الدعاوي العقارية : دعوى الحيازة نموذجا .
بقلم ناجية أقجوج
توطئة:
إذا كانت الحيازة هي وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه ، فإن هذا الاستيلاء إما أن يكون سببا من أسباب نقل الملكية و ذلك بالنسبة للأشياء المجهولة الأصل ؛وهي التي لا يعرف مالكها ، والتي يكفي فيها عشرة أشهر فأكثر على الراجح في المذهب المالكي . وإما أن تكون سببا من أسباب نقل الملك من المالك الأصلي إلى الحائز؛ وهي التي تعرف بحيازة ما علم أصله.
فإذا كانت الحالة الأولى سببا من أسباب كسب الملكية، فإن الحالة الثانية تعد حيازة قاطعة للملكية وقرينة عليها، أو ما يسمى في الاصطلاح القانوني بالتقادم.
لكن إذا حدث أن ظهر صاحب الحق الأصلي ورفع دعوى بأن الشيء المستولى عليه ملكه وأثبت ذلك وتوفرت الشروط العامة وادعى أن ذلك العقار تحت حيازته وتصرفه ، فكيف يمكن إثبات هذا الحق ، وما هي الشروط العامة لرفع الدعوى ، وما هي أنواعها وآثارها ، وما هي المحكمة المختصة في رفع الدعوى . هذا هو محور هذا البحث .
المسألة الأولى: تعريف الدعوى و أنواعها.
ü أولا: تعريف الدعوى.
بعد استقراء نصوص بعض القوانين وخاصة قانون المسطرة المدنية لا نجد تعريفا للدعوى، باستثناء ما جاء في قانون المسطرة المدنية الفرنسي ؛ حيث نص الفصل 30على أن :” الدعوى هي حق صاحب ادعاء ليستمع له في موضوع هذا الادعاء وذلك من أجل قبوله أو رفضه من طرف القاضي “. ولهذا عمد فقهاء القانون الوضعي إلى تعريفها كل حسب نمطه ؛ فمنهم من قال بأنها:” سلطة الالتجاء إلى القضاء للحصول على تقرير حق أو حمايته “[1]. ومنهم من قال بأنها :”السلطة القانونية المخولة إلى الشخص للالتجاء إلى القضاء بقصد حماية حقه “ [2].
ومهما تعددت التعاريف فإن الدعوى هي وسيلة قانونية يمارسها صاحب الحق أو مزعم عن طريق الالتجاء إلى القضاء من أجل تقرير حق أو تثبيته أو حمايته .
وهذه التعاريف لا تتعارض في معناها وما أورده فقهاء الشريعة الإسلامية في تعريفهم للدعوى إذ قرروا أن :” الدعوى طلب أخر حقه من آخر بحضور الحاكم ويقال للطالب المدعي وللمطلوب المدعى عليه” [3] . ولذلك لا يعتبر اللجوء إلى الإدارات والمؤسسات العامة للدولة لهذا الغرض أو ذاك دعوى ، كما لا يعتبر الدفاع عن النفس لأخذ الحق دعوى ما دام لم يتخذ مسطرة الالتجاء إلى القضاء.
ü ثانيا : تصنيف الدعوى .
تنقسم الدعوى إلى أقسام ثلاثة وذلك بالنظر إلى ثلاثة اعتبارات :
*- فبالنظر إلى طبيعة الحق الذي تحميه تنقسم إلى :
– دعاوي شخصية : وهي التي يكون الغرض منها تنفيذ التزام ما ،؛ كأداء دين أوالقيام بفعل شيء .
-دعاوي عينية : وهي التي ترمي إلى حماية حق عيني؛ كدعوى الملكية أوالاستحقاق .
– دعاوي مختلطة : وهي التي تتعلق في أن واحد بحق عيني وحق شخصي بحيث يكون الحكم الذي يصدر في النزاع على حق شخصي حاسما للنزاع أيضا بالنسبة للحق العيني .
*- أما بالنظر إلى موضوع الحق؛ أي المحل الذي يهدف المدعي الحصول عليه إما أن تكون عقارية أو منقولة :
– الدعاوي العقارية هي التي يكون المطلوب بها عقارا أو حقا عينيا على عقار .
