المملكة المغربية الحمد لله وحده،
المجلس الدستوري
ملف عدد : 16/1474
قرار رقم : 16/992 م. د
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
المجلس الدستوري،
بعد اطلاعه على القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة المحال على المجلس الدستوري بمقتضى رسالة السيد رئيس الحكومة المسجلة بالأمانة العامة للمجلس في 18 فبراير2016، وذلك من أجل البت في مطابقته للدستور؛
وبناء على الدستور، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو2011)، لاسيما الفصول 112 و132و177 منه؛
وبناء على المادة 48 من القــانون التنظيمــي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ16 من شوال 1435 (13 أغسطس 2014)؛
وبنــاء على القــانون التنظيمي رقـم 29.93 المتعلق بالمجلس الدستــوري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25 فبراير 1994)، كما وقع تغييره وتتميمه، لا سيما الفقرة الأولى من المادة 23 والفقرة الثانية من المادة 24 منه؛
وبعد الاطلاع على الوثائق المدرجة في الملف؛
وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر والمداولة طبق القانون؛
أولا– فيما يتعلق بالاختصاص:
حيث إن الفصل 132 من الدستور نص في فقرته الثانية على أن القوانين التنظيمية، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، تحال إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور؛
وحيث إن المجلس الدستوري، القائم حاليا، يستمر في ممارسة صلاحياته إلى حين تنصيب المحكمة الدستورية، عملا بأحكام الفصل 177 من الدستور ومقتضيات المادة 48 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية التي جاءت تطبيقا له، الأمرالذي بموجبه يكون المجلس الدستوري مختصا بالبت في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور؛
ثانيا– فيما يتعلق بالشكل والإجراءات المتبعة:
حيث إنه، يبين من الاطلاع على الوثائق المدرجة في الملف أن القـانون الـتنظيمـي رقــم 106.13 المتعلـق بالـنظــام الأســاسي للقضـاة المحـال علـى الـمجلس الدستوري اتخذ في شكل قانون تنظيمي، جرى التداول في مشروعه بالمجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 29 يناير 2015، طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وتم إيداعه بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب بتاريخ 3 أبريل 2015، وأن هذا المجلس لم يشرع في التداول فيه إلا بعد مرور عشرة أيام على إيداعه لدى مكتبه، وذلك خلال جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 27 أكتوبر2015 التي وافق خلالها على المشروع، في قراءة أولى، ثم صادق عليه نهائيا، في قراءة ثانية، في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 10 فبراير2016 بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، بعد أن تداول فيه مجلس المستشارين في الجلسة العامة بتاريخ 9 فبراير2016، وأدخل تعديلات على بعض مواده، والكل وفقا لأحكام الفصلين 84 و85 من الدستور؛
ثالثا– فيما يتعلق بالموضوع:
حيث إن الدستور يسند في فصله 112 إلى قانون تنظيمي تحديد النظام الأساسي للقضاة؛
وحيث إن القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، المعروض على نظر المجلس الدستوري، يتكون من 117 مادة موزعة على باب تمهيدي وستة أقسام، يتضمن الباب التمهيدي أحكاما عامة (المادتان1و2)، ويتعلق القسم الأول بتأليف السلك القضائي (المواد 3-25)، والثاني بحقوق وواجبات القضاة (المواد 26-56)، والثالث بوضعيات القضاة (المواد 57-95)، والرابع بنظام التأديب (المواد 96-102)،والخامس بالانقطاع النهائي عن العمل (المواد 103-107)، والسادس والأخير بأحكام انتقالية ومختلفة (المواد 108-117)؛
