحدة (11).
نأمل أن يستفيد تطبيق قضائنا من فكرة الضرر الكموني الكندية والدعوى المتحدة الفرنسية أو ما يسميه فقهائنا بوحدة الخصوم للدفع بتعميق الوعي الإيكولوجي في بلدنا قضائيا حتى لا تعرقله الإشكالات المسطرية ويفتقد الجوهر وهو زجر حالات تدمير البيئة أو على الأقل الإقرار بمسؤولية مقترفيها.
ختاما تبقى الإشارة إلى أن أحسن حماية للبيئة هي شعور الإنسان بواجبه في الحفاظ على جمالية محيطه الطبيعي وسعيه إلى تعميق الثقافة الخضراء.
الهوامش
(1) Le droit à l’information en matière d’environnement ERIC-LIMARE.
(2) Même document cité.
(3) ECOOVOX : Mouric KENGNE.
(4) La responsabilité pénal du délinquent écologique. Patrick-Mistretta.
(5) La qualité pour agir de victime d’un dommage de pollution (maître C. HUGLO) Semaine juridique l’année 1999.
(6) Même article cité.
(7) Patrick-Mistretta (Cité).
(8) M.C. HUGLO (cité).
(9) Droit de l’environnement : Revue de la jurisprudence en matière de l’environnement، éd. 1996. André Durochere (cité) et autre.
(10) M.C. HUGLO (cité).
(11) Même article cité