– الدعاوي المنقولة هي التي يكون المطلوب بها منقولا ؛ كالمطالبة بأداء مبلغ مالي كان في الذمة .
وينشأ عن هذين التصنيفين تصنيف ثالث قاصر على الدعاوي العقارية حيث أن الدعاوي إما أن تهدف إلى حماية أصل الحق فتسمى : دعاوي الملكية ، وإما أن تهدف إلى حماية حيازة الحق العقاري ليس إلا فتسمى : دعاوي الحيازة . [4]
المسألة الثانية : تعريف الدعاوي العقارية وأنواعها.
ü أولا : تعريف الدعاوي العقارية .
الدعاوي العقارية هي الدعاوي التي يكون محل الحق الذي تحميه عقارا ، وبمفهوم آخر هي الدعاوي التي يكون الغرض منها حماية الحقوق العينية . والحقوق العينية العقارية في التشريع المغربي هي : ملكية العقارات السطحية ، والانتفاع المترتب على العقارات ، وحقا السكنى والاستعمال، والارتفاقات و الكراء الطويل الأمد، والوقف، والحقوق العينية المستمدة من الفقه الإسلامي ؛كالجزاء والجلسة والزينة ، والرهن الحيازي العقاري و الرهن الرسمي ، والامتيازات العقارية .
فكل دعوى يكون الغرض منها حماية حق من هذه الحقوق تتصف بطبيعة الحق الذي تحميه وتعتبر دعوى عقارية . [5] . وهذا ما نصت عليه الفقرة (ب) من الفصل الثامن من ظهير العقارات المحفظة على أن : “الدعوى التي ترمي إلى استحقاق عقار تعتبر دعوى عقارية“.
ü ثانيا : أنواع الدعاوي العقارية .
لقد وردت الحقوق العينية العقارية – حسب الرأي الغالب – في القانون على سبيل الحصر ، فكان طبيعيا أن يؤثر ذلك على الدعاوي العقارية نفسها فتعتبر هي أيضا محصورة بهذه الحقوق العقارية ، وعليه فتعتبر من قبيل الدعاوي العقارية ، وبصورة خاصة، الدعاوي الآتية :
1 – دعوى استحقاق العقار التي يرفعها المالك لتثبيت ملكيته واسترداد العقار عند الاقتضاء من حائزه .
2 – دعوى تثبيت حق من الحقوق العينية العقارية الأصلي؛ كالسطحية والانتفاع، والكراء الطويل الأمد ، والارتفاق .
3 – دعوى إنكار حق من الحقوق المذكورة التي بها المالك على من يدعي أن له على عقاره حقا من الحقوق.
4 – دعوى تثبيت حق من الحقوق العينية العقارية ؛ كالرهن الرسمي ، والرهن الحيازي الواقع على عقار ، والامتياز العقاري الناجم عن المصاريف القضائية المنفقة لبيع العقار وتوزيع الثمن أو عن حقوق الخزينة .
5 – دعوى قسمة الأموال العقارية قسمة نهائية لأن مثل هذه القسمة تتناول أصل الملكية أو أصل الحق العيني المشاع فتقضي نهائيا على الشيوع بين المتقاسمين بحيث يستعيض كل منهم عن حصته الشائعة في الملكية أو في الحق العيني بملكية مستقلة أو بحق عيني مستقل . أما الدعوى المتعلقة بقسمة المهايأة زمانية كانت أو مكانية ، فهي تعتبر دعوى شخصية لأنها تنصب على منافع الشيء المشترك دون جوهر حق الملكية أو الحق العيني الذي يبقى شائعا فيما بينهم ، وما دامت دعوى قسمة المهايأة هي دعوى شخصية ، فإنها تخرج عن نطاق الدعاوي العقارية ، لأن الدعاوي العقارية قاصرة على الدعاوي المتعلقة بحق عيني على العقارات .
6 – دعاوي الحيازة التي تحمي وضع اليد كمظهر للملكية والتي يجب اعتبارها في حكم الدعاوي العقارية ، ونظرا لما لموضوع دعاوي الحيازة من أهمية فسأتطرق إليه ببعض التفصيل .