وحيث إنه، يبين من فحص هذه المواد مادة مادة أنها تكتسي طابع قانون تنظيمي وفقا لأحكام الفصل 112 من الدستور، وأنها من حيث مطابقتها للدستور تثير الملاحظات التالية؛
في شأن المادة 25:
حيث إن هذه المادة تنص على أنه “يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين”؛
وحيث إن الدستور نص في الفقرة الثانية من فصله 110 على أن قضاة النيابة العامة يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن “السلطة التي يتبعون لها”، دون تحديد الدستور لهذه السلطة؛
وحيث إن السلطة التي يعود إليها ترؤس النيابة العامة لا يمكن تحديدها إلا في نطاق أحكام الدستور المتعلقة بالوضع الدستوري لقضاة النيابة العامة، لاسيما ما يهم مسألة انتماء هؤلاء أو عدم انتمائهم للسلطة القضائية؛
وحيث إن الدستور نص في فصله 107 على أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية”، وأن “الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية”؛
وحيث إنه، يبين من الرجوع إلى أحكام الدستور أن هذا الأخير لم يميز بين قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة إلا في بعض الجوانب اللصيقة بطبيعة عمل كل منهما، فقضاة الأحكام، باعتبارهم يتولون الفصل في النزاعات والدعاوى المعروضة عليهم، يتمتعون بعدم القابلية للعزل أو النقل إلا بمقتضى القانون، ولا يلزمون إلا بتطبيق القانون، وتكون الأحكام النهائية الصادرة عنهم ملزمة للجميع، كما هو مقرر على التوالي في الفصول 108و110 (الفقرة الأولى) و126 (الفقرة الأولى) من الدستور، في حين أن قضاة النيابة العامة، باعتبارهم يتولون إقامة الدعوى العمومية وممارستها والمطالبة بتطبيق القانون، يتعين عليهم، إلى جانب ذلك، الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، كما هو محدد في الفصل 110 (الفقرة الثانية) من الدستور؛
وحيث إنه، مع مراعاة المقتضيات المذكورة الخاصة إما بقضاة الأحكام أو بقضاة النيابة العامة، فإن الدستور في باقي أحكامه المتعلقة بالقضاء متع القضاة جميعا وبدون تمييز، بنفس الحقوق وألزمهم بنفس الواجبات، كما أخضعهم، لنفس الأحكام، سواء تعلق الأمر بالمهمة العامة المنوطة بالقضاة المتجلية في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون (الفصل 117)، أو بمنع التدخل في القضايا المعروضة عليهم، أو باعتبار كل إخلال من طرفهم بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما (الفصل 109)، أو بالحق المخول لهم في حرية التعبير وفي الانخراط في الجمعيات وإنشاء جمعيات مهنية ومنع انخراطهم في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية (الفصل 111)، أو بكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة لهــم، لا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم (الفصل113)، أو بمشاركتهم في انتخاب ممثلي القضاة في هذا المجلس (الفصل 115) ؛
وحيث إنه، يبين من مجموع الأحكام المذكورة أن الدستور أضفى صفة “قضاة” على قضاة الأحكام وعلى قضاة النيابة العامة معا، مما يجعلهم جميعا منتمين إلى السلطة القضائية ـ وهي سلطة موحدة ـ ومشمولين، تبعا لذلك، بصبغة الاستقلال اللصيقة بهذه السلطة؛
وحيث إن الاستقلال عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية شرط جوهري للانتماء إلى السلطة القضائية، الأمر الذي يحول دون إمكان تولي من لا ينتمي إلى السلطة القضائية لمهام قضائية وبالأحرى رئاسة هيئة أساسية فيها تتمثل في النيابة العامة؛
وحيث إن مبدأ تبعية قضاة النيابة العامة الوارد في الفقرة الثانية من الفصل 110 من الدستور، الذي يفرض عليهم “الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها”، يعد تبعية داخلية تتم وفق تراتبية قضاة النيابة العامة ومستويـات مسؤولياتهم، ولا يمكن أن تكـون ـ دون الإخـلال بمبـدإ استقـلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ـ تبعية لجهة خارجة عن السلطة القضائية؛