ولابد من الإشارة أخيرا أن الدعاوي العقارية ترفع أمام محكمة موقع العقار . كما أن الدعاوي العقارية إذا كانت تتعلق بعقار محفظ لا مفعول لها تجاه الغير إلا من اليوم الذي سجل فيه بالرسم العقاري العقد المستند إليه في الدعوى ، أو من اليوم الذي وقع فيه تقييد مقال التداعي تقييدا احتياطيا . [6] .
المسألة الثالثة : دعاوي الحيازة .
تمهيد :
قبل البدء في موضوع الدعاوي الحيازية لا بد من إ عطاء تعريف للحيازة .
فالحيازة كما عرفها بعض رجال الفقه القانوني المعاصرين هي : “ سلطة فعلية يباشرها شخص معين بنية الظهور بمظهر مالكه أو مظهر صاحب حق عيني آخر”[7] . أو هي السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على الشيء أو على حق عيني مترتب على شيء شريطة أن لا تكون الأعمال التي تنم عن هذه السلطة أو السيطرة من قبيل الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات؛ كالسير في الشوارع أو التنزه في الحدائق العمومية أو إيقاف السيارات على جانب الطرقات المسموح وقوف السيارات فيها ، أو الأعمال التي يتحملها الغير على سبيل التسامح كما هو الشأن في تحمل مالك الأرض تجاوز أغصان شجر الدار على هواء أرضه أو في سماح المالك لجاره بالمرور من عقاره لأن الطريق المؤدية لعقار الجار معطلة .[8].
ولابد لقيام الحيازة من توافر عنصرين : عنصر مادي ؛ وهو السيطرة الفعلية
أ والسلطة الواقعية على الشيء أو على الحق العيني. وعنصر معنوي؛ وهو نية الحائز في أن يحوز كمالك أو كصاحب حق عيني. [9] .
ونظرا لأهمية الحيازة قد يقوم النزاع عليها ذاتها سواء كان ذلك خطوة أولى في الدفاع عن الحق ، أم مجرد نزاع بشأنها لم يشأ المشرع أن يجعل من النزاع عن الحيازة مسألة فرعية من النزاع في أصل الحق ، بل ولم يشأ أن يجعل منه مسألة أولية في هذا النزاع ، وإما قرر أن يجعل من النزاع على الحيازة مسألة مستقلة يفصل فيها بذاتها ولذاتها أولا ، وبذلك قرر ما يسمى ” بدعاوي الحيازة ” بالمقابلة لدعاوي الحق .[10].
ويقصد بدعاوي الحيازة تلك التي تحمي الحيازة بحد ذاتها وبالاستقلال عن أصل حق الملكية أو أصل الحق العيني الذي هو موضوع الحيازة .[11].
وأساس هذه الدعاوي هو حماية الحائزين من تعرضهم للمنازعات والتشويش عليهم في حيازتهم القانونية من العيوب . فما هي أنواع هذه الدعاوي ، وما شروط رفع الدعوى ، وما آثار ذلك ، وما هي المحكمة المختصة بالنظر في ذلك.
ü النقطة الأولى : أنواع دعاوي الحيازة .
إن عددا من التشريعات حصرت أنواع دعاوي الحيازة في ثلاثة ، تذكر في قانون المسطرة المدنية ، وهذا ما فعله المشرع المغربي ، أما البعض الآخر فيذكرها قي القانون المدني ، كما قام المشرع في الفصل 949وما بعده.
ودعاوي الحيازة تقليديا ثلاث وهي : دعوى منع التعرض ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة ، ودعوى استرداد الحيازة . وقد كان قانون المسطرة المدنية المغربي القديم قد نص في المادة السابعة إلى أنواع أخرى ونقلا عن التشريع الفرنسي، وقد انتقد بعض الشراح قانون المسطرة المدنية ذلك واعتبره من قبيل اللغو[12].ولم يعتبروا من قبيل الدعاوي الحيازية إلا ما يأتي :
– دعوى منع التعرض : وهي الدعوى الحيازية التي يقيمها حائز العقار أو الحق العيني العقاري لمنع غيره من الاعتداء عليه في حيازته والتعرض له بأي عمل مادي يتضرر منه كحرث الأرض التي في يده مثلا.
والتعرض إما أن يكون واقعيا ؛ وهو كل عمل مادي ينطوي على إنكار حيازة الحائز؛ كأن يزرع شخص أو يبني في أرض موجودة في حيازة صاحبها ، وأما التعرض الواقعي الذي لا ينم عند صاحبه عن فكرة إنكار الحيازة كأن يمر شخص في عقار غيره دون أن تكون لديه نية التمسك بحق ارتفاق لمصلحة عقاره لا يسمح بإقامة دعوى منع التعرض ، بل يشكل عملا غير مشروع يعطي المضرور حق المطالبة بالعطل والضرر ليس إلا .
وإما أن يكون قانونيا : وهو كل تصرف يكتسي صفة قانونية يستفاد منه التعرض لحيازة الحائز ؛ كأن يقيم صاحب العقار المرتفق به بحق مرور دعوى منع التعرض على مالك العقار المرتفق لمنعه من ممارسته حق الارتفاق .
وتوجه دعوى منع التعرض ضد مرتكب التعرض حتى لو كان من قام بالتعرض إنما قام به بناء على أمر تلقاه من الغير أو بوصفه نائبا عن الغير على أن يكون للمدعى عليه حق إدخال هذا الغير كضامن في الدعوى.
– دعوى وقف الأعمال الجديدة . وهو دعوى حيازية تهدف إلى وقف أعمال شرع القيام بها . وبموجبها يسوغ لكل من حاز عقارا أو حقا عينيا على عقار ووقع له التعرض من جراء أعمال تهدد حيازته أن يرفع الأمر إلى المحكمة للمطالبة بوقف هذه الأعمال . [13].
– دعوى استرداد الحيازة : ويرفع هذه الدعوى كل من كان قصده هو استرجاع الحيازة التي كانت بيده و سلبت منه بالقوة والعنف ، فإذا لم تكن هناك قوة ولا إكراه فلا محل لدعوى الحيازة ؛ لأن أساسها حماية الحق العمومي وردع كل من يحاول أخذ حقه بنفسه وعن طريق العنف ، وهذا ما نصت عليه المسطرة المدنية بأنه:”يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة المنتزعة أو بالإكراه إذا كانت للمدعي وقت استعمال العنف والإكراه حيازة مادية وحالة وهادئة وعلنية” [14]. كما يتضح من خلال هذا النص أنع لابد من توافر شروط ما لرفع الدعوى الحيازية. وعن هذه الشروط تدور النقطة الموالية .
ü النقطة الثانية : شروط رفع دعاوي الحيازة.
وهي الشروط العامة [15] التي تتطلب في كل حيازة لتنتج آثارها.
وبالرجوع إلى الأحكام العامة المذكورة في الفصول من 166 إلى 170 من قانون المسطرة المدنية ، المبينة لأهم أحكام دعاوي الحيازة يلاحظ أن هاته الأحكام تقتضي تقييد قبول هذه الدعاوي الحيازية ليترتب أثرها القانوني بأن ترفع خلال السنة التالية للفعل الذي يخل للحيازة ، كما جوزت رفعها إما بطلب أصلي مستقل أو بواسطة طلب مقابل لدعوى أخرى مبنية أن دعاوى الحيازة لا يرفعها إلا الشخص الذي كانت له حيازة عقار ، أو حق عيني عقاري منذ سنة على الأقل وسواء كانت هذه الحيازة بيد رافعها شخصيا أو كانت له بواسطة الغير ، وهكذا اشترطت النصوص المذكورة لصحة رفع الدعوى الحيازية شروطا هي :
1- أن تكون الحيازة علنية: والمقصود من العلنية هو الظهور بمظهر صاحب الحق ومباشرة التصرفات القانونية على العقار بصفة علنية ظاهرة حتى تكون الحيازة معروفة ومعلومة. أما إذا حصلت في الخفاء فتعتبر متعيبة و لا تكون صالحة للتملك بالتقادم ، وتكون الحيازة مشوبة بعيب الخفاء إذا كانت الأعمال التي يباشرها الحائز على الشيء ليس من شأنها أن تظهر الحيازة للناس وعلى الأخص من لهم مصلحة في العلم بها .