وحيث إن صلاحية وضع السياسة الجنائية، التي تعد جزءا من السياسات العمومية، من خلال سن قواعد وقائية وزجرية لمكافحة الجريمة، حماية للنظام العمومي وصيانة لسلامة الأشخاص وممتلكاتهم وحرياتهم، وكذا تحديد الكيفيات والشروط القانونية لممارسة قضاة النيابة العامة لمهامهم، تظل من الصلاحيات المخولة إلى السلطة التشريعية التي يعود إليها أيضا تقييم هذه السياسة، طبقا لأحكام الدستور؛
وحيث إنه، تأسيسا على كل ما سبق بيانه، واعتبارا لكون عمل النيابة العامة يعد دستوريا عملا قضائيا، ومع مراعاة الصلاحية المخولة للسلطات الدستورية المختصة في وضع ومراجعة السياسة الجنائية على ضوء الممارسة، فإن رئاسة النيابة العامة ـ التي يعد قضاتها جزءا من السلطة القضائية ـ لا يمكن إسنادها إلا لجهة تنتمي إلى هذه السلطة، مما يكون معه ما تضمنته المادة 25 المذكورة من وضع قضاة النيابة العامة تحتسلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مطابقا للدستور؛
في شأن المادتين 35 و 72:
حيث إن المادة 35 تنص على أنه “يقبل كل قاض تمت ترقيته في الدرجة المنصب القضائي الجديد المعين به وإلا ألغيت ترقيته، وفي هذه الحالة يسجل في لائحة الأهلية برسم السنة الموالية”، وإن المادة 72 تنص على أنه “يمكن أن ينقل القاضي وفق المعايير المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية في الحالات التالية :
– بناء على طلبه؛
– على إثر ترقية في الدرجة؛
– إحداث محكمة أو حذفها؛
– شغور منصب قضائي أو سد الخصاص”؛
وحيث إن الدستور نص في فصله 108 على أن قضاة الأحكام “لا ينقلون إلا بمقتضى القانون”؛
وحيث إنه، لئن كـان عـدم القـابلية للنقـل من الضمانات الأساسية المخولة لقضاة الأحكام، التي لا يجوز المساس بجوهرها باعتبارها من مظاهر استقلال السلطة القضائية، فإنه يستفاد مما ينص عليه الفصل 108 المذكور من كون قضاة الأحكام لا ينقلون إلا بمقتضى القانون، أن المشرع يجوز له أن يحدد حالات معينة يمكن فيها، بصفة استثنائية، نقل هؤلاء القضاة؛
وحيث إن الدستور نص أيضا في فصله 118 على أن “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون”، ونص في فصله السادس على “مبدإ المساواة أمام القانون”؛
وحيث إن حق التقاضي يعد من الحقوق الأساسية المخولة للمواطنين وضمانة رئيسية لإعمال مبدإ سيادة القانون، وأن مبدأ المساواة أمام القانون، الذي من مظاهره المساواة بين المواطنين في الولوج إلى مرفق القضاء، يستلزمان أن توضع رهن إشارة المواطنين، المحاكم الضرورية والقضاة اللازمون لجعل حق التقاضي المخول دستوريا للمواطنين حقا مكفولا فعليا؛
وحيث إنه، يتعين ضمان التوازن بين المبدإ الدستوري القاضي بعدم قابلية قضاة الأحكام للنقل إلا بمقتضى القانون، والمبدإ الدستوري الذي يكفل للمواطنين حق التقاضي؛
وحيث إنه، تأسيسا على ذلك، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أناط به الدستور، بصفة أساسية، السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، لا يجوز له أن يقرر نقل قضاة الأحكام، في الحالات التي حددها المشرع، دون طلب منهم، إلا بصفة استثنائية، يبررها ضمان حق التقاضي المكفول دستوريا للمواطنين؛
وحيث إنه، مع مراعاة ما سبق، فليس في مقتضيات المادتين 35 و72 ما يخالف الدستور؛
في شأن المادة 38 (الفقرة الأخيرة):
حيث إن هذه المادة تنص في فقرتها الأخيرة على أنه “يمنع على القاضي تأسيس جمعية غير مهنية أو تسييرها بأي شكل من الأشكال”؛
وحيث إن الدستور نص، في الفقرة الثانية من فصله 111، على أنه “يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجب التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون”؛