والخفاء عيب يرد به في الغالب على حيازة المنقولات ؛لأن المنقولات يمكن إخفاؤها في سهولة ويسر ، إلا أنه من المتصور نظريا على الأقل أن يعتري هذا العيب حيازة العقارات أيضا ، وإن كان هذا الأمر بالغ الندرة في العمل إن قدرله أن يكون لأن طبيعة العقارات تحول دون إخفاء وضع اليد عليها ، والمثال التقليدي للحيازة الخفية في العقارات هو أن يحفر الجار كهفا تحت منزل جاره ويستعمله دون أن تدل عليه علامة خارجية ، أو أن يتعمد الجار المرور في الأرض المجاورة في أوقات لا يراه فيها مالكها.[16]
2- أن تكون هادئة: أي أن تكون الحيازة قد تمت بدون عنف ولا إكراه؛ أي دون منازعة ولا معارضة بشيء يخل بصحة الهدوء. فإذا حاز شخص عقارا أو منقولا بطريق الإكراه لا يكون لحيازته أثر، ولا يمكنه مثلا الاستناد لهذه الحيازة في سبيل التملك بالتقادم [17] على أن العنف أو الإكراه لا يعيب الحيازة إلى ما لا نهاية. فإذا ما زال هذا العيب واستمر الحائز بعد ذلك في حيازته بصورة هادئة أصبحت حيازته صحيحة وأنتجت آثارها القانونية من حيث إمكانية حمايتها بدعوى منع التعرض، أو من الاعتداء بها في حقل التقادم المكسب. [18]
3- ثم إن عيب عدم الهدوء عيب نسبي لا يحتج به إلا المعتدى عليه الذي كان عرضة لأعمال العنف. وعليه تقبل دعوى منع التعرض ما دامت الحيازة هادئة بالنسبة للمدعى عليه حتى ولو لم تكن كذلك بالنسبة للغير. [19].
4- أن تكون الحيازة متصلة: أي أن يقوم الحائز بأعمال متكررة على الشيء بما يطابق نوع الحق الذي يمارسه عليه، وبصورة منتظمة دون أن تتوسط أعماله مدد مختلفة تنقطع خلالها الحيازة انقطاعا غير عادي. على أنه يجب أن لا يؤاخذ استمرار الحيازة على معنى أن يكون الحائز دائم الاتصال بالشيء فيكفي لاعتبار الحيازة مستمرة أن يباشر الشخص سلطته على الشيء على الوجه الذي يتفق مع طبيعة الغرض المعد له . فإذا وضع شخص مثلا يده على أرض لا تزرع إلا مرة واحدة كل عام كفاه أن يزرعها في موسم الزراعة، وأن تركها في غير ذلك من الأوقات ؛ أي في الأوقات التي تكون فيها غير مزروعة . [20].
5-أن تكون الحيازة غير مجردة من الموجب القانوني : إذ لا عبرة بحيازة دون سبب، فإذا كانت لا تستند لموجب شرعي فلا تستحق أن تكون محمية بدعاوي الحيازة .
6- أن تكون الحيازة خالية من الالتباس الذي يشوبها أو يؤثر على وجودها أوعلنيتها أو على هدوئها . وتكون الحيازة مشوبة بعيب اللبس أو الغموض إذا حاطت بها ظروف تثير الشك في أن الحائز يباشر على الشيء لحساب نفسه ، بحيث أن الأعمال التي يقوم بها يمكن أن تحتمل معنيين ؛ فيصح أن تحمل على أنه يريد الاستئثار بالحق لنفسه ، كما يصح أن تحمل على أنه يجوز لحساب غيره .
7- أ ن تكون الحيازة حالة : وذلك بالنسبة لقبول دعوى استرداد العقار ؛ أي أن يكون العقار أو الحق موجودا في يد الحائز وقت وقوع أعمال العنف التي أدت فقدان الحيازة حسب ما نص عليه الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية المغربي .
فإذا لم تتحقق هذه الشروط لا يمكن رفع هذه الدعوى إلا أنه لا يمكن الظن بأن المتضرر يحرم من الالتجاء إلى القضاء للدفاع عن حقه ، أو استرجاعه في سائر الأحوال بل إنه من حقه أن يقدم دعواه في إطار آخر إذا كان لها وجه شرعي يمكنه من الاستفادة أمام القضاء .
ولقد أتى قانون المسطرة المدنية باستثناء في الفقرة الثانية من الفصل 166 يعطي إمكانية رفع دعوى استرداد الحيازة التي وقع انتزاعها بواسطة العنف والإكراه ، لكنه قيدها بقيود وهي : أن يكون المدعي وقت تعرضه لاستعمال العنف من الغير حائزا للعقار حيازة مادية فعلية في الوقت الذي استعمل غيره معه العنف أو الإكراه . وأن يتم توفرها على الهدوء وعدم النازع أو العارض مع العلنية القانونية في مثل تلك الحيازة.
ü النقطة الثالثة : آثار دعاوي الحيازة .
قد يحدث أحيانا أن يدعي كل من المدعي والمدعى عليه بأنه الحائز فعلا، ويؤيد كل منهما ادعاءه بأدلة لا يستطيع القاضي بسببها في تلك الظروف الترجيح بينها ليعرف بالتالي لمن هي الحيازة ، والحالة هاته نص عليها الفصل 170 من قانون المسطرة المدنية المغربي :” إذا ادعى كل من المدعي والمدعى عليه أنه حائز، وتقدم كل منهما بأدلة على تلك الحيازة فللقاضي أن يبقي الحيازة لهما معا في نفس الوقت أو يأمر بحراسة قضائية على المتنازع فيه أو أن يسند حراسته لأحد الطرفين مع التزامه بتقديم حساب عن ثماره إذا اقتضى الحال ذلك”، وعليه فإن الحل الذي قرره الفصل 170 لا يخرج عن ثلاثة حلول :
- إما أن يأمر القاضي بإبقاء الحيازة لهما معا، وفي نفس الوقت، وبذلك يكون هذا الأثر تأكيدا لحالة سابقة استوجبت إبقاء ظروف لاحظها القاضي تلقائيا أو أثيرت أمامه ورأى أن فائدة الطرفين في ذلك.
- وإما أن يأمر القاضي بإجراء حراسة قضائية على المتنازع فيه ، وسيكون الأثر هو إعطاء الحيازة لغيرهما وهو الجعة المكلفة بالحراسة ومنعهما من التصرف في العقار بأنفسهما بسبب النزاع المثار بينهما والذي يرى معه القاضي أن مصلحة الدعوى هي حرمانهما من العين المتنازع عليها .
- وإما أن يسند الحراسة لأحدهما مع إلزامه بتقديم الحساب عن الثمار إذا اقتضى الحال ذلك ، وتكون نتيجة وأثر الدعوى في هذه الحالة هو حرمان أحدهما ولو مؤقتا من حق مباشرة التصرف ، ينتهي بانتهاء النزاع بينهما . نظرا لما تأكد للقاضي من أن مصلحة النزاع تحتم تنصيب أحدهما حارسا على المتنازع عليه.[21] .
ü النقطة الرابعة : المحكمة المختصة بالنظر في دعاوي الحيازة .
لمعرفة المحكمة المختصة بالنظر في دعاوي الحيازة لابد من الرجوع إلى النصوص القانونية المسطرية ثم إلى فقهها .