وحيث إنه، لئن كان الدستور يضمن لعموم المواطنات والمواطنين بموجب فصله 29 حق تأسيس الجمعيات، فإنه، فيما يخص القضاة، ميز بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 111 المذكور بين الجمعيات المهنية وغيرها من الجمعيات، إذ أباح للقضاة إنشاء جمعيات مهنية بما يتضمنه ذلك، بداهة، من تسيير هذه الجمعيات التي تقتصر العضوية فيها على القضاة دون سواهم، في حين لم يخول لهم، فيما يخص سائر الجمعيات الأخرى، سوى حق الانخراط؛
وحيث إن الجمعيات يمتد نشاطها عموما إلى كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية؛
وحيث إن واجبات التجرد واستقلال القضاء، بما تستلزمه دستوريا من ضرورة حرص القاضي على استقلاله وحرمته، قد لا تتلاءم مع إنشاء القاضي لجمعيات غير مهنية وتولي مهام التسيير فيها، بما يترتب عن ذلك من مسؤولية ومساءلة؛
وحيث إنه، تأسيسا على ذلك، فإن ما تنص عليه المادة 38 في فقرتها الأخيرة من أنه يمنع على القاضي تأسيس جمعيات غير مهنية أو تسييرها بأي شكل من الأشكال، مطابق للدستور؛
في شأن المادة 43 (الفقرة الأخيرة):
حيث إن هذه المادة تنص في فقرتها الأخيرة على أنه “كما يلتزم قضاة النيابة العامة بالامتثال للأوامر والملاحظات القانونية الصادرة عن رؤسائهم التسلسليين”؛
وحيث إن الدستور نص في الفقرة الأخيرة من فصله 110 على أنه يجب على قضاة النيابة العامة، أولا وقبل كل شيء، “تطبيق القانون”، وفي حدود تطبيق القانون فرض على هؤلاء القضاة “الالتزام بالتعليمات الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها”، كما أن الدستور اشترط أن تكون هذه التعليمات الملتزم بها كتابية وقانونية في ذات الوقت؛
وحيث إنه، في غير الحالات التي تهم تسيير شؤون النيابة العامة وتنظيم أشغالها، فإن الأوامر الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة 43المذكورة أعلاه، الموجهة إلى قضاة النيابة العامة من طرف رؤسائهم التسلسليين، لا يمكن أن تلزم هؤلاء القضاة، إذا كانت تهم اتخاذ النيابة العامة لمقرراتها، إلا إذا كانت في شكل تعليمات كتابية؛
وحيث إنه، مع مراعاة هذه الملاحظة، فإن ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 43 ليس فيه ما يخالف الدستور؛
في شأن المادة 97:
حيث إن هذه المادة تنص على أنه “يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما.
ويعد خطأ جسيما بصفة خاصة :
– إخلال القاضي بواجب الاستقلال والتجرد والنزاهة والاستقامة؛
– الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الأطراف؛
– الخرق الخطير لقانون الموضوع؛
– الإهمال أو التأخير غير المبرر والمتكرر في بدء أو إنجاز مسطرة الحكم أو في القضايا أثناء ممارسته لمهامه القضائية؛
– خرق السر المهني وإفشاء سر المداولات؛
– الامتناع العمدي عن التجريح التلقائي في الحالات المنصوص عليها في القانون؛
– الامتناع عن العمل المدبر بصفة جماعية؛
– وقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم؛
– اتخاذ موقف سياسي أو الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية؛
– ممارسة نشاط سياسي أو نقابي أو الانتماء إلى حزب سياسي أو نقابة مهنية”؛
وحيث إن الدستور نص في الفقرة الثالثة من فصله 109 على أنه “يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة”؛
وحيث إن واجب الاستقلال والتجرد ينطوي على العديد من الالتزامات المهنية والأخلاقية؛
وحيث إنه، بالنظر لطبيعة المهام المنوطة بالقاضي، وحفاظا على هيبة القضاء ووقاره، فإن ارتكاب القاضي لأفعال تستوجب متابعة جنائية أو مخالفته لواجباته المهنية الأساسية مخالفة جسيمة، تجعل من غير المقبول استمراره في مزاولة مهامه القضائية إلى حين انتهاء أطوار متابعته تأديبيا أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لما يترتب عن ذلك من زعزعة ثقة المواطنين في العدالة التي يلجأون إليها لحماية حقوقهم وحرياتهم والدفاع عن مصالحهم، الأمر الذي يبرر إمكانية توقيف القاضي مؤقتا عن مزاولة مهامه، إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما، دون تجاوز مدة التوقيف القانونية؛
وحيث إن الخطأ الجسيم يتمثل في كل عمل إرادي أو كل إهمال أو استهانة يدلان على إخلال القاضي، بكيفية فادحة وغير مستساغة، بواجباته المهنية لدى ممارسته لمهامه القضائية؛
وحيث إن القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية – المعروض أيضا على نظر المجلس الدستوري – يشتمل على بعض الضمانات المخولة للقضاة المعرضين لإجراءات التوقيف، لا سيما ما تنص عليه مادته 65 في فقرتها الأخيرة من أنه تكون جميع المقررات المتعلقة بالوضعية المهنية للقضاة الصادرة عن المجلس أو رئيسه المنتدب معللة، وما تنص عليه مادته 92 من أن قرارات توقيف القضاة مؤقتا عن مزاولة مهامهم الصادرة عن الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تتخذ بعد استشارة اللجنة الخاصة المنبثقة عن هذا المجلس، المتألفة، بالإضافة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، من أربعة أعضاء يعينهم المجلس من ضمنهم قاضيان منتخبان، وما تنص عليه المادة98 من نفس القانون التنظيمي من أنه إذا لم يبت المجلس في وضعية القاضي الموقوف داخل أجل أربعة أشهر من يوم تنفيذ قرار التوقيف، يرجع إلى عمله وتسوى وضعيته المالية والإدارية، ما لم يكن موضوع متابعة جنائية؛
وحيث إنه، اعتبارا للعواقب الوخيمة المترتبة عن توقيف القاضي ومراعاة لجسامة مسؤولياته، فإن على المشرع أن يحدد الحالات التي يعتبرها مكونة للخطأ الجسيم، وأن يستعمل في ذلك عبارات دقيقة وواضحة لا يعتريها لبس أو إبهام؛
وحيث إنه، تأسيسا على كل ذلك، فإن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة من أنه يعد خطأ جسيما “بصفة خاصة”، يوحي بوجود حالات أخرى يمكن أن تعد خطأ جسيما غير تلك المذكورة صراحة في هذه المادة، مما يجعل عبارة “بصفة خاصة” مخالفة للدستور؛
وحيث إنه، علاوة على هذه الملاحظة الأولية، وبصرف النظر عن المتابعات الجنائية التي تخضع لمقتضيات القانون الجنائي، فإن الحالات المعتبرة من مكونات الخطأ الجسيم، الواردة في الفقرة الثانية من المادة 97 المذكورة، يتعين فحصها حالة بحالة، في ضوء أحكام الدستور، للتحقق مما إذا كانت، من حيث طبيعتها ومداها، تندرج في الخطأ الجسيم وتستوجب بالتالي توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه:
1- فيما يخص”إخلال القاضي بواجب الاستقلال والتجرد والنزاهة والاستقامة”؛
حيث إنه، لئن كان لا يجوز للقاضي، بأي حال من الأحوال وتحت طائلة تطبيق العقوبات التأديبية، الإخلال بواجب الاستقلال والتجرد والنزاهة والاستقامة التي تمثل أسمى قيم ومبادئ العدالة، فإن هذه المخالفة، بالنظر لعمومية العبارات التي صيغت بها والتي تجعلها تفتقر إلى مضمون محدد، لا يمكن أن تكون أساسا لتوقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، الأمر الذي يجعل هذا البند الأول مخالفا للدستور؛
2- فيما يخص”الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الأطراف” و”الخرق الخطير لقانون الموضوع”؛
حيث إن القــاضي لا يســأل عن الأخطـــاء العــادية التــي يرتكبهـــا عند قيـــامه بالإجراءات المسطرية أو عند إصداره للأحكام والتي من أجلتصحيحها وجدت درجات التقاضي وطرق الطعن، وهي أخطاء يحق لكل من تضرر منها الحصول على تعويض تتحمله الدولة، طبقا للفصل 122من الدستور؛