فالفصل 27 من ظهير المسطرة المدنية يشير في مادته الخامسة إلى أنه تقام الدعاوي خلافا لمقتضيات الفصل السابق أمام المحاكم التالية : في الدعاوي العقارية _ تعلق الأمر بدعوى الاستحقاق أو الحيازة _ أمام محكمة موقع العقار المتنازع عليه. وهذا الفصل لا خلاف في أنه واضح في الاختصاص المحلي ، ويجب بناء عليه أن يعرض النزاع على محكمة مكان العقار . كما أن الباب الثاني التعلق بالاختصاص النوعي في الفصول من 18 إلى 23 لم تقع الإشارة فيه إلى المحكمة المختصة بهذا النوع من الدعاوي . ولعل ما فعلته المسطرة المدنية يرجع إلى أن الأمر واضح بسبب أن جميع الدعاوي تنظر فيها المحكمة الابتدائية حيث إنه لم يبق بعد صدور القانون الجديد إلا محكمة واحدة من الدرجة الأولى ؛ وهي المحكمة الابتدائية ، ومحكمة واحدة من الرجة الثانية ؛ وهي محكمة الاستئناف في سلم درجات التقاضي العادي ، أما في ظل قانون المسطرة القديم فإن الفصل السابع منه كان ينص صراحة على أن المحكمة المختصة نوعيا في الدعاوي الحيازية هي محكمة السدد . ولهذا فإن الجهة المختصة الآن بهذا النوع من القضايا هي المحكمة الابتدائية للمكان الذي يقع العقار في دائرتها ، لكونها حلت محل محاكم السدد ، ولا يوجد نص يعطي هذا الاختصاص لقاضي المستعجلات . [22] .
ü النقطة الخامسة : بعض الأحكام المشتركة لدعاوي الحيازة .
إن دعاوي الحيازة تخضع جميعها لبعض الأحكام المشتركة التي تتجلى في القواعد التالية :
أ – لا تمارس الحيازة إلا بالنسبة للعقارات أو الحقوق العينية العقارية التي يجوز التعامل فيها . أما العقارات الخارجة عن دائرة التعامل كالأملاك العامة أو العقارات الموقوفة فلا يمكن لأحد أن يحوزها ، و إذا حصل وحازها شخص ورفعت يده فلا يستطيع أن يمارس دعاوي الحيازة لاسترداد حيازته .
ب_ أن دعاوي الحيازة يجب أن تمارس خلال مدة سنة من ارتكاب العمل الذي يشكل تعرضا للحيازة حيث نصت المادة 167 من قانون المسطرة المدنية على أنه :“لا تقبل دعاوي الحيازة سواء قدمت بطلب أصلي أو بطلب مقابل إلا إذا أثيرت خلال السنة التالية للفعل الذي يخل بالحيازة” .وفي حالة تعاقب أعمال التعرض فمدة السنة تبدأ من تاريخ أول عمل أقدم عليه مرتكب التعرض إذ قد يكون هذا العمل من البساطة بحيث لا يؤبه له ولا يشكل إزعاجا للحائز ، بل أن مدة السنة تبدأ من التاريخ الذي تبلغ فيه أعمال التعرض حدا من الجسامة بحيث تهدد الحائز وتنال من حيازته .
ج_ لا يجوز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية؛ فالمالك الذي اعتدي على حيازته يستطيع حماية هذه الحيازة عن طريق دعوى الحيازة حيث ينصب النزاع على واقعتي الحيازة والتعرض ليس إلا ، على أن يتقدم ذو المصلحة عند الاقتضاء فيما بعد بدعوى الملكية للنظر في جوهر حق الملكية أو جوهر الحق العيني العقاري.
والغالب أن المالك يفضل ممارسة دعوى الحيازة لأنها أقل تعقيدا وأقل كلفة من دعوى الملكية، زيادة على أن الحكم له بدعوى الحيازة قد يغنيه عن دعوى الملكية.
ويترتب على قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية مجموعة من النتائج أهمها:
-إذا أقيمت دعوى الحيازة وأنكر المدعى عليه واقعة الحيازة أو واقعة التعرض وقرر القاضي الاستماع إلى البينة الشخصية ، فشهادة الشهود يجب أن تكون محصورة بهاتين الواقعتين ولا يمكن أن تتناول جوهر الحق ، لأن مثل هذا الموضوع من متعلقات دعوى الملكية ويخرج عن نطاق دعوى الحيازة ، وعلى هذا قررت المادة 168 من المسطرة المدنية أنه :” إذا وقع إنكار الحيازة والتعرض لها فإن البحث الذي يؤمر به لا يمكن أن يتعلق بموضوع الحق الذي لا يمكن أن يكون إلا محل دعوى ملكية تستهدف الاعتراف بحق عقاري “.