وحيث إنه، لئن كانت حرية القاضي في تفسير وتطبيق القانون، حسب فهمه وقناعته، بما يحتمله ذلك من الخطإ والصواب، من شروط استقلال القاضي الذي لا يمكن تصوره دون توفر الحرية المذكورة، فإن مبدأ استقلال القاضي المقرر في الدستور حماية له من أي تدخل ليس امتيازا له وإنما هو مسؤولية وتكليف من أجل حماية حقوق الأشخاص والجماعات، ولا يمكن أن يتحول هذا المبدأ إلى عائق يحول دون تطبيق مبدأ دستوري آخر يتمثل في مسؤولية القاضي تأديبيا ومدنيا وجنائيا ، وهي مسؤولية منبثقة من واجباته الدستورية تجاه المتقاضين، بما يفرضه ذلك من استقلال وتجرد والتزام بالدستور وبالقانون وبالأخلاقيات القضائية، أداء للمهمة التي أناطها الدستور بالقاضي، سواء تعلق الأمر بقضاة الأحكام أو بقضاة النيابة العامة، المتمثلة في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون، وفي ضمان محاكمة عادلة لكل شخص، كما هو مقرر على التوالي، في الفصلين 117 و120 من الدستور؛
وحيث انه، لئن كان لا يجوز الخلط بين الاجتهاد، المتمثل في المجهود الفكري الذي يبذله القاضي وفق الأصول المتعارف عليها في هذا الصدد، لتفسير وتطبيق مقتضيات القانون، بما يحتمله ذلك من الصواب والخطإ، وبين الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الأطراف وكذا الخرق الخطير لقانون الموضوع، وهي أعمال تعتبر ـ سواء كانت عمدية أو ناتجة عن تهاون غير مستساغ ـ إخلالا من القاضي بواجباته المهنية، فإن هذا الخرق الخطير لا يمكن اتخاذه أساسا لتوقيف القاضي ولا لمتابعته تأديبيا إلا بعد ثبوته بحكم قضائي نهائي؛
وحيث إنه، مع مراعاة هذا الشرط، فليس في مقتضيات البندين الثاني والثالث من الفقرة الثانية من المادة 97 المذكورة ما يخالف الدستور؛
3- فيما يخص “الإهمال أو التـأخيـر غيـر المـبرر والمـتكرر في بدء أو إنجـــاز مسطرة الحكم أو في القضايا أثناء ممارسته لمهامه القضائية”؛
حيث إن من الواجبات المنوطة بالقاضي أن يتولى حماية حقوق الأشخاص والجــماعــات وحريــاتهم وأمنهم القضـائي وتطبيق القانون، وأن يحرص ـ في حدود الإمكانات المتاحة له ومع مراعاة طبيعة القضايا المعروضة عليه ـ على إصدار الأحكام في أجل معقول، كما هو مقرر على التوالي في الفصلين 117 و 120 من الدستور، فإن ثبوت الإهمال أو التأخير غير المبرر والمتكرر من طرف القاضي في بدء أو إنجاز مسطرة الحكم أو البت في القضايا أثناء ممارسته لمهامه القضائية يعد إخلالا منه بواجباته تجاه المواطنين الذين كفل لهم الدستور، بموجب فصله 118، حق التقاضي، مما يجعل توقيفه حالا عن مزاولة مهامه، لهذا السبب، ليس فيه ما يخالف الدستور؛
4- فيما يخص “خرق السر المهني وإفشاء سر المداولات” و”الامتناع العمدي عن التجريح التلقائي في الحالات المنصوص عليها في القانون”؛
حيث إن هاتين المخالفتين تخلان بواجبات أساسية للقاضي تتمثل في المحافظة على السر المهني وسرية المداولات وفي التجريح التلقائي في الحالات المنصوص عليها في القانون، وتمسان بواجب التزام القاضي للتكتم والحياد تجاه الأطراف، وبواجب حماية حقوق المتقاضين المنوط به بمقتضى الفصل 117 من الدستور، الأمر الذي يجعل اعتبار المخالفتين المذكورتين من الأسباب الموجبة لتوقيف القاضي المعني حالا عن مزاولة مهامه، ليس فيه ما يخالف الدستور؛
5- فيما يخص “الامتناع عن العمل المدبر بصفة جماعية” و”وقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم”؛
حيث إنه، لئن كان يجوز للقضاة التعبير عن مصالحهم المشروعة من خلال الجمعيات المهنية، التي أباح لهم الدستور إنشاءها بموجب الفقرة الثانية من فصله 111، فإن القضاة باعتبارهم، من جهة أولى، يجسدون إحدى السلطات الدستورية الثلاث، وبالنظر، من جهة ثانية، إلى كون الدستور، بموجب الفقرة الأخيرة من نفس الفصل 111، يمنع عليهم الانخراط في المنظمات النقابية، الأمر الذي ينطوي ضمنيا على منعهم من ممارسة حق الإضراب، واستحضارا، من جهة ثالثة، لمبدإ استمرار أداء مرفق القضاء لخدماته للمتقاضين، فإن اعتبار “الامتناع عن العمل المدبر بصفة جماعية” و”وقف أو عرقلـة عقد الجلســات أو السير العــادي للمحـاكم” من الأسباب الموجبة لتوقيف القاضي المعني حالا عن ممارسة مهامه، ليس فيه ما يخالف الدستور؛