-لا يجوز للمحكمة التي تنظر في الدعوى الحيازية أن تنظر في دعوى الملكية؛ لأن دعوى الملكية إنما تتعلق بجوهر الحق ، وجوهر الحق لا يمكن أن يكون إلا محل دعوى ملكية تستهدف الاعتراف بحق عيني عقاري حسب ما أشارت إليه المادة 168 .
-إذا رفع المدعي دعوى الملكية فإنه يعتبر متنازلا عن دعوى الحيازة فيسقط حقه في ممارستها ، وهذا ما نبهت عليه المادة 169 من المسطرة المدنية حيث قررت أن :” من قدم دعوى الملكية لا تقبل منه بعد ذلك دعوى الحيازة إلا إذا وقع إخلال بحيازته بعد تقديم دعوى الملكية “ .
وعدم قبول دعوى الحيازة يبقى قائما حتى ولو كانت دعوى الملكية رفعت إلى محكمة غير مختصة. على أنه يشترط في تطبيق عدم قبول دعوى الحيازة لسبق رفع دعوى الملكية أن تكون دعوى الحيازة قد نشأ الحق فيها قبل إقامة دعوى الملكية ، أما دعوى الحيازة التي تستند إلى أعمال وقعت بعد رفع دعوى الملكية فتبقى مسموعة ، وإلى هذا أشار الفصل 169 من المسطرة المدنية بالاستثناء .
-أن الحكم الذي يصدر عن المحكمة في الدعاوي الحيازية هو دوما حكم ابتدائي يقبل الاستئناف ؛لأن النزاع في الدعاوي الحيازية يعتبر موضوعه غير محدد قيميا ، وإن النزاع الذي يكون قيمة موضوعه غير محددة يبث فيه ابتدائيا.[23].
[1]1-أحمد أبو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، مطبعة المعارف ، ص: 96 .
[2] -الرجع نفسة ، نقلا لتعريف الأستاذ مولس .
[3] -المادة 1613 من مجلة الأحكام العدلية .
[4] – إدريس العلوي العبدلاوي ، القانون القضائي الخاص ، ط: 1 ، ج: 2 ، ص: 113 .
[5] – القانون القضائي الخاص : ج 2 ، ص: 121 .
[6] – القانون القضائي الخاص، ج: 2 ، ص: 128 .
[7] -إدريس العلوي العبدلاو ي ، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ، ط، 1 ، ج : 2 ، ص: 581 .
[8] – مأمون الكزبري : شرح المسطرة في ضوء القانون المغربي ، ج: 1 ، ص: 508 .
[9] – القانون القضائي الخاص، ج: 2، ص: 130 .
[10] -وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ، ج : 1 ص: 596 – 597 .
[11] – القانون القضائي الخاص، ج:2 ، ص: 130 .
[12] – المرجع نفسه : ج، 2 ، ص: 131 .
[13] وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ، ج: 2 ، ص: 597 .
[14] المادة 166 من قانون المسطرة المدنية المغربي .
[15] -عند رجال القانون، وليس الشروط التي وضعها فقهاء الشريعة الإسلامية للحيازة .
[16] – وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ، ج: 1 ، ص: 594 .
[17] – المرجع نفسه ،ص: 593 .
[18] -مأمون الكزبري ، القانون المدني :الحقوق العينية ، ص: 510 .
[19] – المرجع نفسه : ص: 511 .
[20] – القانون القضائي الخاص، ج : 2 ،ص: 139 ./ وسائل الإثبات: ج: 1، ص: 596.
[21] – عبد العلي العبودي ، الحيازة فقها وقضاء ط: 1 /1996 / ص: 143- 144 .
[22] -التعليق على قانون المسطرة المدنية في ضوء الفقه والقضاء ، ط: 2 ، ج:1 ، ص: 8 وما بعدها.
[23] – القانون القضائي الخاص ، ج: 2 ، ص: 131 وما بعدها