6- فيما يخص “اتخاذ موقف سياسي أو الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية”؛
حيث إنه يتعين، بشأن هذه المخالفة، التمييز بين حالة اتخاذ القاضي لموقف سياسي وحالة الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية؛
وحيث إن اتخاذ موقف سياسي يعني الخوض الصريح والمباشر للقاضي في الشؤون السياسية، وهو ما يتنافى مع استقلاله وحياده، فإن توقيفه حالا عن مزاولة مهامه، في هذه الحال، ليس فيه ما يخالف الدستور؛
وحيث إن إدلاء القاضي بتصريح يكتسي صبغة سياسية، إن كان قد يستوجب اتخاذ إجراءات تأديبية في حقه، إذا كان هذا التصريح، في مضمونه ومداه، لا يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية الذي فرضه الدستور على القاضي بموجب الفقرة الأولى من فصله 111، فإن هذه المخالفة، بالنظر لعمومية العبارات التي صيغت بها، ليست من الأسباب التي تستدعي التوقيف الفوري للقاضي، مما يجعل اعتبار “أو الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية” موجبا لتوقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، غير مطابق للدستور؛
7- فيما يخص “ممارسة نشاط سياسي أو نقابي أو الانتماء إلى حزب سياسي أو نقابة مهنية”؛
حيث إن “ممارسة نشاط سياسي أو نقابي أو الانتماء إلى حزب سياسي أو نقابة مهنية” يعد إخلالا صريحا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 111 من الدستور التي تمنع على القاضي “الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية” فإن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه لهذا السبب، مطابق للدستور؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، فإن المادة 97 أعلاه، التي تنص على إمكان توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما، باستثناء المقتضيات المصرح بعدم مطابقتها للدستور، ومع مراعاة الملاحظة المسجلة بشأن البندين الثاني والثالث من الفقرة الثانية من هذه المادة، ليس فيها ما يخالف الدستور؛
لهذه الأسباب:
أولاـ يصرح:
1ـ بأن عبارة “بصفة خاصة” الواردة في الفقرة الثانية من المادة 97 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وما ورد في البند الأول من نفس الفقرة من “إخلال القاضي بواجب الاستقلال والتجرد والنزاهة والاستقامة”، وما تضمنه المقطع الثاني من البند التاسع من نفس الفقرة من “أو الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية”، مخالف للدستور؛
2ـ بأن المواد 35 و43 و72 والبندين الثاني والثالث من الفقرة الثانية من المادة 97 من القانون التنظيمي المذكور، ليس فيها ما يخالف الدستور، مع مراعاة الملاحظات المسجلة بشأنها؛
3ـ بأن باقي مقتضيات هذا القانون التنظيمي، ليس فيها ما يخالف الدستور؛
4ـ بأن عبارة “بصفة خاصة” الواردة في الفقرة الثانية، والبند الأول من هذه الفقرة، والمقطع الثاني من البند التاسع من نفس الفقرة من المادة97 المذكورة أعلاه، المصرح بعدم مطابقتها للدستور، يمكن فصلها عن أحكام هذه المادة، ويجوز بالتالي إصدار الأمر بتنفيذ القانون التنظيمي رقم106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، باستثناء هذه المقتضيات؛
ثانياـ يأمر بتبليغ نسخة من قراره هذا إلى السيد رئيس الحكومة، وبنشره في الجريدة الرسمية.
وصدر بمقر المجلس الدستوري بالرباط في يوم الثلاثاء 5 من جمادى الآخرة 1437
(15 مارس 2016)
الإمضاءات
محمد أشركي
حمداتي شبيهنا ماء العينين ليلى المريني أمين الدمناتي عبد الرزاق مولاي ارشيد
محمد الصديقي رشيد المدور محمد أمين بنعبد الله
محمد الداسر شيبة ماء العينين محمد أتركين